لغة القرآن وتميزها على سائر لغات العالمين
إنَّ الحمد لله نحمَده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونَعُوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
ثُم أمَّا بعد:
القرآن كلام الله: خير كتاب أنزل، بخير لغة، على خير نبي أرسل، إلى خير أمة أخرجت للناس، في خير ليلة، وخير شهر، وخير بقعة، بواسطة خير ملك.
فاللغة بالنسبة لكلِّ أمَّة هي أداة تَواصُل، وطريقة تفكير، ورمزُ عزَّةٍ، أمَّا العربيَّة فهي بالنسبة للعرب كلُّ هذا، وتَزِيد عليه أنها لغةُ دينٍ وكتابٍ مُوحًى به، وهي لغة عِبادات وشعائر، فهي لغةٌ مُقدَّسَة، مأجورٌ مَن يتعلَّمها، مُثابٌ مَن يَعلمها، ثم هي لغةٌ محفوظةٌ بحفظ الله للكتاب الذي نزل بها وهي اللغة الوحيدة التي دامَتْ لأكثر مِن خمسة عشر قرنًا مِن الزمان، فكلُّ اللغات القديمة قد انقرَضَتْ .وسنذكر في هذا البحثِ المختصر أهميةَ اللغة العربية .
فضائل وميزات لغة القرآن
جمعة خميس يوسف ابوثلاث
اللغة العربية ارتبطت بالإسلام بأن كانت لغة الوحي الكريم، فكانت بذلك أفضل لغات البشر ولقد خصهـا االله – عز وجل – بالبيان عندما قال في كتابه العزيز: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾
ثم تحدى الخلائق من إنس ومن جن أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال سبحانه: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾
اللغة العربية تُقرأ كما تكتب بحيث إن الذي تعلم حروفها وحركاتها يهون عليه أن يقـرأها بدون مشقة ولك ان تتخيل كلمة واحدة من لغة القرآن﴿ أنلزمكموها ﴾ يقابلها سبع كلمات باللغة الإنجليزية!وهذه الخلة قلّما توجد في لغة أخرى،وبهذا تكون أسهل من اللغات الأخرى، فالإنجليزية مثلاً لا تكتب كما تنطق فهنـاك حـروف زائدة في كثير من كلماتها ؛ سورة ﴿الفاتحة﴾ المؤلَّفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنجليزية 70 كلمة.
اللغة العربية لا تحتـاج إلـى لغـة أعجميـة ويمكنهـا الاستغنـاء عـن جميـع الألفــاظ الأعجميــة التي دخلت عليها . كما انها لغة غنيـة بنفسهـا فـي كـل مـا يحتاج الإنسـان إلـى نطـق كذلك في اللغة العربية نجد الإعراب يؤدِّي ما لا تُؤدِّيه اللغات المبنيَّة في دقَّة التعبير والإيجاز وتنوُّع المعاني بأقلِّ قدرٍ من الكلمات ولا توجد لغةٌ على وجه الأرض يحوي قاموسها ما يَحوِيه المعجم العربي من مفردات، وهذه حقيقة واقعة شهد بها المستشرقون، كما شهد بها المسلمون، فاللغة العربية هي لغة الغِنَى والثَّراء.
اللغة العربية تتميز عن غيرها من اللغات بعدة سمات التي من بينها ما يلي:
الإعراب : على الرغم من وجود الإعراب في بعض اللغات الأخرى إلا أن اللغة العربية تتفرد بوجود إعراب لكل كلمة أو حرف واقع في الجملة.
الاشتقاق : تتميز اللغة العربية بوجود المشتقات للكلمة الواحدة مثلاً ( كتب – يكتب – كتاب – كتّاب – مكتوب – مكتبة – كاتب ).
السلم الصوتي : تحتوي اللغة العربية على اكبر سلم صوتي من الحروف بداية من الشفاه مرورا باللسان ووصولا للحلق.
غنية بالمترادفات : اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي تجد فيها للكلمة الواحدة اكثر من معنى كما تجد للمعنى الواحد اكثر من كلمة.
الدقة في التعبير : لا يوجد على وجه الأرض لغة تضاهي اللغة العربية في دقة التعبير والبلاغة عن وصف المشاعر والأحاسيس وذلك من خلال الأشعار والنثر.
اللغة العربية تحتلُّ المكانةَ الأولى بين العلوم عند طالب العلم حيث يبدأ رحلته العلمية بمعرفة علوم العربية المختلفة ـ من نحو وصرف وبلاغة وعروض ـ معرفةً بصيرة يتمكّن فيها من ناصية اللغة، ويجتنب اللحن والخطأ في ظاهر القول وما يسطره القلم وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السَّلفُ يؤدِّبون أولادَهم على اللَّحنِ، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظَ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنَّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك النَّاسُ على لحنِهم، كان نقصًا وعيبًا. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "تعلَّموا العربيةَ؛ فإنَّها من دينِكم"، وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "فإنَّ نفسَ اللغة العربية من الدِّين، ومعرفتها فرضٌ واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهمِ اللغة العربية،ولعل في كلمة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري ما يُؤْذِنُ بهذه المكانة وذلك الاهتمام، فقد كتب إليه:"خذ الناس بالعربية فإنها تَزيد في العقل وتُثبتُ المُروءة" وكتب أيضاً في الآفاق ألا يُقرئ القرآن إلا صاحب عربية. بل إن ولادة علم النحو كانت بإيعاز من الخليفة الرابع علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، فإليه ينسب هذا العلم الجليل وهو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي أن ينحوَ نحوَ.
اللغة العربية ، تبدأ منذ الصغر، وليس هناك أعظم من تدريب الطفل على تلاوة القرآن الكريم، وتعلم الدعاء، والاستماع لنصوص عربية كثيرة من خلال القصص، والأحداث. فإذا نجحنا فقط في زرع البذرة الأولى بهذا الشأن بين جنباته، ستكون النتيجة مرضية على المدى الأقرب، ولأطول مدى بإذن الله.
فعلى المسلم أن يعرفَ أهميةَ هذه اللغة ومكانتها، وأنه لا غنى لنا عنها، كما يجبُ أن يعتزَّ بها لا بغيرها من اللغات كما هو الحاصل عند بعضِ النَّاسِ مع الأسف، وعلينا أن نعلمَ أنَّ اللغةَ بحرٌ لا تكفي السباحة فيه، بل أن نغوصَ في مكنونِه، ونستخرج منه المعاني الجميلة والبديعة التي تصنعه وتلبسه لباسًا جذابًا.
أقول هذا سائلاً الله - تعالى - أن يردنا إلى اللغةِ العربية ردًّا جميلاً، وأن يزيدَنا علمًا بها، والله - تعالى - أعلم.
وصلى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.