تعليق على محاضرة
Stephanie Kelton
ما يتفق عليه الجميع:
الكل يدرك أن الأموال يمكن أن تطبع بدون حد، فهي ليست أكثر من ورق أو أرقام على الحاسوب، والكل يتفق على أن الطباعة اللامحدودة ستتسبب بالتضخم..
ولكن الذي لا يتفق عليه الجميع هو ما الحد المعقول من الطباعة والذي لن يحدث عنده التضخم.
وهنا يكمن الخلاف؛
حيث أن من الديمقراطيين في أمريكا من يعتقدون أن طباعة الدولارات بكميات ضخمة لن تشكل أي خطر على اقتصاد أمريكا طالما أن هناك سلع كثيرة ومتعددة ولها مصادر غير محدودة لن تتأثر في حال زاد الطلب على السلع بحيث يؤدي إلى زيادة أسعارها،
وهذا ما يخالفهم فيه كثير من الجمهوريين حيث أنهم يرون إلى الاقتصاد بنظرة مشابهة للنظرية الميركانتيلية، فهم يتعاملون مع الدولار مثل تعاملهم مع الذهب باعتباره مصدر محدود في الطبيعة وأن خروجه من الدولة يعتبر سلبي على الاقتصاد، أو على الأقل يرون أن صرفه في الدولة أولى من صرفه خارجها.
ولهذا أمر الرئيس ترامب (الجمهوري) بتحويل كل عقود تصنيع مواد طائرة الـF-35 إلى شركات أمريكية تعمل على أرض أمريكا.
وهذا الأمر كان معاكساً لقرار أوباما (الديمقراطي) الذي فرض على شركات الطائرات الحربية توزيع صناعة مواد طائراتها على الدول الحليفة لها.
هذا يُظهر الاختلاف الواضح بين النظريتين، مع إمكانية الجمع بينهما..
وجهة نظر أوباما هي أن الدولار أصبح عملة العالم التي تعتمد عليها جميع الدول في شراء احتياجاتها، ولهذا يجب أن يتم ضخ كميات أكبر من الدولار في الاقتصاد العالمي حتى تتمكن الدول من توفير احتياجاتها ولا تضطر للبحث عن بديل للدولار للتبادل الدولي. وأن هذا لن يشكل خطر على الدولار حيث أن الطلب عليه عالي وسيزداد أيضاً لأن الحاجة له ستبقى كبيرة، فهو علمة التبادل الدولي الضرورية لإجراء كل معاملة دولية، وأن دول العالم الآن لا تملك منه كميات كافية لتلبية احتياجاتها، وأن أغلب الدول في حالة صعبة بسبب سياسات الرؤساء الجمهوريين التي كانت تدعم الصناعة داخل أمريكا فقط والتي تصعب على دول العالم الحصول عليه و تضطرهم للبحث عن بديل للدولار كعملة تبادل دولي.
ووجهة نظر ترامب هي أن توزيع صناعة مواد الطائرات على دول أخرى يؤدي لزيادة البطالة داخل أمريكا وأن الأمريكيين أولى بهذه الأموال.
سياسة الرؤساء الديمقراطيين لا تتوقف عند توزيع صناعة مواد الطائرات الحربية فقط، فهم يرون أن صناعة النفط داخل أمريكا خطأ لأن لها أضرار كبيرة على البيئة، ولهذا المرشح الرئاسي للحزب الديمقراطي جو بايدن يقول أنه سيوقف التنقيب عن آبار بترول جديدة في أمريكا لهذا السبب، وهذا سيؤدي إلى انخفاض إنتاج البترول داخل أمريكا ثم ارتفاع سعر البترول عالمياً وزيادة الصرف عليه داخلياً.
ووجهة نظر ترامب هي أن توزيع صناعة مواد الطائرات على دول أخرى يؤدي لزيادة البطالة داخل أمريكا وأن الأمريكيين أولى بهذه الأموال.
الحق مع من؟
لو طبعت أمريكا الأموال و وزعتها على الشعب بالإعتماد على مبدأ الـ universal basic income (UBI) لن تحصل مشكلة مباشرة بسبب زيادة الأموال في السوق، ولكن الذي سيحصل لا محالة هو زيادة نسبة البطالة واعتماد الناس على الراتب الذي ستقدمه الحكومة لهم دون أن يبذلوا جهدهم للتعلم والعمل للحصول عليه بحقه.
وقد قيل أن من أسباب سقوط روما القديمة هو زيادة الرخاء في الشعب الروماني وعدم اعتمادهم على أنفسهم في تحصيل الرزق واعتمادهم الأساسي على العبيد.
لهذا أظن أن الطريقة الأفضل التي تعمل بها أمريكا لضمان بقاء الاقتصاد حيوياً هو أن تحرص الدولة على عدم إشعار موطنيها بالرخاء المطلق وتوجيههم إلى العمل وتحذيرهم وتوعيتهم بأن الفرص قد تذهب عنهم وتأخذها دول اخرى غيرهم، لكي يشعروا بإستمرار بوجود المنافسه ويعملوا على تطوير الصناعة والإبداع.
المستفاد
أعتقد أن أهم ما يستفاد من المحاضرة هو أن طباعة الأموال لن تتسبب بالتضخم في السلع الأساسية لأي دولة طالما كانت موارد المواد غير محدودة، بل سيزيد ويحفز الاقتصاد ويوفر الكثير من الوظائف.
ولكن هذا لا بد أن يحصل بعد العناية بالأموال الخارجة من الدولة والسيطرة على تدفقاتها بحيث لا تؤثر سلباً على مخزون الدولة الاستراتيجي من النقد الأجنبي والمرونة في التحكم بسعر الصرف، بالإضافة إلى العناية بالكميات المعروضة من العملة والسيطرة عليها عبر إصدار السندات الحكومية وفرض الضرائب.
قد يكون التحكم بتدفقات النقد الخارجة من الدولة بعد زيادة طباعة العملة أمر صعب جداً، ولكن هذا الأمر سهل وبسيط إذا ما أعلنت الحكومة عن سياستها وعن نيتها في ترشيد الواردات وعدم السماح للتجار والمواطنين بالإستيراد العشوائي دون الرجوع لهيئة تجارية تدرس مدى أهمية استيراد هذا المنتجات من عدمها و التأكد من توفر البدائل الأرخص من مصادر أُخرى أو مدى أمكانية أنشاء شركات توفر نفس المنتجات بتكلفة أرخص.
القيام بهذه الخطوة العظيمة يعني أن الدولة صارت كشركة واحدة كبيرة تتحكم بكل شيء داخلها وترشد مصروفاتها.
وفي حال نجحت هذه الخطة الإدارية نتيجة صرف الدولة على تطوير الصناعة في المملكة ستزيد صادرات المملكة بنسبة كبيرة ويزيد الطلب على عملتها مما قد يمكنها من أن تقرض الدول الأجنبية بعملتها وتقوم الدول بالإحتفاظ بالريال كعملة احتياطي استراتيجي، في حال قلت هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي كعملة تبادل رئيسية وتعددت عملات التبادل عالمياً.