ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى!
نزلت سورة طه على النبي الكريم لتقويته على حمل الرسالة والصبر عليها، وهي سورة مليئة بالمعاني إلا أنها تسلط الضوء بطريقة فريدة على معنى الشقاء في ثلاثة مواضع جاءت بتسلسل دقيق، وبوصف يصاحب حياة الإنسان من البداية حتى النهاية ويلازم حالته الوجدانية من الشقاء إلى السعادة.
نبدأ حديثنا من الآية الثانية التي ذكر فيها الشقاء في السورة، ونصعد إلى موطن الإنسان الأصلي حيث عاش آدم عليه السلام قبل نزوله إلى الأرض، ونضع بذلك الحوار الذي جرى بين الله وأول إنسان خلقه قصد التمحيص والتحليل،
{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ}
المشهد هنا تلقيني بامتياز، والإنسان بطبعه حين يأتي غريبا لمكان جديد يحتاج لمن يرشده ويدله على طرق الخير والشر ومن يعلمه ما يصنع حين يصادف أشياء أو أناسا للوهلة الأولى.
وكثيرة هي المرات التي لا يجد فيها الإنسان من يهمس في أذنه أنْ تلك الطريق محفوفة بالأشواك فلا تمر منها.
تلقى آدم عليه السلام في هذا الموقف من ربه دليل الاستعمال الذي يسمح له بالمكوث في موطنه الأصلي وتجنب الشقاء بذلك، الرسالة الربانية واضحة: كل مكان غير الجنة هو مكان شقاء، وشقاؤك لن يحصل إلا باتباعك للشيطان، الذي ستتذكر يا آدم إن لم تكن ذاكرتك لحظية أنه أبى أن يسجد لك يومها حين أُمر بذلك، الأمر الآخر الذي نستخلصه من الدليل الرباني أن الخروج من الجنة لآدم وزوجه، أما الشقاء فلآدم وحده (لا يخرجنكما…فتشقى)، وهنا الحديث عن معنى جميل جدا، وهو أن الذي يتعرض للشقاء في هذه الحياة هو الرجل لأنه مهيأ لذلك أصلا، والمرأة يجب أن تعامل كالجوهرة المصونة، فلا ندفعها لمواجهة أهوال الحياة إن كانت في غنى عن ذلك.
تأتي في الترتيب بعد هذه الآية آية {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}، هنا يعطي الرب سبحانه وصفة الهروب من الشقاء في دار الشقاء، ووصفة السعادة التي يمكن أن يعيشها الإنسان في جميع حالاته وفي أحلكها بالخصوص، هي وصفة بكلمات معدودة وبوضوح شديد، إن أردت أن لا تضل في متاهات الحياة وأن لا تشقى بين منعرجاتها عليك بشيء واحد لا بديل له، عليك باتباع هدى الله.
مفهوم الاتباع يدفعنا مباشرة للإدراك أن هناك خارطة طريق واضحة المعالم والأبعاد بمفاتيح ورموز سهلة الفهم، والمطلوب هنا التعامل معها للنجاة من التيه والضلال، بوصلتك في هذه الرحلة هي الهدى الرباني المنزل من السماء. صحيح أننا نزلنا من الجنة إلى دار الشقاء، لكن رحمة بنا أنزل الله معنا ما يرفعنا مجددا إليه، مُودِعا إيانا حرية الاختيار فإما الهدى وإما الضلال، إما السعادة وإما الشقاء.
{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ}
أختم صحبتنا لآيات الشقاء في سورة طه بالرجوع إلى الآية الأولى، {طه(1)مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ}، يقول الرب سبحانه لرسوله: يا محمد ما كنا لنحملك ما لا تطيق، وما كان القرآن ليكون سببا في شقائك، حين يشعر الإنسان أحيانا أن الهدي القرآني صعب على نفسه، يدرك أن للسعادة ثمنا يجب تأديته.
في الأخير، الهدف أن لا تشقى يا صديقي، من حولك كل ماتحتاجه، لذلك، عليك فقط أن تختار كيف تريد أن تعيش هنا وكيف سيؤثر ذلك على عيشك هناك حين نعود إلى موطننا الأصلي، وإن إلى ربك الرجعى!