الثورة الروسية ماقبل نهوض البلشفيك
بداية الثورة الروسية
في 22 يناير 1905، بداية الثورة كانت مسيرة سلمية يقودها القس جابون جورجي أبولو نوفيتش جابون " متجهة للقصر الشتوي في سانت بطرسبرغ لتقديم مطالب للقيصر يدعوا فيها إلى تحسين ظروف العمل وعدالة الأجور وانخفاض ساعات العمل في اليوم إلى ثماني ساعات؛ وتضمنت مطالب أخرى لوقف الحرب الروسية اليابانية والأخذ بالاقتراع العام
.
كان يستحيل على الشعب ان يتخلى عن الأسرة القيصرية .. حتى انهم اطلقوا عليه البابا ( حبًا له ) فكانت العلاقة بين الشعب الروسي و خصوصًا الفلاحين و القيصر علاقة ابوه أكثر من علاقة حاكم ) ف مهما احتجوا عليه او انزعجوا من قراراته يبقى هو الأب الذي يعدل الأخطاء في بعض الأحيان . لكن كسر الحب الذي ما بين الشعب الروسي و ما بين القيصر بعد حادثة الأحد الدامي .
كان القيصر في حاجة إلى أن يستجيب لمطالب العمال لرفع حالة الاكتئاب التي سيطرت علي روسيا، ولكن حدثت المواجهة بين حرس القيصر والمشاركين في المسيرة وقتل في تلك الحادثة 96 قتيلاً و333 جريحًا، ادعت مصادر المعارضة أن أحداث الأحد الدامي أودت بحياة أكثر من 4000 قتيلاً.
تعتبر أحداث الأحد الدامي نقطة تحول في روسيا القيصرية حيث أدت إلى الإحساس بضرورة القيام بانتفاضة عامة مما أدى لحدوث ثورة فبراير 1905
في 5 فبراير بعد الواقعة التي حصلت وافق في إثرها نيقولا الثاني على إنشاء مجلس الدوما الإمبراطوري. ذي الاختصاص الاستشاري . ولكن الاضطرابات استمرت وبلغت ذروتها في إضراب عام ورفض دفع الضرائب و سحب الودائع المصرفية في أكتوبر تشرين الأول.
يوم 14 أكتوبر، قدم بيان أكتوبر كتبها رئيس مجلس الوزراء سيرغي ويت والكسيس اوبلينسكيو الى القيصر وهو بيان يمنح فيه الحقوق المدنية الأساسية و أيضا يسمح بتشكيل الأحزاب السياسية وتوسيع حق الأنتخاب نحو الاقتراع العام .
أكتوبر 1905 و بعد مجادلة مع المجلس دامت لمدة أيام وافق عليه القيصر نيقولا الثاني نظرًا لرغبته في تجنب حدوث مذبحة .. ايضًا لإدراكه لعدم وجود قوة عسكرية كافية متاحة ليفرض خلاف ذلك ، وعلى الرغم من توقيعه، أعرب القيصر عن أسفه للتوقيع، وقال أنه يشعر "بالمرض مع العار على خيانة سلالته خيانة كاملة" ، وعندما أعلن البيان التظاهرات قد انتهت رسميا .
هناك أحزاب سياسية موجودة في روسيا ، ولها الاحقية في التصويت في مجلس الدوما .. يجب ان نذكر أيضا " المنشفيك و "البلشفيك " فهم في الأصل كانوا حزب واحد تحت راية " حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي" لكن حصلت هناك مشاكل داخلية أدت الى انقسام الحزب الى شقين ..
حزب المنشفيك ويعني الأقلية بقيادة يوليوس مارتوف ، اتجاهه هذا الحزب الحل السلمي في حل المشكلات السياسية ،
و البلشفيك ويعني " الأكثرية بقيادة فلاديمير لينين وتجاهات هذا الحزب كانت الحل هو الثورة واسقاط الحكم القيصري
في عام 1916 ، اصبحت هناك ازمة سياسية حادة جدًا هددت في أي لحظة أن تنقلب الى انتفاضة شعبية عامة ، فالحرب العالمية الأولى -والتي كانت روسيا من ضمن أجزاء الحرب- عجلت من نضوج الثورة في روسيا ذلك لأنها اهلكت الاقتصاد الروسي وبلغ الأنهيار الروسي مداه ، في عام 1916 توقف مصانع ضخمة كثيرة عن العمل بسبب النقص في الفحم والخامات وتفاقمت البطالة وتوقفت أيضا سكك الحديد وأصبحت لا تنقل الحبوب والغذاء في ارجاء البلاد وبدأت المجاعة تنتشر في المدن الكبيرة .
ازدادت حدة العمال والفلاحين بصورة لم يسبق لها مثيل ففي يناير 1917 احتفل عمال بيتروجراد وموسكو وغيرها من المراكز الصناعية تلبية لنداء البلاشفة بذكرى الأحد الدموي .. بإضرابات كبيرة ومظاهرات واجتماعات جماهيرية. وكان هذا هو أضخم إضراب منذ بداية الحرب.
ولم يفهم القيصر ولا مستشاروه خطورة الوضع، فظنوا أن الثورة التي بدأت ما هي إلاّ إضرابات محلية يستطيعون قمعها بقوة السلاح. ووضعوا خطة عقد صلح منفرد مع ألمانيا، والقضاء على الحركة الثورية. وكانت ألمانيا القيصرية، العاجزة عن القيام بالحرب على جبهتين، قد بدأت تبحث عن طرق لعقد معاهدة صلح منفردة مع روسيا
وقد أثارت تصرفات القيصر سخطاً حاداً لدى البرجوازية،” اارأسماليين و الأمرء “ الذي كانوا يسعون إلى مواصلة الحرب، جنباً إلى جنب، مع الحلفاء والاستفادة من نتائج النصر. وأدركت أن الحكومة غير قادرة، لا على مواصلة الحرب، ولا على إدارة شؤون البلاد، وأن إرهاصات الثورة بدأت تلوح في روسيا. وهذا ما جعل زعماء البرجوازية يعارضون الثورة.
قد سبق وأن نظمت البرجوازية و بعض من الجنرالات والأمراء الكبار خطة لإرغام القيصر على التخلي عن العرش، وتولية ابنه الطفل الصغير قيصراً، تحت وصاية أحد الأمراء الكبار ، و إنشاء ملكية دستورية في روسيا. وأيدت هذه الخطط إنجلترا وفرنسا، على لسان سفيريهما في بتروجراد، سعياً منهما لمنع خروج روسيا من الحرب، وكانت البرجوازية تعتمد على مساندة المناشفة والاشتراكيين الثوريين، اعتماداً له مبرراته.
كانت هذه مؤامرة معادية للثورة دبرتها البرجوازية الروسية. أملاً في إحداث انقلاب في القصر ومنع وقوع الثورة. إلاّ أن انتفاضة الشعب الثورية أفسدت على البرجوازية تنفيذ مخططاتها
كانت الثورة تقترب بسرعة، وكان شهر فبراير 1917 كله عبارة عن سلسلة متواصلة من الإضرابات والمظاهرات والاجتماعات العمالية. ونادى البلاشفة بالكفاح السافر ضد القيصرية ولإسقاط النظام الملكي، وفضحوا البرجوازية التي سعت للتفاهم مع القيصرية على حساب الشعب. وكان لنداءات البلاشفة صدى واسع بين الجماهير الشعبية
وفي مطلع شهر فبراير حولت الحكومة مدينة بتروجراد إلى منطقة حربية، في محاولة منها لخنق الثورة الزاحفة بالقوة. وأعطيت لقائد المنطقة الجنرال خابالوف صلاحيات لا حدود لها لمقاومة الحركة الثورية، إلا أن المد الثوري استمر يتعاظم.
تحولت الثورة في 14 فبراير إلى ثورة مسلحة. وبذل المناشفة جهداً كبيراً لتوفير السلاح وتجهيز الميليشيات القتالية وتعبئة الجماهير للنضال. ودعوا الشعب إلى الانتفاضة. ففي النداء الموجه "إلى العمال والمواطنين والجنود" كتب البلاشفة: "إن على الطبقة العاملة والفلاحين أن يتعاونوا للقضاء إلى الأبد على العار الذي يجلل روسيا".
وفي 24 فبراير أضرب عن العمل (200) ألف شخص. وفي 25 فبراير اتسع حجم الإضراب، إذ أضرب عن العمل أكثر من (500) ألف عامل. يحملون الرايات الحمراء. وعجزت الشرطة عن صد العمال الذين خرقوا صفوف الشرطة واندفعوا إلى جادة نيفسكي. ولم يجرؤ الجنرال خابالوف في هذا اليوم على استعمال الأسلحة؛ ذلك أن قوات الحاميةلم يكن موثوقاً بها خاصة أن بعض الوحدات أظهرت تعاطفاً واضحاً مع العمال الثوريين. وأصدر البلاشفة منشوراً دعوا فيه الشعب إلى ثورة في جميع أرجاء روسيا. وفي 25 فبراير استمرت المظاهرات، والصدامات بين العمال والشرطة. وسقط الضحايا.
وفي مساء 25 فبراير أرسل نيقولاي الثاني إلى الجنرال خابالوف أمراً حاسماً قال فيه: "إني آمر بوضع حد للإضرابات في العاصمة غداً". ولم يفهم القيصر، حتى هذه اللحظة الحرجة، أن ما يجرى ليس إضرابات وإنما ثورة شعبية، ستزيل قريباً نظام الحكم المطلق.
وفي ليلة 25/ 26 فبراير قام خابالوف بإعتقالات كثيرة (اعتقلت لجنة بتروجراد البلشفية) وعزز تسليح الشرطة. واتخذت السلطات القيصرية كافة التدابير لقمع الأعمال الثورية في البلاد بأسرها،
كان لصمود العمال من الجنسين تأثيره الكبير على الجنود. وقام البلاشفة بنشاط دعائي واسع بين قوات الحامية. فأرسلوا إلى الثكنات مئات المحرضين. والمنشورات الداعية إلى تأييد الشعب الثائر: "منذ ثلاثة أيام ونحن، عمال بتروجراد، نطالب علناً بتصفية نظام الحكم المطلق، المسؤول عن سفك دماء الشعب... تذكروا، أيها الرفاق الجنود، أن التحالف الأخوي وحده، بين الطبقة العاملة والجيش الثوري، سيحمل الحرية للشعب المظلوم الذي يهلك. عاش التحالف الأخوي بين الجيش والثورة والشعب". وفي المساء تمردت سرية من الحرس الملكي، وفتحت النار على رجال الشرطة الذين كانوا يطلقون الرصاص على العمال.
وفي 27 فبراير أخذت القوات العسكرية تنحاز إلى جانب الشعب الثائر جماعات جماعات. وفي منتصف النهار استولى العمال على مستودع الأسلحة وتسلحوا بالبنادق. انتقلت إلى جانب الثورة وحدات عسكرية أخرى (زهاء 70 ألف جندي). وقبيل المساء كانت المدينة في يد العمال والجنود الثائرين. وفي المساء تم اعتقال الوزراء القيصريين. وانتصرت الثورة.
وباءت بالفشل محاولة القيصرية لتحطيم الثورة بمساعدة القوات العسكرية، التي استُدعِيَتْ من الجبهة. وكان زعماء البرجوازية قد حذروا القيصر، في بداية الانتفاضة، من الخطر المحدق وطلبوا منه تقديم تنازلات. وكان رد نيقولاي الثاني أن دفع القوات تحت قيادة الجنرال إيفانوف للتنكيل بالشعب، وتوجه هو نفسه إلى بتروجراد. إلا أن هذه الحملة انتهت بنتيجة مخزية للقيصرية. فقد انتقلت القوات إلى جانب الشعب الثائر، وأوقف قطار القيصر في محطة دنو وتحول إلى بسكوف.
ذاع خبر ثورة بروليتاريا بتروجراد بسرعة في كافة أنحاء البلاد. واستحثت المنظمات البلشفية الجماهير على تأييد عمال بتروجراد. وفي 28 فبراير نزل عمال موسكو إلى الشوارع يساندهم جنود حامية موسكو. وقبيل مساء الأول من مارس كانت المدينة كلها في يد الثائرين. تم إطلاق المعتقلين السياسيين والاستيلاء على مستودع الأسلحة ومحطات السكك الحديدية. واندلعت في الدونباس وسيبيريا والأورال ونيجني نوفغورود انتفاضات الجنود والعمال. وهب الجنود والبحارة. وهكذا انتصرت الثورة في البلاد بأسرها.
تشكيل مجالس سوفييتات نواب العمال والجنود
كانت بروليتاريا بتروجراد قد بدأت، أثناء الثورة، بتشكيل سوفييتات نواب العمال كهيئات للسلطة الثورية، بمبادرة من العمال أنفسهم، إذ أن فكرة السوفييتات كانت ماثلة في ذاكرة الشعب، منذ ثورة عام 1905. أيد البلاشفة بحماس مبادرة العمال، فتشكلت السوفييتات الموحدة لنواب العمال والجنود.
أجريت انتخابات مجلس سوفييت بتروجراد في 27 فبراير أي في أثناء الثورة، عندما كانت المعارك لا تزال دائرة في شوارع المدينة. وحصل المناشفة والاشتراكيون الثوريون على الأغلبية في هذه الانتخابات وترأسوا السوفييت. وتفسير ذلك أن حزب البلاشفة كان قد ضعف، خلال سنوات الحرب بسبب إجراءات القمع المتواصلة والاعتقالات والنفي، وكان بلاشفة بارزون كثيرون في المنفى أو المهجر، أما لجنة بتروجراد البلشفية فقد اعتقلت عشية الانتخابات. ولم يتعرض المناشفة والاشتراكيون الثوريون لمثل هذه التنكيلات من جانب القيصرية، فكانت لهم مراكز شرعية، مثل الكتلة المنشفية في مجلس الدوما، والتي استطاعوا بواسطتها أن يؤثروا على العمال
وأخيراً، كان الاشتراكيون الثوريون لا يزالون يتمتعون بنفوذ قوى بين الجنود. فسمح كل ذلك للمناشفة والاشتراكيين الثوريين أن يستولوا على قيادة سوفيت بتروجراد، في المرحلة الأولى من الثورة. ولكن نشاط المناشفة والاشتراكيين الثوريين لم يعكس المشاعر والمصالح الحقيقية للطبقة العاملة.
كانت السلطة الحقيقية كلها في يد السوفييت، فقد اجرى تحويلات ثورية وديموقراطية تحت ضغط الجماهير الثورية. وتحققت حريات برجوازية: حرية التعبير والنشر والاجتماعات وغيرها. وطبق العمال، دون إذن من السلطات، ساعات عمل ثمانية، وأقاموا رقابة على الإنتاج، وأسسوا الحرس الأحمر. فقد ايد السوفييت مبادرة العمال لتشكيل ميليشيا عمالية، في المعامل والمصانع، أصبحت فيما بعد جنين الحرس الأحمر
أيضا تشكيل الوحدات العسكرية وفصائل العمال المسلحة ، فقد سعت البرجوازية بمساعد الاشتراكيين الثوريين والمناشفة إلى أن تُخضع الجيش لها؛ فحاولت في أول الأمر، أن تعيد الجنود إلى الثكنات وأن تخضعهم للضباط القيصريين السابقين وأن تتابع الحرب حتى النصر النهائي. فأصدر سوفييت بتروجراد في الأول من مارس، معبراً عن مطالب العمال والجنود، الأمر الرقم [1] الذي ألغى الأنظمة القيصرية في الجيش ومنح الجنود حقوقاً مدنية، واقترح تشكيل سوفييتات جنود منتخبة في الوحدات العسكرية تراقب نشاط الجنرالات والضباط. وكانت لهذا الأمر أهمية كبيرة في جعل الجيش جيشاً ثورياً. كان عدد البلاشفة في سوفيت بتروجراد قليلاً. ولكنهم وقفوا مدافعين عن مكاسب الثورة ،
لكن سوفييت بتروجراد لم يصبح حكومة ثورية مؤقتة؛ فقيادة السوفييت المؤلفة من الاشتراكيين الثوريين والمناشفة اتخذت موقفاً انتهازياً. فقد رأى المناشفة والاشتراكيون الثوريون أنه ما دامت الثورة ذات طابع برجوازي ديموقراطي، فيجب إذن أن ترأسها البرجوازية، باعتبارها طبقة أكثر تنظيماً وخبرة بالإدارة. مع وجود "مراقبة" السوفييتات على الحكومة البرجوازية. وقد نادى البلاشفة وحدهم بإنشاء حكومة ثورية، من ممثلي الأحزاب الداخلة في السوفييت. لكن استطاع المناشفة والاشتراكيون الثوريون أن يمرروا قرارهم، وأن يتفقوا مع البرجوازية من خلف ظهر الطبقة العاملة.
نشأ في البلاد ازدواج السلطة. فمن جانب كانت تتمتع بالسلطة الواقعية سوفييتات نواب العمال والجنود. ونتيجة للموقف الذي وقفه الاشتراكيون الثوريون والمناشفة استطاعت البرجوازية أن تشكل حكومتها، ولكن الطبقة العاملة لم تسمح بإقامة سلطة البرجوازية وحدها.
انتصرت ثورة فبراير البرجوازية الديموقراطية في روسيا. وأطيح بالحكم المطلق وأصبحت روسيا جمهورية برجوازية. وتحقق عدد من التحولات البرجوازية مثل
: الديموقراطية، حرية التعبير والنشر والاجتماعات والأديان، وأُعلن عفو سياسي عام. وخرجت إلى النشاط العلني جميع الأحزاب غير المشروعة. وأظهر الحزب البلشفي نشاطاً كبيراً في توعية الجماهير وفضح البرجوازية ومؤيديها من المناشفة والاشتراكيين الثوريين. وبدأت مرحلة التطور التالي للثورة والانتقال إلى الثورة الاشتراكية. وبعد بضعة أشهر حققت الطبقة العاملة، بالتحالف مع الفلاحين وتحت قيادة الحزب البلشفي وقائده لينين، ثورة نوفمبر الاشتراكية الكبرى، التي فتحت عهداً جديداً في تاريخ العالم