مؤشر الخبز
للدلالة على الحياة في مكان ما
لطالما تسائلت، عن ما هو المؤشر الأساسي الدال على وجود حياة في مكان جغرافي ما؟
وأقصد هنا بالحياة، ليس بمعناها البيولوجي (مع أن الخبز هو المنقذ في حالة المجاعات، لفترة قصيرة لأنه غذاء لا يفي بكامل العناصر الغذائية)، ولكن أقصد حياة الإنسان الاجتماعية والثقافية والابداعية وكل أنظمة المكان المنتجة والمطورة لهذا المكان من جميع الجوانب الحضارية
وجدت صدفةً، أن “الخبز” هو المؤشر الدال على الحياة في المكان!
كيف؟ في التالي بأحاول أوضح الأفكار وكيف وصلت لهذا التصوّر
All sorrows are less with bread
تتلاشى الأحزان بالخبز
Miguel de Cervantes Saavedra ميغيل دي ثيربانتس
ماهو نوع الخبز الذي نأكله؟
إذا أردت أن تعرف ماهو نوع الخبز الذي نأكله، فببساطة مر على أقرب محل بقالة أو متجر لمواد الأغذية لتعرف ماهي أنواع الخبز “الجاهزة للشراء” من المستهلك، أو ماذا يقدم لك الفوّال مع وجبة الإفطار. ستجد الأنواع التالية على سبيل المثال:
خبز شامي
خبز لبناني
خبز تركي
خبز مصري
تميس أفغاني
خبز ملوح يمني
خبز “عربي”
خبز فرنسي
….
هذا لا يعني عدم وجود خبز محلي أصيل يمكن استخدامه للاستهلاك اليومي، ولكنه لا يوجد بشكل تجاري وبانتشار واسع للاستخدام اليومي. من الأنواع المحلية مثلاً:
خبز القرصان
خبز الحمر
خبز الفطير
خبز المله
….
وهنا، يأتي تساؤل:
لماذا لا نأكل خبزاً محلياً؟
للإجابة على السؤال، نحتاج للتفكير قليلاً. أولاً، الخبز هو صنف غذائي أساسي لما يحويه من كربوهيدرات وبروتين ودهون وبعض الفيتامينات والمعادن. لا يمكن للإنسان العيش على الخبز وحده، و يستطيع النجاة من الجوع والموت في حالات المجاعات. هنالك سؤال آخر ولكن لن أتطرق له رغم أهميته (لماذا وكيف سيطر الرز المستورد على شكل أصناف الأكلات المحلية؟)
في اعتقادي أن الخبز المحلي كعنصر ثقافي محلي لم يتطور ويتجذر في الشارع على شكل مخابز ومعجنات محلية تستهلك يومياً لأسباب مختلفة، منها:
اقتصادية، النفط.
ظهور النفط كان بمثابة كلمة السر السحرية لتجاوز مرحلة الخبز غذائياً و القفز إلى عناصر غذائية أغلى في القيمة السعرية والغذائية مثل الأغذية من مصادر حيوانية (اللحوم، الأجبان،… إلخ). هذا يعني أن الخبز أصبح عنصر غذائي ثانوي لوجود السيولة التي تجلب أصناف يفضلها المستهلك غذائياً
اجتماعية، استقدام العمالة.
لو لاحظت، معظم مصادر المخبوزات التي تباع في السوق تمثل عناصر عمالية متواجدة في سوق العمل في المملكة. بالتأكيد أن استقدام العمالة لا يقتصر على استقدام اليد العاملة فقط، ولكن هذه المجموعات ستجلب معها بعضاً من غذائها و ثقافتها. ماذا يحصل عندما يكون رف الخبز فارغاً من المخبوزات المحلية؟ بالتأكيد سيتغلغل القادم من الخارج ويصبح على كل رف وفي كل شارع وستتنافس الجاليات على رف الخبز!
بيئية، المناخ الصحرواي السائد.
قد يكون للمناخ تأثيراً مهم. كلما رجعنا بالزمان إلى الخلف، ستجد أن التنوع الغذائي للأصناف الغذائية بين مختلف مناطق المملكة يتسع وذلك لاختلاف المناخ بين هذه المواقع الجغرافية. فغذاء الإنسان في الجبل يختلف عنه في البحر وبالضرورة يختلف عنه في الصحراء. التقنيات الحديثة و رفاهية استيراد الغذاء من الخارج، جعلت من الغذاء يتشابه في معظم مدن المملكة.
لا توجد حياة وثقافة وحضارة في مكان بدون الخبز!
هذه كانت الفكرة التي ظهرت على السطح بعد التفكير في موضوع الخبز محلياً. وجود الخبز المحلي في البقالة والمخبز والسوق، هو دليل ثقافي حضاري مهم وسأطلق عليه “مؤشر الخبز”. المكان الذي يسيطر فيه الخبز المحلي على الاستهلاك اليومي لساكني المكان ورواده، سيكون نشيط وحيّ ثقافياً حسب هذا المؤشر.
وأكاد أجزم، أن حلّ المعضلات لدينا (ثقافية كانت أو في جوانب حياتية أخرى)، تكمن في تجنب القفز و استخدام الكلمات السحرية.
أعتقد أن وزراة الثقافة لو ركزت على جعل الخبز المحلي على الرف، لكفى هذا في تشغيل محركات الدفع الثقافي وربما يصل تأثيرها على مناحي إبداعية (غير ثقافية) أخرى، محلياً.
لماذا بعض المخبوزات أصبحت عالمية و وصلت لأصقاع الأرض؟ هل القهوة هي خبزنا؟ ماذا عن أهمية القيمة الغذائية والسعرية للوصول إلى أغلب فئات المجتمعات؟
تخيل معي، أن تذهب إلى أي مدينة من مدن المملكة، ويكون الخبز المحلي هو أحد مساحات التجربة الثقافية للمكان، وبدون أن تعلم ذلك. لأنه ببساطة موجود في السوق، ويباع بسعر يناسب الاستهلاك اليومي.
لو توسعت قليلاً في تاريخ الخبز وكيف أن اختراعه سبق الزراعة، وأن حضارات كبرى بمدنها وقواتها كان الخبز أهم عناصر نهضتها. أترك لك الإبحار بالبحث في تاريخ الخبز
خبزت هذه الأفكار وأنا أأكل الخبز في مطعم إيطالي بجزيرة العرب، ويَعجِن الخبز الإيطالي أمامي، عمالة من أقاصي الشرق الأسيوي!
ربما قريباً أعلن عن خبزة الغابة الصحرواية، كيف تتخيل طعمها؟ مخمرة أم على الطريقة اليهودية؟
اقرأ عن الخبز
مصادر بلغة عربية
مصادر بلغة إنجليزية