صناعة الوهم: كيف استطاع الذكاء الاصطناعي أن يٌمارس التزييف باحترافية؟

مدخل مُبسَط إلى تقنية الDeepFake و ال GANs

  • مقدمة:

في حلقة Be Right Back من مسلسل Black Mirror الذي يناقش تأثير التطوّر التكنولوجي المحتمل على حياة الإنسان, عرضت الحلقة قصة Martha التي فقدت حبيبها وساعدتها التكنولوجيا على معاودة التواصل مع “نسخته الرقمية” كتابةً ثم صوتًا إلى أن صار متجسدًا أمامها بكل تفاصيله. تم ذلك عن طريق تزويد برنامج متخصص بمعلومات من نشاطه على شبكات التواصل الاجتماعي و فيدوهات له ليُحاول عن طريقها تعلم نمط وأسلوب كلامه, بالإضافة إلى حركاته وتعبيرات وجهه. ومن ثم محاولة تقليدها ومحاكاتها. عرضت الحلقة معاناة Martha مع هذا الوهم المحترف!

ما كان خيالًا علميًا عام 2013 صار شبه ممكنًا اليوم بعد أن أصبح بإمكانك أن تكون بطل فيلم هوليودي بدقائق باستخدام تقنية الDeepFake, إحدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

تُتيح تقنية الdeepfake التلاعب بالصور والفيدوهات باستخدام خوارزميّات تعلُّم الآلة (Machine Learning Algorithms) بطريقة يصعب تمييزها. لذا, فإنها تُشكل خطرًا حقيقيًا علينا وعلى فهمنا وحكمنا على ما حولنا. حيث يُمكن استخدامها اسخدامات غير أخلاقية مثل الابتزاز /صُنع محتوى إباحي أو تزوير خطابات لسياسيين للتلاعب بشعبيتهم. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو فيدو مزيف للرئيس الأمريكي السابق أوباما وهو يلقي خطابًا ألقاه الممثل Jordan Pelee.

  • ما وراء تقنية الDeepFake:

    هذه النتائج التي رأيناها ليست سحرًا, إنها نِتاج سنوات من البحث و التجريب ولها أساس علمي ورياضي دقيق. دعونا نأخذ لمحة عامة عن هذه الأُسس وكيفية عملها.

الشبكة العصبية (Neural Network)

تُعتبر الNeural Network من أهم خوارزميّات تعلم الآلة (Machine Learning Algorithms) وأكثرهم فعالية. وهي بالأساس محاكاة للطريقة التي يؤدي بها الدماغ البشري مهمة معينة, ولنأخذ على سبيل المثال مهمة “التمييز بين الكلاب والقطط”.

لا يستطيع الطفل في أول أيامه التفرقة بينهما, ولكنه مع الوقت يستطيع إيجاد نمط لكُل منهما فيبدأ بتمييزهما. هذا التمييز يكون نتيجة رؤية الكثير من الكلاب والقطط بأشكال وألوان وأحجام مختلفة مما يمكنه فيما بعد من تصنيف كُل منهما بناءًا على الخصائص التي استنتجها من الأمثلة السابقة. هذا تمامًا ما تفعله ال Neural Network.


الشبكة التنافسية: Generative Adversarial Networks (GANs)

بعد فهمنا للاستراتيجية الأساسية لعمل الNeural Network, يُمكننا بسهولة فهم الGANs.

تقوم الGANs على فكرة التنافس بين شبكتين عصبيتين: الأولى (Generator) المسؤولة عن نتاج صور/فيديوهات غير حقيقية, والثانية (Discriminator) المسؤولة عن التفرقة بين ماهو حقيقي وما هو مزيف.

يتعلم الGenerator تدريجيًا خصائص الصور المُعطاه (وجه الإنسان مثلًا) من صور حقيقية, ومن ثم يتدرّب على تقليدها, بينما يتعلم الDiscriminator إيجاد فوارق أكثر دقة بين الحقيقي و المزيف. كلما زادت قدرة الDiscriminator على التمييز, يجتهد الGenerator أكثر لتوليد صور يصعب تمييزها.


مع الوقت, يصبح الGenerator أكثر احترافية ويُصبح بإمكانه تكوين صور أقرب للواقع, بينما يصبح الDiscremenator أكثر قدرةً على تمييز الصور المزيفة.


الصور الناتجة في هذه الحالة هي صور أشخاص ليس لهم وجود ناتجة عن خصائص عشوائية.

كيف استطاعت الGANs رسم أوباما؟

لم تتوقف الأبحاث عند هذا الحد, فبعد الاهتمام بتحسين جودة الصور الناتجة, أصبح بالإمكان تحديد خصائص معينة لصور الGeneretor باستخدام A Style-Based Generator for GANs. فإذا كنا نوّد انتاج صور تحمل نفس خصائص أوباما, فعلينا أن نزوّد الGenerator بمجوعة من صوره ليتدرب على خصائصها ومن ثم يبدأ بانتاجها.


  • في الختام..

بعد أن وصلت هذه التقنية لذروتها, وصار من الصعب تمييز ما هو مزيف عما هو حقيقي, بدأ الباحثون بالتوجه للبحث عن طُرق لكشف الdeepfake. فعلى سبيل المثال, نشرت فيسبوك قاعدة بيانات ضخمة مكونة من فيديوهات تم إنتاجها باستخدام الDeepfake وأعلنت عن تحدي لكشف الفيديوهات المزيفة بجائزة مقدارها 10 مليون دولار.


فيا تُرى, هل يُمكن التصدي لصناعة الوهم ؟ أم أننا سنفقد السيطرة وسنعيش في عالم لا فرق فيه بين ما هو حقيقي وما هو مزيف.


Join