خمس حقائق لا يكاد يختلف فيها إثنان:
1. الغالب: من المسلمين يعرفون حديث المصطفى ﷺ في وجوب تغيير المنكر باليد ثم باللسان ثم بالقلب.
2. الانتشار: أن المنكرات تزداد انتشار وتنوعاً فردياً وجماعياً، ولا يكاد يسلم إلا مَن سلَّمه الله.
3. لا عذر: لأحد في الإنكار القلبي، فمَن لم ينكر بقلبه فقد دخل في دائرة الخطر الجسيم والإثم العظيم، فالإنكار بالقلب هو أضعف صور الإيمان كما أخبرنا رسولنا العدنان ﷺ:" مَن رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه، فإن لم يستطعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعف الإيمان". والضعيف يكون عرضةً أكثرَ من غيره لتلقي السهام والوقوع في شَرك الأعداء.
4. لا ايمان: مَن ترك الإنكار القلبي فليس في قلبه من الإيمان مثقالُ ذرة، هكذا عبَّر رسولنا الكريم ﷺ "من رأى منكم منكرًا فليغيرْه بيدِه، فإن لم يستطعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وليس وراءَ ذلك من الإيمانِ مثقالُ ذرةٍ". فماذا بقي من الإيمان لمن فقد مثقال ذرة؟
5. الكاشف: لما كان الإنكار بالقلب أضعف الإيمان فهذا يعني وجود "أقوى الإيمان" وبمعنى آخر الحديث يكشف لكل مؤمن مستوى إيمانه، فقد قسم الرائيين ( المتأكدين من وقوعه كأنه رأي العين) للمنكر إلى أربعة مستويات :
المستوى الأول :المُنكِر باليد وهو أقوى الإيمان.
المستوى الثاني:المُنكِر باللسان وهو متوسط الإيمان.
المستوى الثالث:المُنكِر بالقلب وهذا أضعف الإيمان.
المستوى الرابع:الذي لا يُنكر، وهذا ليس عنده من الإيمان مثقال ذرة –والعياذ بالله-.
وكثيراً ما نسمع " أنكِر بقلبي وهذا ما أستطيعه" ثم يستل العبد نفسه من دائرة المسؤولية بتلك الجملة بناءاً على حديث الرسول الكريم ﷺ، فما حقيقة الإنكار بالقلب الذي يخلي مسؤولية العبد من جُرمِ ترك تغيير المنكر؟ وبطريقة أخرى ما مؤشرات(مظاهر) الإنكار القلبي ليطمئن قلب العبد فينجو من العقاب الدنيوي والعذاب الآخروي؟
بالنظر والتأمل في الأدلة النقلية والعقلية يمكن أن نقول أن هناك خمسة مؤشرات على الإنكار القلبي، وهي :
1. هجر المكان وعدم مشاركة أهل العصيان، وبغضهم بقدر المنكر، والبغض لايكون للممارسين للمنكر فقط، وإنما لكل من ساهم في وجوده وسعى في تمكينه وإشاعته، فالله تعالى يقول " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)النور، هذا فيمن أحب فكيف بمن ساهم وعمل!.
2. كره المنكر وتغيير الوجه لرؤيته أو سماعه مع عدم إستطاعة تغييره، والاستمرار على ذلك طالما المنكر موجود، والحزن على عدم القدرة على تغييره يقول سفيان الثوري رحمه الله:" إني لأرى المنكر لا أستطيع تغييره فأبول دماً ".
3. تحديث النفس بالمنكر وخطورته ورفض قبوله، فكثرة مخالطة المنكرات وسماعها قد يجعلها مقبولة مع الوقت وينسيك أنها منكر فعدم الإنكار يفضي إلى الجهل بالمنكر، وبمعنى آخر التأكد من حساسية القلب تجاه المنكر وعدم السماح لكثرته بتغيير إنكاره.
4. كثرة الدعاء بإزالة المنكر وتغييره وتحري الأوقات المستجابة، وأن يكون العبد سبباً في تغيير المنكر هو أو غيره، ولاتنس الدعاء على كل مَن يسعى في نشره وخاصة المصرين منهم.
5. دعم ومساعدة الساعيين في تغيير المنكر بكل وسيلة ممكنة كالدعاء لهم، فالقضية ترتبط بالمطلب الشرعي وهو تغيير المنكر لا بالمُنكِرين.
والموفق هو الذي يراجع تلك الخماسية ويراقب نفسه و يزكِّيها لعله أن يكون من الناجين بإذن رب العالمين، فالمسألة لا تحتمل التأجيل ولا تنتظر التأويل، فالتحذير الرباني واضح:" وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)الأنفال
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه.