الطاقة
كنظام اقتصادي
عالمي
جديد
الإنسان ككائن يحتاج لموارد معينة للحياة ومحاولة تجنب الموت، وأخرى للتنافس والأمور الإيمانية. اخترع البشر الكثير من الأنظمة الاقتصادية، ولكن تأبى هذه الأنظمة إلا أن تفشل، لتأسيسها على إيمان بمبادئ وأنظمة اخترعها البشر
ماذا لو كان النظام الاقتصادي مبني على الفيزياء الكونية؟ ومنتجاته وخدماته مسعره بالطاقة؟ هنا محاولة لعرض ماهية النظام الاقتصادي المبني على الطاقة Energy; النظام الاقتصادي العالمي الكوني الجديد
إذا كنت ترغب في العثور على أسرار الكون، فكّر في الطاقة والتردد والاهتزاز.
نيكولا تسلا
كما يقول “تسلا”، ابحث في الطاقة والتردد والاهتزاز للوصول لأسرار هذا العالم. أعتقد أن السبب هو أن هذه الأمور الثلاثة هي جزء من فيزياء العالم وليست من خلق البشر كالنظم العالمية الاقتصادية المتعثرة سابقاً أو التي نشهد تعثرها (اشتراكي، شيوعي، رأسمالي، اقطاعي، مقايضي، انتفاعي، ريعي، تشاركي الخ)
ما لمشكلة؟
النظام الاقتصادي العالمي الحالي يعتمد على العملة النقدية المبنية على “الإيمان”! الإيمان بعملة ما، عشان تمشي الأمور!
كان فيما مضى الذهب يستخدم كعملة، وكان المحدد الأساس هو ندرته لضبط تواجده بالسوق (صعوبة تعدينه وانخفاض حجمه في القشرة الأرضية).
عندما هيمن الدولار كعملة (إيماناً بالاقتصاد الأمريكي)، رُبط الدولار بالذهب في المرحلة الأولى من سيطرته، لصعوبة الانتقال لعملة عالمية جديدة من دون الارتباط “بالإيمان” السابق; الذهب.
اليوم، أمريكا والدولار تعاني من تضخم لم يكبح، وتأرجح في السياسات اتجاه العالم، بعدما كانت أمريكا تتربع على اقتصاد العالم بلا منافس حقيقي لفترة ليست بالقصيرة. يأتي السؤال، هل سيستمر الدولار كعملة عالمية؟ وتصدير مشاكل أمريكا للاقتصادات الأخرى، عن طريق هذه العملة؟ هنا تكمن المشكلة.
وش المهم، ليش لازم عملة عالمية؟ بلا دولار $ بلا خرابيط!
لو تقوقعت كل دولة أو مجموعة من البشر في مكان جغرافي ما، ولم يصدروا أو يستوردوا البضائع والخدمات من الدول والمجموعات الأخرى من البشر، لأصبح الاحتياج لعملة عالمية للتبادل التجاري غير مهم (هل الحرب التجارية تقوقع؟). وهنا تنتهي القصة ولا يلزم البشر عملة عالمية للتبادل التجاري.
ولكن، لأن لكل موقع جغرافي خواص معينة، ولكل مجموعة من البشر إرث معرفي وتاريخي معين، فيتميز كلٌ منهم بميزات نسبية يصعب على الغير التحصل عليها. هذا يؤدي لما سماه “آدم سميث” بانقاسم العمل (Division of labor)، وهو أساس العولمة والثورة الصناعية والإنتاج البشري الذي لحقه حتى اليوم.
بمعنى، إذا أردنا تبادل تجاري عالمي للبضائع والخدمات، سيتطلب هذا عملة عالمية يؤمن بها الجميع.
الطاقة هي الحلّ، عملة عالمية كونية
لو فكرت وبحثت قليلاً، ستجد أن الدولار عندما يتأرجح سعرياً (العملة العالمية الحالية)، يقابله تحرك معاكس في الاتجاه لسعر النفط بنفس العملة (لأي سبب، كوجود تضخم في الاقتصاد الأمريكي أو انكماش، أو انخفاض الثقة أو ازديادها في الاقتصاد الأمريكي…). هل هذا يعني أن الدولار في أصله مسعّر بالنفط؟ أي أن النفط هو الأصل؟
نعم.
الدولار ليس إلا صورة للنفط. كيف هذا؟ أصبر عليّ، يا أقنعك يا بكيفك!
لنفترض استيقظنا في صباح الغد، ولم يعد للنفط وجود في هذا العالم (أو أي وقود أحفوري). أي الاقتصادات في هذا العالم ستتأثر سلباً؟ وأيها لن تتأثر، بل قد تستفيد من هذا الحدث؟
عند التفكير قليلاً، ستجد أن الدول الكبيرة والمعتمدة على النفط بشكل كبير في اقتصاداتها ستعاني أكبر انكماش في اقتصاداتها لاعتمادها الكبير على الطاقة من النفط لإنتاج خدماتها وبضائعها.
خذ مثال، فلّاح في بنغلادش سيتأثر بحدة أقل من فلّاح في أمريكا، لماذا؟ لأن الفلاح البنغلاديشي يستخدم أدوات وأسمدة ومعدات لا تحتاج للكثير من الطاقة (النفط) لإنتاجها، فمعظمها يدوية الصنع ومنتجة في الطبيعة بشكل مستمر وفي زمن قريب. بينما الفلاح الأمريكي، تجد إنتاجيته تفوق الفلاح البنغلاديشي بأضعاف لاستخدامه معدات وأدوات وأسمدة في أصلها من طاقة مخزنة في وقود أحفوري. لهذا، الفلاح الأمريكي، لديه انعكاس كبير في اقتصاده من النفط، فهو بدون هذه الطاقة “الكثيفة” المتكدسة عبر ملايين السنين، لن تصبح انتاجيته أعلى بأضعاف من الفلاح البنغلاديشي، حتى وإن كان لديه من العلوم والإرث الثقافي ما يتفوق به.
وش دخل أمريكا بالنفط؟ وما علاقة هذا بالدولار؟
أمريكا أكبر مستهلك للنفط والوقود الأحفوري (مثل الفحم والغاز). في الرسمة التالية انبعاثات أمريكا التراكمية منذ 1750 م. لا يوجد أي دولة أخرى تتعدا أمريكا في الاستهلاك التراكمي حتى الآن. ماذا يعني هذا الاستهلاك؟
فلاحين أكثر وبمعدات أفضل لفترة أطول من الزمن. أي، “تفوّق” تراكمي بسبب استخدام الطاقة الكثيفة (الوقود الأحفوري) في بناء الاقتصاد، وهي الثقة و “الإيمان” بالاقتصاد الأمريكي. لاحظ منحنى الصين، هل لاحظت ارتفاع الثقة بالاقتصاد الصيني مؤخراً؟
ولتصور موضوع الطاقة من زاوية أخرى، هنا رسم لنسبة الانبعاثات لكل اقتصاد في سنة معينة. لاحظ الهيمنة البريطانية ثم الأوروبية ثم الأمريكية وحديثاً الصينية عبر الزمن!
وش يعني الاستهلاك والانبعاثات؟
يعني أن هذه الدول طورت وتنامت في بنيتها التحتية واللوجستية والصناعية والزراعية والطبية والبشرية والمعرفية…الخ. بمعنى أن من يعمل في اقتصاد معين اليوم، يستفيد من استهلاك الأمس للطاقة (انبعاثات الأمس).
يعني استهلاك الطاقة يقابله بناء ونمو؟
نعم ولا.
لا، لأن الاستهلاك للنمو والنمو فقط (حاول معرفة متى أصبح الحال هكذا).
بمعنى أن الاستهلاك يحركه محركات الاستهلاك (الإعلانات) وليس محركات الإنتاج (الكفائة). بالتحول لتسعير المنتجات والخدمات بالطاقة، سيتحول الاستهلاك للتركيز على الكفائة بدلاً من الإعلانات. هل ترى إرهاصات هذا التحول؟
لهذا، الطاقة هي عملة العالم الجديدة، ويبدو أنها ستكون كذلك للأبد، إن كان فعلاً هذا أحد أسرار الكون. بكم وات watt اشتريت هذا؟ عبارة ربما ستسمعها!