اتخاذ قرار دراسة الطب كتخصص ثاني
قرار دراسة الطب كتخصص آخر بالإضافة إلى تخصصك الأصل قرار ذو أهمية كبيرة ولا شك. ليس من السهل اتخاذ قرار كهذا خصوصًا لمن أقدموا على الخطوة التالية في حياتهم العلمية كمن قُبل لدراسة الماجستير أو انضم لأحد برامج الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أو حصل على وظيفة ذات مزايا رائعة أو أحرز أي تقدم جيد بعد انتهائه من دراسة تخصصه الأساسي. لست أفضل من يسدي النصائح في أمور قد تكون جوهرية أو نقطة تحول في حياتك، فأنا لازلت يافعة وخبرتي في الحياة محدودة للغاية؛ لكن سأسرد لك ما قد يساعدك لاتخاذ قرارك وخذ منه ما تراه مناسبًا لك.
أولاً: اجلس لوحدك في مكان هادئ وبذهن صافي.
أحضر ورقة وقلم واكتب الأربعة الأسئلة التالية:
ما هي الأسباب التي تدفعني لدراسة الطب بعد دراسة ...... (اكتب تخصصك)؟
ما هي النتائج الإيجابية لتنفيذ قراري؟
ما هي النتائج السلبية لتنفيذ قراري؟
ما هي العقبات التي ستواجهني لتنفيذ هذا القرار؟
أيضًا ضع في حسبانك أمور عديدة، على سبيل المثال تدبير أمور مصاريفك الشخصية أثناء الدراسة وكيف ستتمكن من أن تصرف على نفسك والزواج وعدد سنوات الدراسة وما يلحقها من سنوات الاختصاص وربما ترك وظيفتك الحالية والتأخر عن التسجيل في التأمينات الاجتماعية وتكاليف المعيشة لمن يعيشون في مدينة أخرى.
إضافة إلى ذلك قيم ما إذا كان قرارك ناتج عن تخطيط ورغبة منذ سنوات أم أنها فكرة أو رغبة عابرة. الآن جاوب على الأسئلة السابقة بكل وضوح وصراحة. هذه الورقة سرية للغاية وخاصة بك؛ لذلك عبر كما شئت واكتب ما شئت وكن صادقًا مع نفسك أثناء الإجابة على هذه الأسئلة. احتفظ بالورقة وأعد قرأتها بعد مدة وقيم أسبابك. إجابتك على هذه الأسئلة ستجعل الأمور أكثر وضوحًا بالنسبة لك وستجعلك أكثر ثقة وتحفيزًا في أنك اخترت الاختيار الصحيح لنفسك.
ثانيًا: فكر في تكلفة الفرصة البديلة the opportunity cost of a choice.
هذا مصطلح اقتصادي بحت، تعلمته أثناء دراسة مقرر اقتصاديات الدواء وأصبحت استخدمه في بعض قراراتي وأحببت أن أشارككم الفائدة. (أتفهم إن كان بعضكم لا يحب الاقتصاد؛ لكن سأبذل قصار جهدي لشرح الموضوع بطريقة سهلة إن شاء الله)
تكلفة الفرصة البديلة هي منافع أو فوائد فرصة ما يتم التضحية بها أو التخلي عنها من أجل الحصول على منافع أو فوائد فرصة أخرى. يعتمد الاختيار بين الفرصتين بناءً على الفرصة ذات الفائدة الأكبر والتكلفة الأقل (ليس شرطًا أن تكون هذه التكلفة هي المال قد تكون أي شيء مثلًا الوقت)
تخرجت فاطمة بشهادة البكالوريوس في الأحياء الدقيقة وتطمح لدراسة الطب وفي نفس الوقت لديها فرصة لإكمال الدراسات العليا. الآن لدى فاطمة فرصتين.
الفرصة الأولى
إذا اختارت أن تمضي في قرار الدراسات العليا، فبعد خمس سنوات ستكون على مشارف الحصول على شهادة الدكتوراة في تخصصها.
الفرصة الثانية
إذا قررت أن تدرس الطب في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، فبعد خمس سنوات ستكون أنهت دراسة الطب وبذلك أصبحت تمتلك شهادتين بكالوريوس.
بمقارنة الفرصتين من ناحية الشهادات فربما تكون الفرصة الأولى أفضل. لكن إذا فعلت فاطمة ذلك ستكون قررت اعتمادًا على المنفعة فقط. كما ذكرنا سابقًا فإن قيمة الفرصة تعتمد على (1) المنفعة المصاحبة (2) التكلفة المترتبة عليها.
لاحقًا علمت فاطمة بمعلومة أخرى وهي أنها إذا أرادت أن تكمل الدراسات العليا فيجب عليها دفع تكاليف دراسة الماجستير والدكتوراه والتي تقدر بالمتوسط بـ 140 ألف ريال (المنفعة المصاحبة: الحصول على شهادة الدكتوراه، التكلفة المترتبة على ذلك: تكاليف الدراسة) بينما تستطيع دراسة الطب بشكل مجاني (المنفعة المصاحبة: أن تصبح طبيبة، التكلفة المترتبة على ذلك: سنوات دراسة إضافية للحصول على شهادة بكالوريوس). إذا اختارت فاطمة أن تكمل الدراسات العليا فهنا تكون تكلفة الفرصة البديلة هي أنها لن تصبح طبيبة(الشيء الذي تخلت عنه). في المقابل، إذا اختارت دراسة الطب فستكون تكلفة الفرصة البديلة هي عدم الحصول شهادة الدكتوراه. أدركت فاطمة أنها لطالما كانت تطمح بأن تصبح طبيبة بعد أن تنهي دراسة الأحياء الدقيقة وأنه يصعب عليها توفير تكاليف الدراسات العليا. أخيرًا قررت التخلي عن فرصة الحصول على شهادة الدكتوراه في الأحياء الدقيقة مقابل دراستها للطب.
قصة فاطمة مجرد مثال توضيحي مبسط لتوضيح مفهوم تكلفة الفرصة البديلة؛ لكن في الحياة الواقعية يجب على فاطمة أن تضع في عين الاعتبار أمور عديدة أخرى كالتي ذكرتها بداية هذه المقالة وهو ما قد يجعل اتخاذ القرار أكثر صعوبة؛ لكن في نهاية المطاف سيمكنها من اتخاذ وتنفيذ القرار المناسب لها وعن قناعة تامة.
تذكر
أن كل فرصة لها المنفعة التي ستتخلى عنها من أجل الحصول على منفعة الفرصة أخرى؛ أي لا بد من التضحية.
كل قرار له تكلفته الخاصة.
لا يوجد قرار جيد وآخر سيئ. قرر اعتمادًا على ما تراه قرار صائب بالنسبة لك.
ما قد يعد قرار منطقي أو خيار جيد لك قد لا يكون بالضرورة كذلك لغيرك والعكس صحيح.
لكل فرصة تحدياتها ومصاعبها الخاصة بها، لا يوجد طريق سهل.
الطب ليس أفضل شيء ولن يكون كذلك. يظن البعض أن الطب هو التخصص الأفضل وأنه تخصص الأحلام؛ وهذه فكرة مغلوطة عنه. (على الأقل هذا انطباعي عنه حتى قبل دراسته)
ثالثًا: استشر أهل الخبرة ومن تثق بهم.
استشر أهلك ومن هم في تخصصك واستشر من هم في الطب خصوصاً من أقدموا على نفس الخطوة التي تفكر أن تقدم عليها؛ فالبرنامج موجود منذ تأسيس الجامعة وهناك من أصبحوا استشاريين في مجالهم والبعض أقدموا على نفس الخطوة؛ لكن بالدراسة خارج المملكة العربية السعودية. من الممكن أنك لا تعرف مَن مِن الأطباء الذين لديهم خلفيات علمية أخرى غير الطب؛ لكن حاول أن تسأل عنهم وستعرفهم. إضافة إلى ذلك بمجرد أن تستشير من هم في تخصصك ومن هم في الطب عن الأمر سيخبرونك بمن فعل ذلك من أشخاص قد يكونون في محيطك ولم تكن تعلم عنهم ذلك.
رابعًا: استخر ربك وادعوه بكل ما فيه خير وسعادة ورضا لك.
نؤمن يقينًا أن الله وحده لديه علم الغيب وأننا لا نعلم على وجه اليقين ما هي التبعات المترتبة على أي شيء نُقدم عليه. لذلك بعد التفكير مليًّا وبتأني والاستشارة، قم بصلاة الاستخارة بما قررت به. إذا كان ما عزمت عليه فيه خير لك (مهما كان نوع هذا الخير) فبإذن الله سييسر الله لك طريقك ويجعل لك في كل عقبة فرج وإن كان فيما قررت شر لك وتعاسة فسيبعد الله عنك ذلك ويفتح لك بابًا آخر أفضل ويعطيك فرصة أخرى فيها سعادتك.
خامسًا: توقع الرفض (حتى من أقرب الناس إليك).
إذا كان قرارك هو دراسة الطب فقد تلقى من يشجعك على هذه الخطوة ويكن معك قلباً وقالباً؛ لكن في المقابل توقع أن يُقابل قرارك بالرفض أو ربما الاستغراب من العديدين حتى وإن كانوا أقرب الناس إليك، كوالديك مثلاً. قد يكون رد الفعل هذا متوقع حيث إن دراسة الطب للحاصلين على شهادة البكالوريوس قليلة جدًا في مجتمعنا. إن قابل أحد العزيزين عليك ما عزمت عليه بامتعاض أو الرفض وإنك ستقدم على خطوة قد تكون خاطئة برمتها، قد يكون تأجيل النقاش خيارًا جيدًا. بعدها أجلس معهم مرارًا وتكرارًا ووضح لهم وجهة نظرك وقم بالرد على مخاوفهم وعبر عن رغبتك واجعلهم يرون الموضوع من زاويتك الخاصة. أصغي لما يقولون فقد يلفتون انتباهك لأمور لم تكن في حسبانك.
أخيرًا، مهما كان قرارك سواء أن تكمل في تخصصك الأساسي أو أن تسلك طريق دراسة الطب كتخصصك الثاني، تذكر أن كل إنسان مسؤول عن قراراته بنتائجها الجيدة والسيئة والتضحيات المترتبة عليها.