كيف تحرر ما تكتب
ترجمة بتصرف لمقال النييورك تايمز
الكتابة صعبة , ولكن لا تتجاهل أهمية تحرير عملك قبل أن تجعل الاخرين يشاهدونه, إليك الطريقة:
معاذ المجيول 14 رمضان 1441
سر الكتابة الجيدة هو التحرير الجيد , فالتحرير هو ما يفصل بين ما يكتب بعجالة و الكتابات المرقمة بعلامات ترقيم عشوائية و الكتابات التي تستند الى حجج ضعيفة غير مترابطة ومقالات الرأي ويفصل أيضا بين روايات “أدب المعجبين”* المحرجة والروايات العظيمة الخالدة ,بنهاية كتابة هذه المقالة ، ستجد أنه قد تم تحرير وإعادة كتابة كل سطر بضع مرات على الأقل, إليك كيفية البدء في تحرير عملك الخاص.
افهم أن ما تكتبه أولا هو مجرد مسودة
لا يهم مدى أعتقادك أنك كاتب جيد - الكلمات الأولى التي تكتبها على الصفحة هي مجرد مسودة أولى, إنما الكتابة تفكير : من النادر أن تعرف بالضبط ما ستقوله قبل أن تقوله, في النهاية سوف تحتاج على الأقل إلى الرجوع إلى المسودة ,وترتب كل شيء, وتتأكد من أن المقدمة التي كتبتها في البداية تتطابق مع ما قلته في النهاية.
شرح لي معلم الكتابة اللذي درسني سابقا، الكاتب ورسام الكاريكاتير تيموثي كريدر ، المراجعة بقوله : "وهذه إحدى الجمل الدارجة المفضلة" هي "l'esprit d'escalier" وتعني بالعربية “عقلية بدل ذهنية” وهو مصطلح يستعمل في حالة التفكير بالرّد المناسب بعد فوات الأوان.
من النادر أن تتذكر محادثة خضتها بمثالية ,مغازلة بائسة , أو جدال في قاعة الدراسة أو إجتماع عمل محتدم … إلخ من الأمثلة ,دائماً ما ترجع للبيت ويكون ما في رأسك هو (ليتني قلت كذا بدل كذا ) وتبدأ في مراجعة كل الحجج المنطقية اللتي كان من الممكن أن تقولها ولم تقلها , تقدم لنا الكتابة واحدة من الفرص النادرة في الحياة فعند الأنتهاء من الحديث : يمكنك إصلاح ما أفسدت وقول ما كنت تقصد هذه المرة, إلى الحد الذي يتمكن فيه الكتاب من الظهور بشكل أذكى أو أكثر لمعاناً عند القراء ، وذلك فقط لأنهم خدعو القراء عن طريق أخذ الكثير من الوقت للتفكير في ما هو مقصود وتنقيحه على مدار أيام أو أسابيع ، أو حتى سنوات, ليستطيعو قول ما يريدون بمنتهى الوضوح و الجمال.
إن الوقت الذي تقضيه في التحرير وإعادة العمل والتنقيح على مسودتك الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ، وإذا استمريت في ذلك ستحصل في النهاية على شيء رائع, أكبر خطأ يمكنك القيام به بصفتك كاتب هو افتراض أن ما كتبته في المرة الأولى كان جيدًا بما فيه الكفاية.
الآن ، دعونا نلقي نظرة على كيفية إجراء التحرير الفعلي.
راقب الأخطاء الشائعة
إن من المحبط أن معظم الأخطاء اللتي يقوم بها الكتّاب هي أخطاء شائعة,الكتاب الجيدون يلاحظونها قبل أن يلمسوا الصفحة ,إذا كنت جادًا بشأن تحسين كتابتك ، فإنني أوصيك بقراءة (“The Elements of Style” by William Strunk Jr) و(E.B. White)، دليل إرشادي للكتابة الإنجليزية الجيدة والواضحة وتجنب الأخطاء الأكثر شيوعًا. (“Politics and the English Language” by George Orwell) أيضا يستحق الدراسة إذا كنت ترغب في تجنب الكتابة "القبيحة وغير الدقيقة".
بعض الأخطاء ستتعلم ملاحظتها (والتي يجب علي إصلاحها طوال الوقت في كتاباتي) وهي:
الإفراط في استخدام المصطلحات الغليظة والتحدث بالمصطلحات الخاصة بجماعة ما مثل مصطلحات الأعمال :
المصطلحات الغليظة مثل "الإستنفاع" أو "السعي" أو "التواصل" - بدلاً من "الإستخدام" أو "المحاولة" أو "الدردشة" ( الكلمات الأولى تبدو أسهل في العربية مما هي في المقال الأصلي وهنا أضع مثال مقارب لما يريد الكاتب “ إستخدام البين بدل الفراق “) - تَتَسلل للمقال عندما يحاول الأشخاص (وأنا منهم) أن نبدو أذكياء, إنه نوع الكتابة التي عارضها أورويل في مقاله , إن محاولتك الظهور بمظهر الذكي يضفي الغموض على ما تكتب , كما قال وأورويل ، "لا تستخدم كلمة طويلة أبدًا إذا كانت تكفي كلمة قصيرة".
الكليشيهات:
تعتبر الكليشيهات شائعة جدا ولكن على الأقل من السهل التخلص منها , إذا لم تكن متأكدًا مما إذا كانت العبارة كليشية ، فمن الأفضل تجنبها أليس كذلك؟ الكليشيهات هي عبارات قديمة فقدت تأثيرها وجدتها من خلال الاستخدام المفرط لها, في مرحلة ما كانت عبارة "العشب دائمًا أكثر خضرة على الجانب الآخر" كان عبارة ذكية ، لكنها الان مبتذلة .
.ونستشهد بما قال أورويل مرة أخرى: "لا تستخدم أبدًا الاستعارة أو التشبيه أو أي شكل آخر من الكلام الذي اعتدت على رؤيته في المطبوعات ".
أنتبه !! وركز فيما أقول، (الميميز) تصبح بسرعة كليشيهات - فاحذر.
الأفعال المبنية للمجهول:
في معظم الحالات ، يجب أن يكون موضوع الجملة هو الشخص أو الشيء الذي يتم العمل عليه، وليس الشيء الذي يتم التصرف بشأنه, على سبيل المثال ، "هذه المقالة كتبت من قبل هاري" كتبت هو فعل مبني للمجهول لأن الموضوع ("هذه المقالة") هو الشيء الذي يتم العمل عليه, سيكون البناء المباشر المكافئ هو: "كتب هاري هذا المقال". يميل النثر المكتوب في الفعل المبني للمجهول إلى أن يكون ساذج أو سلبي ، ولهذا من الأفضل عمومًا كتابة جملة مباشرة .
(هذا الجزء يشرح بعض القواعد الخاصة باللغة الأنجليزية إذا ما فهمت فما عليه فالطبيعي أن ما تفهم 😅ومن باب “أمروها كما جاءت” نقلناها )
التشتت:
عندما لا تكون متأكدًا تمامًا مما تريد قوله ، يصبح من السهل أن تدور حول نقطة ، وتقوم بصياغتها بثلاث أو أربع طرق مختلفة ، بدلاً من تقليص الجمل إلى جملة موجزة واحدة ، دمج أربع جمل معًا سينتج عنه فقرة غير واضحة.
الجملة المباشرة الوحيدة هي دائمًا أفضل من أربعة جمل تدور حول نفس نقطة
لا تستخدم كلمة طويلة أبدًا إذا كانت تكفي كلمة قصيرة
جورج أورويل
أعط ما تكتب بعض الوقت
عندما تكتب شيئًا تستغرق فيه بشكل كبير ,و يكاد يكون من المستحيل الحصول على فرصة للتعديل بشكل صحيح على الفور لأنك تكون أقرب مما ينبغي , بدلاً من ذلك تحتاج إلى الابتعاد والعودة لاحقًا بعيون جديدة, وكلما كان بإمكانك ترك مسودة قبل تحريرها لفترة أطول ، كان ذلك أفضل, لدي بعض المقالات التي أعود إليها كل بضعة أشهر لمراجعة أخرى وإلى الان لم أنهها بعد.
بالنسبة لأغلب الكتابات ، ترك المقال من نصف ساعة إلى يومين يكفي وهي فترة راحة جيدة تمكّنك من التعديل بشكل ممتاز , وراحة 10 دقائق ستحسن الكثير بالنسبة للكتابات الخفيفة مثل رسائل البريد الإلكتروني.
وعندما تبدأ بالقيام بالتعديلات أقرأ ما كتبت بصوت عالي (وسكر باب غرفتك عشان محد يشره 😅 ).
من خلال إجبار نفسك على نطق الكلمات ، بدلاً من مجرد النظر إليها على شاشة الكمبيوتر ، ستكتشف المزيد من المشاكل وتشعر بكيفية تدفق الكلمات ومدى سلاستها بشكل أفضل , فما يسبب لك إشكالاً ، فمن باب أولى أن يسبب إشكلات أكثر للقارئ , يقوم بعض الكتاب بطباعة مسوداتهم وإجراء تعديلات باستخدام قلم أحمر أثناء قراءتها بصوت عالٍ.
قص قص قص
الحشو أسوأ من الإقلال , من المرجح أنك كتبت أكثر من اللازم, و من الأسهل كثيرًا رمي الكثير من الكلمات على مشكلة ما بدلاً من تخصيص الوقت للعثور على الكلمة المناسبة, كما كتب بليز باسكال ، كاتب وعالم من القرن السابع عشر (لا ، ليس مارك توين) في رسالة ، "لقد جعلت الرسالة أطول من المعتاد لأنه لم يكن لدي الوقت لجعلها أقصر."
القاعدة بالنسبة لمعظم الكتاب ، "إذا كنت في شك ، قصها ." ووصف الكاتب( جون ماكفي الحائز على جائزة بوليتزر) عملية القص بأنها "الكتابة بالإغفال",و حث الروائي السير آرثر كويلر كوتش على استخدام هذا المبدأ قائلاً"في الكتابة ، يجب أن تقتل جميع أحبائك" هذا صحيح على كل مستوى: إذا لم تكن الكلمة ضرورية في جملة ، فقم بقصها ,و إذا كانت الجملة ليست ضرورية في فقرة قم بقصها وإذا لم تكن الفقرة ضرورية فقم بقصها أيضًا .
راجع ما كتبته وابحث عن القطع التي يمكنك قصها دون التأثير على الكل - وأزلها ستكون الكتابة أكثر تماسكاً وسيكون كل ما تحاول قوله أوضح.
لقد جعلت الرسالة أطول من المعتاد لأنه لم يكن لدي الوقت لجعلها أقصر
بليز باسكال
اقض معظم الوقت في المقدمة.
بداية أي شيء تكتبه هو الجزء الأكثر أهمية, إذا لم تتمكن من لفت انتباه القارئ في البداية ، فلن تكون لديك فرصة في الحفاظ عليه لاحقًا, سواء كنت تكتب رواية أو بريدًا إلكترونيًا ، يجب عليك قضاء وقت غير متناسب في العمل على الجمل أو الفقرات أو الصفحات القليلة الأولى, الكثير من المشاكل التي يمكن التغاضي عنها في المنتصف هي مصيبة في البداية.
انتبه إلى الهيكل
الهيكل هو ما تستند عليه كتاباتك,لا يهم مدى دقة صياغة الجمل الفردية إذا كان المقال عبارة عن فوضى لا معنى لها,بالنسبة لرسائل البريد الإلكتروني والأشياء القصيرة الأخرى ،المدرسة القديمة تفضل كتابة موضوع متبوعة بفقرات دعم ثم الاستنتاج بهذه الطريقة من الصعب أن تخطئ.
تأكد من مراعاة جمهورك المستهدف, سلسلة من الفقرات الطويلة المركزة المتتابعة سوف تثني الناس عن القراءة, قسّم الأشياء إلى نقاط موجزة ، وعند الضرورة ، أدخل العناوين الفرعية - كما هو موضح في هذه المقالة, فبدون مراعاة للفئة المستهدفة ، سيبدو ما كتبت مثل جدار مملؤ بالكتابات.
بالنسبة للقطع الطويلة ، فإن الهيكل هو الشيء اللذي ستحتاج إلى بذل الكثير من العمل عليه ,من النادر أن تقرأ تدفق المعلومات بوعي واستيعاب جيد وليس لديك تقسيم جيد لكل شيء , فما هو مكتوب يجب أن يكون مقسم لأجزاء قصيرة برؤوس فرعية, والروايات أيضا تحتاج إلى التدفق السلس ويجب بناء الحجج بتسلسل منطقي , عليك التفكير في ما تحاول قوله في كل فصل أو قسم أو فقرة ، والنظر في ما إذا كان يفي بالغرض- أو إذا كان هذا الجزء سيكون أفضل لو وضع في موضع اخر , من الطبيعي (وحتى المرغوب فيه) أن يتغير هيكل عملك بشكل كبير بين المسودات ؛ إنها علامة على أنك تقوم بتطوير القطعة ككل ، بدلاً من مجرد إصلاح بعض المشكلات الصغيرة.
في كثير من الأحيان عندما تتضمن كتابتك "مشكلة غير واضحة" ، فإن الهيكل هو المسؤول, قد لا يتمكن من قام بالمراجعة من أن يوضح ما هي المشكلة ، لكنه يشعر بأن شيئًا ما مفقود.
استخدم كل الموارد التي تستطيع استخدمها
على الرغم من أنك قد لا تكون محظوظًا بما يكفي للوصول إلى محرر (Hey, Alan!) ، فهناك خدمات كثيرة يمكن أن تساعدك.
Grammarly هو مساعد الكتابة الذي يميز الكتابة الشائعة والأخطاء الإملائية والنحوية, إنه رائع لالتقاط الأخطاء البسيطة وتنظيف مسودات عملك (هذه الخدمة تساعدك في اللغة الأنجليزية فقط , من الممكن أن تستعين بالورود أو قوقل شخصياً 😌 بالنسبة للغة العربية ) , يعد أستخدام قاموس المرادفات (أو حتى Thesaurus.com) ضروريًا للعثور على الكلمة الصحيحة , ولا تنسى أربع عيون أفضل من اثنتين : اطلب من الأقارب والأصدقاء قراءة عملك, قد يصطادون بعض الأشياء التي فاتتك ويمكن أن يخبروك أيضا عندما يكون هناك شيء خاطئ.
تحرير عملك لا يقل أهمية عن كتابته في المقام الأول, التغيير والتبديل والمراجعة هو ما تحتاجه للخروج بعمل جيد.
لا تنسى التحرير .
*أدب المعجبين :أدب المعجبين أو الهواة أو فان فيكشن وهي قصص خيالية تقودها شخصيات معروفة —خيالية أو حقيقة— نادرا ما تكون هذه الأعمال عملا لكاتب مشهور، فهي عادة ما تكتب من قبل معجبين حيث تكون الشخصية الرئيسية شخصية واقعية مشهورة ومعروفة لكن أحداث القصة تكون مختلفة عن حياة الشخصية في الواقع.