تعليم أطفالنا…الجدال بين الحقائق والأهواء
(عمر اللهيبي)
4/12/2019
الجدال والاختلاف في التعليم أمر لا مفر منه. لأن أمر التعليم يتشارك فيه الجميع،فالجميع يريد أن يبدي رأيه وتجاربه حول قضية معينة في التعليم، وهذا أمر جيد إذا ما اعتبرنا أن التعليم حق للجميع وأن الإنسان عنصر أساسي ليس في بناء التعليم فقط بل في عمارة هذه الأرض.
الجدال بالتحديد في سياسة برامج التعليم يحدث لعدة أسباب. فقد يكون على سبيل المثال جدال ديني، مثلا برنامج تعليم الموسيقى للأطفال، قد تجد من يتفق معه ومن يختلف معه وكلن لديه قناعاته وأسبابه. قد يكون الجدال ايضا نتيجة لقضية اقتصادية. فمثلا ما هو الغرض من سن برامج تطوير العنصر البشري؟ وهنا ايضا محل جدال فمنهم من يرى أن الإنسان ليس أداة للمنافع الاقتصادية حتى تصبح سياسات التعليم مركزة بشكل أكبر على احتياجات السوق فقط، بل الغرض من التعليم أشمل وأعمق من هذا الغرض. ومنهم من يعارض ذلك. والجدال في التعليم يأخذ عدة أشكال سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية أو اقتصادية أو غيرها. ولكن كيف نفرق بين الجدال الايدلولجي والجدال المبني على الحقائق في التعليم؟
الجدال الايدولوجي هو المبني على الأفكار والاراء بشكل أكبر من الحقائق، وهذا لا يعني عدم أهمية الإيمان والاراء ولكنها محاولة لوضع الأشياء في موضعها الصحيح. فمثلا حينما يصرح مسؤول في التعليم أن سبب تدني درجات الطلاب في اختبار PISA هو عدم التحضير المناسب من قبل وزارة التعليم لهذا الاختبار. هل هذا التصريح بني على حقائق؟ بمعنى أوضح كيف نتأكد من صحة هذه الجملة؟ وماذا سوف يقرر تجاه جداله؟ بعكس الجدال الذي يكون مبنى على دراسات وأرقام وصوت الناس حول قضية تعليمية. فمثلا في نفس المثال السابق، قد نجري دراسة تحاول أن تستكشف لماذا كانت الدرجات تحت المستوى العالمي للدول؟ وكيف ولماذا حدثت هذه المشكلة ؟ ومن ثم بناء على تلك الدراسة (العمل)، قد نصل إلى حجج أكثر صحة، مع ملاحظة أن العمل البشري معرض للخطأ ولكن نريد أن نفهم الأسباب ونريد احصائيا كذلك أن تقترب نسبة الخطأ إلى الصفر من خلال (العمل) الجاد وليس (الأهواء).
هذه الجدالات حينما تكون مع أصحاب السلطة وصناع القرار في التعليم قد تشكل خطر يجب الحذر منه، لأنها قد تتحول من جدالات إلى سياسات واقعية يتم تشريعها وتطبيقها في المدارس وفي الكليات، والتي بلا شك سوف تأثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الطالب أو المعلم ومن ثم تصبح ’وباء’ مجتمعي مشترك، يتأثر فيه الجميع ويتعقد إصلاحه، لأن الوقاية أسهل من العلاج في المرحلة المتأخرة. ولذلك تأتي هنا أهمية التخطيط العلمي في تشريع سياسات التعليم وتحليلها وفهمها قبل تطبيقها في الميدان التربوي، وهو موضوع المقال القادم بإذن الله.