عملة المستقبل؟


هي الكهرباء وليس الكريبتو! ليش؟

قبل البدء، عند نشر هذا النص، لا أملك أي عملة رقمية لأسباب متعددة. ربما أكتب عنها لاحقاً ولكن وجب الإفصاح لأهمية ذلك لك أيها القارئ. قد تفهم بعض الأسباب ضمنياً من خلال التالي.

الموسيقى لرفع جاهزية دماغك لقراءة هذا المحتوى الفريد، شغلها وأكمل القراءة، أو بكيفك 

أتذكر يوماً في أحد الهناقر (جمع هنقر، وهو مكان مصفح بألواح الحديد المغطى بالزنك، يستخدم لحماية الناس والمعدات والعناصر الإنتاجية، لأداء مهمات معينة)، طرأت على بالي فكرة


لماذا لا يوجد طريقة شاملة لحساب تكلفة إنتاج أي شيء وبوحدة قياس موحدة؟

أذكر أني بعدها سألت بعض الأصدقاء في الهنقر عن الفكرة وكانت نوعاً ما غريبة. مع النقاش بدأت تظهر لدي بعض الثغرات في الفكرة. بقيت الفكرة “تتجلفن”لسنوات. الهدف هو الوصول لقياس تكلفة كل شيء وبوحدة قياس موحدة

النسخة الأولى (Beta 0.1) من الفكرة في البداية كانت ترتكز على “الوقت/الزمن” كوحدة قياس للتكلفة. وكانت الفكرة هي أن كل شيء يُنتَج يحتاج لوقت معين. هذا الوقت مقسم لعدة أقسام، متسلسلة زمنياً، نأخذها من الأخير في هذه السلسلة:

  • وقت لإنتاج الخدمة/المنتج

  • وقت للتمكن من إنتاج الخدمة/المنتج

  • وقت لجمع الموارد الأساسية لإنتاج الخدمة/المنتج


لنأخذ مثال حتى تتضح الفروقات بين تصنيفات الأزمنة.



لنفترض أنك ذهبت لشراء “الخبز” وتسائلت كم يحتاج الخبز من “وقت” للإنتاج؟ سألت الخباز كم يحتاج لخبز الخبزة الواحدة فأجابك “مافي معلوم صديق”!


هههههه تخيل ينتهي النص هنا


نرجع، نفترض قال لك 1,000 خبزة تأخذ منه 3 ساعات لتجهيز العجينة ومن ثم تخميرها لفترة 12 ساعة وبعدها خبزها على دفعات لمدة 4 ساعات بعد رفع حرارة الفرن لمدة ساعتين قبل البدء بالخبز. يعني الإجمالي 21 ساعة أو تقريباً 1.3 دقيقة للخبزة الواحدة. بتقولي بس الساعات مختلفة نوعياً، أصبر شوي، المثال هنا فقط لتوضيح وقت الإنتاج.

بعدها سألته أي أحد يقدر يصير خباز على طول؟ قالك لا، تحتاج تتدرب على كل مرحلة عشان تتمكن من خبز الخبز. قالك بتحتاج 200 ساعة لتعلم كيف تجهز العجينة و 80 ساعة للخبز و 10 ساعات لمعرفة طرق التعامل مع الفرن و 5 ساعات لمهام أخرى مختلفة. يعني بإجمالي 295 ساعة للتمكن من الإنتاج.

قلت له، طيب تدربت وصرت جاهز ومتمكن للإنتاج، كيف أنتج أول خبزة للبيع؟ قالك لازم أصول وموارد لإنتاج الخبز مثل مكان تبيع منه وفيه فرن ومصدر طاقة للخبز والدقيق ومواد الخبز (طبعاً سأهمل هنا ما يتعلق بقانونية النشاط مثل استخراج السجل التجاري وغيره ولكنها تعتبر جزء من التكلفة، عشان ما أعقد الموضوع). قال يدك على 100 ألف ريال عشان نسوي فرن ونشتري مواد أولية من دقيق وغيره وندفع إيجار أول سنة. قلت أحتاج 43,800 ساعة عشان أجمع هالمبلغ عشان أبدأ أبيع الخبز.

المشكلة في هذه النسخة من الفكرة:

التفرع كبير في الزمن نوعياً، فمثلاً ساعة عجن العجينة تختلف عن الساعات التي تنتظر فيها العجينة لتتخمر. الأولى من يقوم بالعمل هو الخباز بينما في الثانية من يقوم بالعمل هو الخميرة. الخباز لكي يستطيع العمل كل يوم لديه احتياجات معينة للحياة مثل النوم والغذاء والراحة بالساعات (الغذاء كم يحتاج ساعة لإنتاجه؟ مو بس الطبخ، لا، حتى زراعته أو تربيته)، فهذه التكاليف أيضاً تحتاج أن تدخل ضمن تكلفة ساعته "بالساعات” الإنتاجية للعجن وليس ساعات العجن فقط. أيضاً، المهام من الممكن أن تعمل بشكل متوازي زمنياً وهذا يعني أن الساعات لا يمكن جمعها بمعادلة خطية (يعني الشغلة بتتعقد شوي، خصوصاً لو أضفنا كامل السلسلة لتكلفة الخبز بداية من زراعته حتى وصوله للمستهلك). أضف لذلك أن الوقت شيء غير حقيقي. وهذا وحنا نتكلم عن خبز بريال و 15 هلله (تحسب بأنسى الضريبة)

النسخة الثانية (Ver 1.0) من الفكرة ترتكز على الطاقة كوحدة قياس للتكلفة ولنسميها “الطاقة المصروفة”، وهنا سنفترض أنها الجول "Joule”  ويرمز لها بـ J (الوحدة الأساسية للطاقة هي الجول، ويمكن التحويل منها إلى الكالوري أو الوات).


لنرجع لمثال الخبز، لم يعد الوقت مهم هنا. فالتركيز على الطاقة يحيد الوقت ويصبح جزء من المعادلة ولكنه ليس المرتكز. فالعجن سيحتاج لطاقة معينة لتصبح العجينة جاهزة للتخمير وكلما زاد حجم العجينة زادت الطاقة التي تحتاجها طردياً. قد تستخدم الإنسان للعجن أو الآلة، في الأخير هنالك طاقة معينة لا بد أن تصرف للوصول للنتيجة. ترك العجينة لتتخمر هي طاقة تصرفها الخميرة ويمكن حسابها نظرياً. أما طاقة الفرن حتى وإن تم تشغيل الفرن بالتوازي فهذا لا يغير في المعادلة شيء. فالطاقة المصروفة واحدة، وتمثل المجموع للطاقة المصروفة في العجن والتخمير والخبز وتعلم كيفية إنتاج الخبز وإتقانه وطاقة إنتاج المواد الأولية و “طاقة إنتاج الأصول”. لنفترض أن الخبزة تحتاج 1 مليون جول (كمعدل) لتصل للمستهلك جاهزة للأكل وسعرها في السوق 1 مليون جول.


ربما تتسائل، ماذا يعني هذا لكل من الخبّاز ومستهلك الخبز؟

سيسعى الخباز لخفض الطاقة المستهلكة لإنتاج الخبز للمنافسة. هذا يمكن أن يحدث مثلاً عندما يصبح الخباز أفضل إتقاناً فيكافئ بقدرته على إنتاج المزيد من الخبز بنفس الطاقة بأن يستطيع بيعه بسعر السوق ويستفيد هو من ارتفاع كفائته. في هذا النظام للتسعير بالطاقة، النظام يحفز على رفع الكفائة ويسهل رؤية أثرها بسرعة. أما المستهلك، فيكافئ بثبات سعر الخبز (1 مليون جول) وربما انخفاضه مستقبلاً في حال “اكتشاف” الإنسان لطريقة أكفأ لإنتاج الخبز (باختراع أدوات جديدة أو تقليل الطاقة المصروفة في أي جزء من سلسلة القيمة).


لاحظ هنا لا يوجد أرباح، وإنما تنامي يكون بارتفاع الكفائة فقط. وتفقد هذه الميزة (التنامي) عندما تتوازن الكفائة لجميع منتجي الخبز (بتبنيهم للتقنية الجديدة أو بوصولهم لأعلى مستويات الإتقان).


تساؤل قد يطرأ، ما فائدة الشخص مخترع/مكتشف التقنية الجديدة التي ترفع من كفائة إنتاج الخبز؟

ببساطة، ستكون قيمة الاكتشاف هي فرق سعر إنتاج الخبز بالطريقة الحالية ناقص سعر إنتاج الخبز باستخدام التقنية الجديدة مضروباً في إجمالي الاستهلاك للخبز لفترة معينة. وستتناقص قيمة التقنية كلما زاد عدد مستخدميها حتى يصبح كل الخبازين يستخدمونها (بافتراض أن التقنية فعلاً ترفع من الكفائة، سيستفيد الخبازون الأوائل أكبر فائدة من هذه الأداة في تنامي أعمالهم وهذا هو ما سيدفعونه مقابل هذه التقنية، وتقل الفائدة حتى تصبح صفر عند آخر متبني للتقنية). لاحظ هنا أن المخترع أو المكتشف يكافئ حالاً ثم تتناقص قيمة تقنيته مع مرور الزمن. تعاد الكرة مرة أخرى باكتشافات أخرى لرفع كفاءة إنتاج الخبز، إذا كان هذا فعلاً ممكن. وفي نهاية الدورة الزمنية للاختراع يصبح الخبز أرخص من قبل (تضخم عكسي أو انكماش سعري).

ما الفائدة؟


بتسعير المنتجات/الخدمات “بالطاقة المصروفة” فوائد متنوعة، الأساسية:

  • تحفيز رفع الكفاءة

  • وضوح واستقرار التسعير


ثانوية

  • سعر عالمي للمنتج/الخدمة (يتغير قليلاً لأسباب جغرافية ولوجستية لاختلاف في الطاقة المصروفة للإنتاج)

  • مساواة بين أفراد الدول في العالم من ناحية الفرص (تتعادل مستويات المعيشة مع الوقت لصعوبة تصدير بعض الأعمال لمواقع أخرى من العالم لعدم وجود عملة مختلفة للتسعير وذلك لتسعير المنتجات بالطاقة)

  • انخفاض الصراعات باكتشاف الميزات التنافسية الحقيقية لكل موقع جغرافي من العالم والاستفادة منها(مثلاً، مراكز حفظ ومعالجة البيانات في المناطق الباردة ستتفوق لانخفاض الطاقة المطلوبة لتكييف وحدات المعالجة الحاسوبية. بافتراض أن تكلفة الطاقة جوهرياً لا تختلف عن باقي دول العالم)

  • أخرى (القائمة تطول، ما رأيك؟ فكر وستجد بعض الفوائد، شاركها في التعليقات بالأسفل)

النسخة الثالثة (Ver 1.1) من الفكرة، هو اعتماد الوات watt بدلاً من الجول كوحدة قياس موحدة للأسعار، لنسميه مثلاً “وات سعري”. لماذا؟


الاتجاه في استهلاك الطاقة في العالم يتجه (converging to) لاستخدام الكهرباء في كل شيء. لاحظ أن كثير من الأجهزة والمعدات بدأت دورتها كمنتج يعتمد على الطاقة الكيميائية (احتراق الوقود)، ثم تحولت للطاقة الكهربائية (طبعاً مازالت نسبة كبيرة من الكهرباء تنتج باستخدام الوقود، ولكن المقصود طريقة استخدام المستهلك النهائي). أمثلة:

  • شعلة الإنارة (السراج) > إنارة LED

  • حطب للطبخ > فرن كهربائي

  • عربة خيل > سيارات كهربائية


تقريباً كل شيء يمكن أن تدخل الكهرباء كعنصر أساسي لإنتاجه (أو على الأقل يمكن حساب الوات الموازي لإنتاجه إذا لم يتحول بعد للكهرباء, الإنسان مثلاً يعتبر كائن يعمل على 100 وات تقريباً).



ستقول لي ماذا عن الفنون والإنتاجات الإبداعية، كيف ستسعّر بالوات watt؟

سؤال مهم ومتوقع، وأعلم أن هنالك صعوبة في تحويل هذا المنتج لطاقة. لكن دعنا نفكر قليلاً، هل الشخص المنتج الإبداعي يستطيع أن ينتج إبداعياً بشكل سلس وبزخم مستمر؟ الإجابة هي لا. لماذا؟ لأن الإنتاج الإبداعي يحتاج من الشخص عمل تجارب مختلفة والمحاولة في التعرف على جوانب متعددة من الفكرة، قد يحتاج مثلاً إلى الابتعاد عن أي نشاط لفترة لتصفية الذهن ثم الخروج بالمنتج الإبداعي. هذا كله عبارة عن طاقة مصروفة حتى ظهر لنا المنتج الإبداعي، بالتأكيد أن تكلفته عالية وهذا يعكس معظم أسعار المنتجات “الإبداعية”. الأكيد أن هذه النقطة هي أصعب المنتجات والخدمات تسعيراً، ولكنها صعبة أيضاً بالعملات الحالية. أعتقد أن الطاقة المصروفة بإمكانها حلّ هذه المعضلة حتى للمنتجات الإبداعية، تحتاج لآلية (لا يمكن لي تصورها بشكل دقيق حالياً، ولكن أعتقد أن التقنية موجودة لحل هذه المعضلة، هل NFT هي المسار الصحيح؟ لا أدري، ربما).

Join