يوميات كادح سعودي


بقلم شخص ربما يكون اسمه

سامي

الأسبوع ١٧


نزاهة

ﻷول مرة أعلم أن اسمها ( نزاهة ) هكذا .. كنت أعرف اسمها الطويل و اعرف اسم رئيسها الذي أصبح مشهوراً للغاية ﻹنه المواطن الوحيد الذي ذكر اسمه حرفياً في قرارات الملك المشهورة قبل سنتين .. غير هذا كله لم أشاهد إلا موظفها هذا النحيل يتنقل بين مرافق مكان العمل الذي أعمل به و الكل يحيطه مهابة و خوفاً


نعم .. هيئة مكافحة الفساد زارت مكان عملنا .. تنقلت بين اﻷقسام و الممرات .. 

المضحك المبكي أنها تتنقل و معها مديرنا و الحاشية كأنه ضيف و ليس محقق عما يحدث .. و تريه أفضل اﻷشياء و المشاهد .. و كثير من الهيبة تحدث حوله .. 


بالرغم من أن هذه الهيبة جميلة لزرع الحس الرقابي و الخوف منه في العمل .. لكنه أيضاً مزعج لإن الهيبة و التخوف تحدث حول اﻷشياء المقلقة .. و القلق يعكس اضطراباً يحدث .. و الاضطراب يجعلنا نسأل .. أهنالك فساد تخفونه ؟!


يبدو واضحاً من حديثي أنني موظف في دائرة حكومية .. و هذه الورقة و القلم و الختم الصغير هم أدوات عملي .. 

بل اختصاراً دعوني أقول لكم أن هذا الختم هو أنا و أنا هو هذا الختم .. سنوات دراستي كلها تتلخص فيه .. أي ورقة بدونه تعتبر لا شيء .. 

ما أسهل الفساد أحياناً .. كل ما تحتاجه مجرد رقصة من قلم أو انحدار من ختم كهذا!


سكر مزبوط!

مقاعد الدراسة .. كل شيء جميل حولها إلا هي ذاتها .. ذكريات اﻷصدقاء و طعم فرحة النجاح و لذة الحصول عليه بعد تراجع و تقهقر .. حتى نكهة اﻷلم الموجود فيها لها نغمة تدندن عليها لاحقاً


عدت إلى كليتي بعد فراق لا أخفي أنه جميل .. لكنه ربما يكون الفراق الوحيد الذي يكون جميلاً في بدايته .. و كلما طالت مدة البعد عنها كلما كان هذا الجمال قبحاً و زاد من الحنين لذكراه


عدت إليها كي أجدد ذكرى العطاء ﻷحضر اجتماع أحد الفرق التطوعية الطلابية التي ما زلت مشاركاً فيها رغم التقصير .. نحاول الاقتراب لعلنا نلقى رائحة اﻷجر معهم .. لعلنا نلقى مكان وسط زحمة العاملين .. فالتطوع ميدان ينسيك شخونة الروح و يجعلها شيء من الماضي .. خصوصاً عندما يزهو طريقه بالرفاق الرائعين فيه


دوما إيماني يتزايد مع كل سنوات دراستي في السكن الجامعي أن هذه اﻷنشطة التطوعية هي شيء كالسكر و دراستنا كالشاهي في الكوب .. من جعل الدراسة كل حياته كان طعمها مر و لو شرب الشاهي بأكمله .. و من تطرف و كان النشاط هو اﻷساس و الدراسة شيء ثانوي .. كان كوبه مرضاً و سكراً كثيراً لا يستساغ .. 


لكنه القدح المليء بالشاهي مع ما يكفينا من حلاوة السكر !


الأفراح لا تأتي فرادى!

ليس فقط هو الحزن هو البارع الوحيد في هذا الميدان .. لكن الفرح أيضاً و أحيانا ببراعة أكبر يفعلها


دوماً نسمع أن اﻷحزان عندما تأتي فإنها لا تأتي فرادى و أنا أول من أردد ذلك .. لكن اليوم و أمام هذه الورقة أيقنت أن السعادة أحياناً لا تأتي فرادى .. بل ربما و بفضل الله تأتيك مجتمعة لا تعلم بأيّها تفرح و بأيّها تزغرط


اليوم كان يوم بديعاً في الدوام حيث أنهيت واجباتي نحو مؤتمر سوف نقيمه بعد شهر و أنا نائب رئيسة اللجان و نلت الاطراء على عملي ..


و اليوم أيضاً شرف الراتب الجميل حسابي و كانت رسالة ايداعه ذات وقع لذيذ لشوقنا إليه بعد ابتعاد طويل منذ منتصف رمضان ..


و عندما عدت للبيت نمت قليلاً قبل قدوم زوجتي و عندما استيقظت وجدتها أمامي و في يدها هذه الورقة .. بالرغم من أننا اتفقنا من بداية زواجنا ألا نحتفل إلا بأعياد ميلادنا حسب التقويم الميلادي لكنها حجزت لنا غداً غرفة على حسابها في أحد أفخم فنادق جدة بمناسبة عيد ميلادي الهجري الذي كان قبل أيام قليلة


اللهم لك الحمد .. اللهم لك الحمد .. وحدها نعمة الزوجة المحبة الصالحة من عظمتها كافية لسجدة شكر عليها كل ليلة .. لكننا لا نستشعر ذلك و الاعتياد يتخمنا غفلة !


حياتنا في ثواني

كل شيء يبدو على أتم حال .. كل التفاصيل تغار من أختها في تمام جمالها .. لو أرادت ذاتك السلبية المتشائمة البحث عن اﻷخطاء تجد روحك المتعطشة قد صرخت في وجهها تطلب منها التوقف و الابتعاد طريق مواكب السعادة


كعكة ذكرى ميلادي و بجانبها كثير من الزهور .. 

كأس من القهوة أمام البحر من شرفة الفندق .. 

و حب لا يعرف الشروط يشاركك حياتك و بجانبك .. 

إنها دقائق تختصر حقبة من حياتنا في ثوانيها .. بل هي لحظات ينازعك فيها سلطنة اﻷدب و القلم .. و أنا أحاول إخماده ﻹنه السُكر الأدبي يدفعني بأن أكتب في حماقة و أقول .. هل حان موعد بداية الخوف من قادم اﻷيام بعد جمالية حياتنا في هذه اللحظات .. لإن بعد كل قمة هنالك شيء من الانحدار للهاوية ؟!


ألا سحقاً لك يا أيها اﻷدب .. 

و الله إن الجري وراء لذتك أحياناً لا يأخذنا إلا لهاويتك أنت .. كيف لا و الشعراء لهم مع هاوية الغواية الكثير من القصص .. 

دعني أتغمس في سبات لحظتي .. 

دعني أجلس أمام البحر و أنسى كل هموم الدنيا خارج هذه البقعة .. 

بل و أنسى حتى لحظة التناسي نفسها كي أعلم أنني بحق على قيد الحياة .. في شيء اسمه الحياة !


Join