إلى أين؟

هل سيتغير اقتصاد الفرد والعائلة والشركة؟

لن أتحدث عن كورونا وتفاصيل أحداثها، ولكن! 


هل سَيُغَيّر انتشار فيروس كورونا الجديد (المعروف بـكوفيد COVID-19) هذا العالم؟ وبالتحديد الاقتصاد؟


كيف ستصبح اقتصاديات الفرد والعائلة؟ مالمتوقع؟


ماذا عن الشركات؟


هذه آراء شخصية ومبنية على قراءات مختلفة لكثير من المفكرين العالميين والمحليين بالإضافة لرأيي الشخصي. 


ناخذها كلٌ على حدة .. ونحاول توقع المستقبل!


يوجد موسيقى لتسليك شرايين مخك لتهدئته من آثار الأزمة، المقطوعة الثانية درامية أكثر!


  • التعلم عن بعد، بديلاً للتعليم العام والجامعي


تجربة الطلاب والمحترفين للتعليم الإلكتروني خلال هذه الأزمة (خصوصاً الذين لم يسبق لهم التجربة) سيجعلهم يعرفون الفرق بينه وبين التعليم التقليدي. تكاليف التعليم عن بعد أقل بكثير من التعليم التقليدي، فلا يوجد مبنى ولا كتب ولا مواصلات، والطاقة الاستيعابية لفريق التعليم أعلى بمراحل من حجم الفصل المدرسي والجامعي! هذا بالإضافة إلى تنوع المعارف والعلوم وانفتاح على أفضل محتوى تعليمي ممكن.


ولكن يوجد تحديات في التعلم عن بعد. يجب أن نتسائل عن طرق تعلم المهارات الناعمة (Soft Skills)، المرتبطة مباشرة مع الإنسان، حيث تتطلب تواجد حقيقي مع إنسان آخر في نفس المكان. هل ستحل التقنية تحدي تعلم المهارات الناعمة؟ أم سيصبح هنالك مهارات ناعمة لها شكل مختلف!



أيضاً، حوكمة تعليم الطفل خصوصاً، تحتاج وقت أكبر من الوالدين، الحل قد يكون في النقطة التالية.


  • دخل أساسي للكفاية-UBI

    Universal Basic Income


بدأت دول العالم بصرف حقائب وحِزَم تحفيزية خلال هذه المرحلة، بعضها يعفي من رسوم معينة والآخر يصرف مبالغ مقطوعة حتى تنكشف الأزمة ويتم السيطرة على انتشار فيروس الكورونا الجديد.


الكثير من هذه الدول تقوم بطباعة هذه الحِزَم (إلكترونياً أو ورقياً حسب طبيعة استخدام السوق للوسيط النقدي). الأزمة الحالية قد تسرع من العمل على توفير دخل أساسي لكل فرد يكفي الاحتياجات الأساسية UBI. يغطي هذا الدخل الأساسيات، مثل: تكلفة سكن لفرد في مكان مشترك وتكاليف الفواتير الأساسية مثل الكهرباء والماء والانترنت بالإضافة للمواصلات العامة وتكاليف الغذاء.


يختلف هذا المبلغ حسب تكلفة المعيشة في مكان ما، مثلا 1,000 دولار أو يورو شهرياً إذا كنت في دول G7. بحسبة سريعة، أعتقد أن هذا المبلغ قد يكون حوالي 1,800 ريال سعودي للفرد محلياً في المدن الرئيسة و حوالي 1,400 ريال في المحافظات الأخرى (بافتراض توفر حلول السكن المشترك بغرفة خاصة والمواصلات العامة).


تغير النظام المالي لتوفير هذا الدخل سيوفر مميزات متوقعه وبعض المخاطر، مثل:

  • + سيصبح لدى الكثير من أفراد المجتمع، فرصة لخلق قيمة اقتصادية بأكبر قيمة ممكنة حسب إمكانياتهم غير المستغلة (Untapped Potential). بحيث يكون لديهم مساحة لتجربة أعمال كثيرة والخروج من دائرة الراحة

  • + ستظهر إبداعات كامنة لم تعطى المساحة من قبل خصوصاً في المجال الإنساني والاجتماعي والتطوعي الانتاجي وكل ما هو متعلق بنفسية وسيكولوجية الإنسان

  • + اقتصاد دائري مستمر للأساسيات من الخدمات والبضائع، وقوي أمام الأزمات لوجود دخل مستمر يكفي الأساسيات

  • - من المخاطر الكسل والخمول لبعض أفراد المجتمع وضعف الانتاج

  • - التضخم على المدى الطويل للأسعار في حال لم ترتفع الانتاجية بسبب الكسل والخمول، وهذا لا يؤدي لارتفاع مستوى جودة الحياة، حيث أن جودة الحياة مرتبطة بالانتاجية (إلا في الاقتصاديات التي تعاني من المرض الهولندي Dutch Disease فقد تكون جودة الحياة مرتفعة بشكل زائف، فتنخفض بانتهاء الموارد الطبيعية أو انخفاض مدخولاتها)

  • - تطبيق UBI صعب ويكلف الاقتصاد على المدى القصير، ويحتاج لفهم للسلوك الإنساني وبناء القرارات على دراسات محكمة. هذا قد يجعل مخاطر الفشل في تطبيقه أعلى من الفوائد المرجوه!


هل ترى أن هذا الدخل الأساسي سيحل مشكلة الفقر؟ هل سيحل تحديات أخرى؟




  • عالم افتراضي للتجارب الحياتية


بما أن الاتجاه لمعظم تكاليف الحياة يتجه للانخفاض (إذا حسبناها بعد تسوية أثر التضخم) وهذا بسبب ارتفاع كفاءة التصنيع واقتصاديات انتاج الخدمات حول العالم. تكمن الأسباب في، الثورة الصناعية ثم الثورة التكنولوجية وفي وقتنا الحاظر الثورة المعلوماتية!


مالذي يمنع من خلق تجارب كثيرة في الحياة تبدأ في عالم افتراضي (مثل السفر). بهذا نقلل تكاليف التجارب ونسمح لنطاق أكبر من الناس للتعلم بالتجربة. أحد الأدوات التي ظهرت على السطح هي “الواقع الافتراضي” (Virtual Reality - VR) وهي متاحة الآن في تطبيقات مختلفة معظمها للألعاب.


بعد القيام بالتجربة الافتراضية، يمكن للشخص التجربة في العالم الواقعي إذا كانت لديه الرغبة بأخذ التجربة الكاملة وبتوفر الموارد مثل الوقت والمال.


التجارب الحياتية أهم من اقتناء الأشياء. السؤال هنا، لماذا لدينا تركيز على الأشياء وليس التجارب؟ سؤال لكم للتفكّر!



  • العمل عن بعد يصبح الأساس وتنتقل العمليات إلى الحوسبة السحابية


شهدنا إيقاف الحضور لمواقع العمل خلال هذه الأزمة والاكتفاء بالعمل من المنزل. إذا كان هنالك وقت مناسب، الآن .. هو أفضل وقت للتحول بشكل كامل للعمل عن بعد خصوصاً للأعمال التي بطبيعتها انتاجية فكرية وليست تشغيلية بحته. 


سيصبح الانتاج الفكري هو الموظف الأكبر للبشرية بعد أتمتتة معظم الأعمال والمهام المتكررة التي يمكن تحديد خطواتها بدقة عالية.


بعض الشركات والمنشآت خلال هذه الأزمة، ستكتشف وتتعلم كيف تخفض تكلفة أعمالها وسيتبلور لديها تصور عن الاحتياج الحقيقي للموظفين والموارد. وستؤول إلى رفع انتاجية منشأتهم باستخدام التكنولوجيا والحوسبة السحابية والاحتراز لمخاطر كثيرة منها الطبيعية مثل الكوارث (الفيروسات كمثال). بالإضافة إلى ذلك، سيصبح لدى الشخص وقت أكبر يستغل في أماكن جديدة ويرفع جودة الحياة، وينخفض الهدر الاقتصادي على المواصلات (وقد يستخدم في مناحي أخرى) مما قد يؤدي لانخفاض التلوث!


كيف كانت تجربتك للعمل عن بعد؟ هل من الممكن أن تكون أفضل لو لم تكن هنالك أزمة؟ ماذا عن العمل بشكل هجين بين الحضور وعن بعد؟



  • استخدام علوم البيانات وتصوير البيانات Analytics في أدق التفاصيل


لا شك في أن إنتاج البيانات اليومي يتزايد بشكل يفوق ما يمكن للمحللين والباحثين الاستفادة منه بالطرق التقليدية للتحليل والدراسات.


متوقع أن تأخذ البيانات الضخمة “الكبيرة” (Big Data) دور أساسي في نقل الاقتصاد المعرفي لمرحلة جديدة من دعم القرارات (وربما اتخاذ القرارات بالوكالة). كان في السابق ليس من الممكن اتخاذ قرارات مبنية على معلومة إلا من قبل منشآت كبيرة مثل الجهات الحكومية والشركات الكبرى وذلك لارتفاع تكلفة الحصول على المعلومة لما تتطلبه من موارد بشرية وتقنية.


اليوم قد يكون ذلك أسهل وأقل تكلفة بكثير ويمكن للفرد دعم قراراته اليومية باستخدام البيانات على شكل معلومات مصورة بشكل يمكن استهلاكه بسرعة ودقة معقولة.


نستطيع أن نرى ذلك في الخدمات التي توفرها كثير من التطبيقات، منها تطبيقات الصحة البدنية وتطبيقات الإدارة المالية الشخصية في دعم تغيير السلوك للوصول لأهدفك الشخصية.


لكن هنالك أسئلة يجب الإجابة عليها الآن! هل أنت جاهز لامتلاك بياناتك الشخصية التي تنتجها بشكل يومي؟ هل تستطيع استخراج المعلومات منها؟ هل تريد أن تتخذ قرارات مبنية على معلومه؟



  • اقتصاد عالمي يعتمد على مجموعات قرار مختلفة


رأينا كيف كانت الاختلافات بين دول العالم في سرعة اتخاذ القرارات الإحترازية لمحاولة السيطرة على انتشار فيروس الكورونا الجديد. وهنا يأتي سؤال، ماهي الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي ستتجاوز هذه الأزمة بأقل الأضرار؟ 


لماذا يعتبر هذا السؤال مهم؟ لأن الإجابة عليه ستوفر معلومة عن شكل مستقبل الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدول المتقدمة (أو التي ستصبح متقدمة)! 


سيخرج العالم من هذه الأزمة بتصور أفضل للمستقبل وكيف يمكننا المضي قدماً وتجاوز أخطاء الماضي. قد تكون هذه الأزمة نواة لتكون مجموعات قرار في المجالات المذكورة ذات صلاحيات أقوى عند حدوث الأزمات المتعلقة بمهامها.


للتوضيح بمثال، تخيل معي لو كان هنالك مجموعة عالمية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالأوبئة وكان لها صلاحيات في اتخاذ القرارات المتعلقة بالوجود البشري. بحيث تصبح سلطة هذه المجموعة أقوى من السلطات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في حال تم تفعيل رمز معين معرّف مسبقاً لخطورة تهدد الإنسانية على هذا الكوكب! (المريخ؟)


كيف ستتغير ديناميكيا اتخاذ القرارات؟ هل ستنشأ أنظمة اقتصادية وسياسية واجتماعية أكثر فاعلية؟



  • كيف ترى المستقبل؟


لا شك أن في بالك تصورات كثيرة عن المستقبل.


المستقبل هو اليوم (أو يصنع اليوم في رواية أخرى). ما نتوقعه اليوم للمستقبل في غالب الأمر أنه سيحدث. كل ما يتطلبه أن يؤمن به مجموعة كافية من البشر ليتحقق. كمثال، من تَوَقعَ أن يستضيف أحد معه للسكن ومشاركته منزله (تطبيق AirBnB)؟ خلال فترة أزمة 2008 المالية تغيرت ديناميكية السوق وجعلت ذلك ممكناً!


في اعتقادي أن كثير من الأمور بعد تجاوز أزمة الفيروس ستجعل من الأنظمة البشرية في وضع أفضل بكثير. فهذه فرصة للتحسين (optimization) والانتقال لمرحلة جديدة للبشرية على جميع الأصعدة!


اصنع مستقبلك الآن!



الفيديو التالي يوضح الباحث وجهة نظره في “لماذا تمكّن الإنسان من السيطرة على الكرة الأرضية؟” 


*يوجد ترجمة باللغة العربية:

Join