قصة الكابتن السعودي

معاذو

٢٠٢٠/٩/٢٦

بمناسبة #اليوم_الوطني_السعودي90، حبيت أشارككم قصة توطين مهنة "الكابتن" في السعودية وكيف بدأنا مع الكابتن عبد الله القحطاني بمدينة الرياض ووصلنا لأكثر من ٣٠٠ ألف كابتن خلال ٤ سنوات. في الأصل، تمّت كتابة هذه التدوينة كسلسلة تغريدات على تويتر ومن ثم تحويلها لهذه التدوينة بتصرّف بناء على طلب الصديق العزيز مازن الضّرّاب. 


تبدأ القصة في شهر رمضان لعام ٢٠١٥م, كنا في اتصال مع مؤسسي كريم وكان عندنا مشكلة نحاول نحلها: الطلب أكثر من العرض. فكان الاقتراح من أحد المؤسسين إنا نجرّب نضيف كباتن سعوديين. الرد من أحد الزملاء كان إنه مستحيل يكون في تقبّل للمهنة هذي من قبل العملاء وأيضاً الشباب فماله داعي نتشتت. أحد المؤسسين أصر إنه لازم نجرب عالأقل قبل ما نوصل لحكم نهائي. اختتم حديثه ببحثه عن "متطوع" يمسك المبادرة. كان عمري بالشركة لا يتجاوز ٤ أسابيع. بدون تفكير تطوعت إني أمسك المبادرة ووقتها ما كان عندي أدنى فكرة من وين أبدأ. للتوضيح، كنا وقتها في كريم الرياض نضيف ما يقارب ٢٠ كابتن يومياً. 


بديت أكلم الأصحاب والمعارف وأقولهم عن الفكرة. سويت لي قوقل فورم وأرسلتها في عدة مجموعات على الواتساب مع شرح بسيط عن الفرصة عشان اللي مهتم يسجّل. عدد اللي سجّلوا كانوا ١٢ فقط. تواصلت معهم هاتفياً، حددت لهم موعد للتدريب بعد صلاة التراويح الساعة ١٠م. 

طلع التحدي الأول: مكتبنا كان جداً سيء. ما أقصد إنه متواضع، لا. كان سيء جداً. بحط لكم بعض الصور عشان تتخيلون الوضع معي. طبعاً، حسب فهمي وقتها إن المكتب (اللي هو شقة طبعاً) كان تابع لأحد المستثمرين الملائكيين وكنا ماخذينه ببلاش. مكتبي ولله الحمد كان بغرفة النوم الرئيسية وهذا من فضل الله. كنت متخوف إنه الكباتن الجُدُدْ إذا جو مكتبنا وشافوا الوضع، فما رح ياخذونا على محمل الجدّية وبالتالي نخسرهم ويفشل مشروع استقطاب الكابتن السعودي. فاستأجرت غرفة في مقهى على طريق الملك فهد بـ ٥٠٠ ريال.

التحدي الثاني: ما كان عندنا أي مواد تدريبية باللغة العربية. اكتشفت بعدها من زملائي إنه مره قد جاهم كابتن سعودي وسجّل وإنه يشتغل من فترة لفترة على التطبيق بتقييم عالٍ جداً. بس هو الوحيد اللي معنا. دقّيت على الكابتن عبد الله القحطاني. تواعدنا على قهوة وشرحت له المهمة وكان ونعم الرّجل. وافق عبد الله على المساعدة دون طلب أي مردود مادي. واتفقنا نشتغل على المواد التدريبية وإنه نقدم أول دورة للكباتن السعوديين مع بعض.


جاء يوم التدريب، ومن الـ ١٢ اللي أكدوا حضر تقريباً ٦ بس. الكباتن كانوا من فئات عمريّة مختلفة. أصغرهم كان ١٨ سنة وأكبرهم حول الـ ٥٠. بعد التّدريب، نزلنا نشيّك على سياراتهم وللأسف اضطرينا نرفض ٢ منهم لعدم جاهزية مركباتهم والباقيين نجحوا. الـ ١٢ صاروا ٤. سوينالهم قروب واتساب وانطلقوا الكباتن.

ثاني يوم الصبح، صرت أراقب رحلاتهم ومباشرة بعد انتهائها أتصل على العملاء. ذيك الأيام أكثر من ٩٠٪ من عملائنا كانوا سيدات فكنا جداً حريصين على ردة فعلهم. كنت أبدأ الاتصال بالسؤال بشكل عام عن جودة الرحلة وكان الرد غالباً بأنها ممتازة. بعدين أسألهم إذا لاحظوا شي غير معتاد بالمشوار. الكثير لاحظ إن الكابتن لم يكن من جنسية آسيوية مثل العادة. فجاءت لحظة الحقيقة وصرت أسألهم: "طيب، وش رأيكم؟ هل ممكن تكررون التجربة؟". كان في نقطتين الغالبية أشار إليها:

١) نظافة السيارة العامة كانت ممتازة.
٢) سهولة التواصل باللغة العربية مع الكابتن.

ما حبينا نكبّر الموضوع بسرعة أبداً. استمرينا مع المجموعة الأولى بضع أسابيع واحنا مواصلين على مراقبة تقييماتهم وأخذ آراء الركاب. الكباتن حافظوا على أدائهم المتميّز وحافظ عدد منهم على تقييم ٥/٥. العملاء أبدوا سعادتهم ولم تردنا أية شكاوى. عرفنا هنا إننا وصلنا مرحلة الـ PMF (ملائمة المنتج للسوق) وقررنا الانطلاق. أول القرارات كان استحداث منصب "مدير الأسطول السعودي" وكان الأجدر بالحصول عليه الكابتن عبد الله القحطاني. بدأنا بجلستين تدريبيتين أسبوعياً أى ما يعادل قرابة الـ ٣٠ كابتن أسبوعياً. 


تفادياً للإحراج من مكتبنا، اتفقنا مع فندق وكنا نعقد جلسات التدريب هناك. كانت كل الجلسات تُدار من قبل الكابتن عبد الله القحطاني. وبدأت الأرقام بالتزايد. بعد عدة أسابيع، صار عندنا جلسة تدريب يومياً. بعدين وصلنا جلستين وثلاثة وأربعة. 


بعدها انتقلنا لمكتب جديد وخصصنا فيه غرفة للتدريب وصرنا نقيم عدة جلسات يومياً. الإقبال كان عالي ولله الحمد. يوم بدأت الأعداد تصل لمئات الكباتن، عملت لي لوحة تحكم لمتابعة الأداء بشكل يومي. من أهم المؤشرات اللي كنا نراقبها:


١- نسبة الكباتن السعوديين.

٢- نسبة الساعات السعودية المنجزة.

٣- معدل التقييم من ٥. 

في ظل استمرارية النتائج المُبهرة، عُمّمت التجربة على كريم السعودية وانطلقنا. خلال سنة، وصلنا لـ ٦٠ ألف كابتن. طبعاً، كبَر فريق العمل وتجاوز أكثر من ٤٠ عضو واستفدنا من خبرات الكثير من الشباب اللي أبدع وحسّن من تجربة الكابتن مع الوقت.


من بين هذه التحسينات "قَسَم مهنة الكابتن". واحد من أعضاء الفريق اقترح الفكرة وجرّبناها. باختصار، كانت الفكرة إن مهنة "الكابتنية" مهنة عظيمة وفيها مسؤولية. الكابتن يقوم بنقل فلذات أكباد المجتمع وهو مسؤول بشكل مباشر عن سلامتهم وسلامة أعراضهم وأيضاً عن أسرارهم. فجاء قسم المهنة لتوكيد حساسية هذه المهنة للكباتن الجدد وبات كل كابتن يؤدي قسم المهنة بعد كل جلسة تدريبية قبل الحصول على شهادة الكابتنية.

بعد عدة أشهر، قررت هيئة النقل حظر العمل بسيارة خاصة على السعوديين فقط. والحمد لله، كوننا بدينا من بدري، كنا في جاهزية عالية واستطعنا الصمود في السوق والمنافسة بشكل قوي. 

توالى الإبداع من فريق عملنا حيث قام أحدهم بكتابة أغنية وتلحينها وتسجيلها لكي تكون واحدة من أهم الإعلانات التي استخدماناها لاستقطاب الكباتن. طبعاً، الزميل لم يكن من فريق التسويق وإنما العمليات. وهذا هو الشغف والطاقة اللي كانت تدور في أروقة كريم. 

صار عندنا برنامج لاستقطاب أفضل الكباتن أداءً لكي يصبحون مُدرّبين. وصار عندنا أكثر من ٢٠ مدرّب سعودي بالرياض فقط وعشرات الدورات التي تُعطى يومياً. وصلنا في مرحلة من المراحل لإضافة ما يزيد عن ألف كابتن سعودي يومياً.

حينما قررنا أن يكون لدينا زي موحّد في مركز عمليات خدمة الكابتن، اقترح أحد الزملاء أن نكتب عليها من الخلف: "تدلّل!". كان هذا الحب للكابتن والرغبة العميقة بالخدمة ما ميّز روح فريق العمل وجعل الكثيرين منهم يعمل ما يزيد عن ١٢ ساعة يومياً.


حينما شارفت رحلتي على النهاية، كنا قد تجاوزنا ٣٠٠ ألف كابتن سعودي (غير اللي موجودين عند الشركات الثانية). ورغم كثرة المشاريع التي عملت عليها في كريم إلا أن مشروع الكابتن السعودي هو الأجمل والأمتع والأكثر تحدياً بالنسبة لي. وذلك لسببين:


١- قدرتنا على تحدي مفهوم سائد و تجربة ما كان الكثير يعتقد أنه مستحيل.

٢- تمكين مدننا بخدمة النقل التي تبعد عن أي واحد منا ما لا يزيد عن ٥ دقائق (بالمعدّل). أهم ما تعلّمته: "لازم تجرّب" وإن كان مصير التجربة الفشل. لو ما جرّبنا نضيف ٤ كباتن سعوديين يمكن كان كريم اختفت من السوق.


بالطبع، هناك المئات من زملائي الذين عملوا بصمت لخدمة مئات آلاف الكباتن. فأود أن أخصهم جميعاً بالشكر و لا يهون فريق الرياض اللي كان معروف بـ "نمور القلعة" (مكتبنا كان اسمه القلعة وكريم تسمي كل الزملاء نمور)!

وبس، حبيت أشارككم هذه التجربة وأتمنى لكم عيداً وطنياً سعيداً!


معاذو 

mo3atho@ 


Join