العصفورة اكشمان
قصة قصيرة
في الطابق الثالث لمبنى الشركة يسكن "اكشمان" ، هندي ينتمي للديانة الهندوسية و في بداية الثلاثينات من عمره. حسن التعامل وشديد اللطف مع من هم أعلى من طبقته الإجتماعية ويقل لطفه كلما اقترب من أصحاب القاع الإجتماعي.
يعمل في الشركة على وظيفة "أُم"، يفتح الأبواب الساعة السادسة. صانع شاي وقهوة في النهار و في المساء يعقم أسطح كراسي دورات المياة مما تبولوه بسبب ما يحقنه للموظفين من السوائل الحارة بكميات كبيرة للتعبير عن إخلاصه لهم.
يسألونه عن كل صغيرة وكبيرة تُفقد في الشركة ( اكشمان وين الختم ؟ اكشمان وين ورق الطابعة ؟ اكشمان ليه القهوة طعمها متغير؟ ).
ذات يوم سأله موظف عن مفتاح سيارته فما كان من اكشمان إلا أن قال : "وإن قمت ولقيته!"
ينتهي عمله في الساعة العاشرة مساءً بعد أن يتأكد بأنه نظف جيداً مكتب الرئيس التنفيذي وحصر أعداد ذرات الغبار في دفتر صغير حتى يخرج بإحصائية نهاية العام؛ يضعها على مكتب الرئيس التنفيذي الذي لا يعرف كيف يقرأ أرقام ميزانيته ولم يطّلع عليها يوماً. ويعتقد أن ربحية الشركة تعتمد على التدفقات النقدية التي يستطيع بها دفع المرتبات ومبالغ لكبار المساهين كلما ارادوا دس انوفهم في الأوراق ، ومصاريف منزله الخاصة!
كذلك يؤدي اكشمان دوراً مهماً في تقييم الموظفين وترقياتهم وما يتقاضونه ، يستدعيه نائب الرئيس التنفيذي نهاية العام ليسأله عن تواجد الموظفين في مكاتبهم لأنه عاجز عن تقييم الموظفين بناءً على انتاجيتهم والمهام الموكله لهم.
ينعت الموظفون المصريون اكشمان بلقب "العصفورة" وهذا اللقب متداول في مصر و يعني المخبر السري، وهو نعت دقيق لهذه المهمة.
العصفورة تتنقل بأريحية بين الأغصان ولن تعيرها هماً عندما تهم بفعل أمر إيجابي أو جريمة مع سابق إصرار وترصد بينما هي ترصدك.
زاد على اكشمان حمل المهام بعد تزايد أعداد الموظفين واقترح أن يعاونه موظفان جدد وتحت إدارته ، وشاءت الأقدار أن تنتقل الخلافات الطائفية والسياسية من أرض الهند البعيدة إلى سطح الشركة . فقد كان الموظفان هنديان مسلمان وتم حشرهم في نفس غرفة اكشمان المصنوعة من ألواح من الحديد.
أرض معركة حقيقية كتلك البعيدة، فالمتحاربين ترتعش أبدانهم في الشتاء وتتصبب أجسادهم عرقاً في الصيف.
يتعامل مع الموظفان الجدد تحت إدراته بصرامة ورقابه وتوبيخ وكأنهم عبيده. وفي أحاديث جانبية مع بعض الموظفين يصفهم بأنهم مهملين في أداء واجباتهم، بينما أحدهم والذي اسمه "صلاح الدين" يتذمر بأن هذا الأكشمان هندوسي، وكل هندوسي يكره المسلمين. وكيف يكون له الإمره على مسلمين في بلد التوحيد؟!
صلاح الدين يفسر العالم كله ويفهمه عبر نظرية المؤامرة الكونية ضد كل ما هو مسلم ، ويثبت ذلك لمن يحاججه عبر مقاطع عبر حسابه في فيس بوك!
بكوفيته التي يرتديها يمشي هوناً حزيناً وكأن هم العالم الأسلامي وُضِع فيها.
اكشمان رجل نبيل بينما النظام الذي وُضِع فيه صنع منه وجهين مختلفين حتى يزداد نبلاً لكن من وجهة نظر مديره، تقييمه لذاته لم يعد نابعاً منه.
يعاني اكشمان من انعدام الحرية على مستويين. فهو ليس حراً بما يكفي ليقول للمسؤول لا أعلم وليست وظيفتي هنا " عصفورة" حتى لا يخسر رضى مديره ويرسله لزوجته وطفله في الهند.
وفي أحد شكواه لأحد الموظفين الجدد عبّر عن احقيته بهذا المنصب لكنه يعاني المر من الحرب الطاحنة في سطح الشركة ، وهي المكانة التي انتزعها بعمل 18 ساعة يومياً . فرد عليه الموظف : عندما تتحرر يا اكشمان من هوى رغباتك ستكون حراً.