خطوات.. آن لها أن تصل
ذات يومٍ غابر وتحت ظلال أمسٍ يوشك الحاضر العجول أن ينقضّ عليه بفمٍ شرِه وأعينٍ شاخصة،
توسدت حجر جدتها مرهفة السمع لها وهي تردد: (ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء…
أدارت نحو جدها عينان متسائلتان: "يبه وش قصدها أمي؟"
أجاب الشيخ بصوت هازل: "تدعي لكم وناسيتنا من البر"
راحت العجوز تمسّد شعر الصغيرة معقبةً: "لو يعمر البيت بصلواتهم، صلحوا لنا بدون شك"
تتوالى السنوات تباعًا لتشبّ تلك الطفلة متشحةً بالسكون وسط فناء واسع لا يشابه القديم بشيء ولا مأنوسًا بوجود الشيخين فوق سطحه،
تنسلّ من تحت ضراوة عجلات الحياة بغية إيجاد فسحة لتستوعب لحاق جدتها بجدّها إلى عالم لا تدركه الأبصار
وها هي ذي اللحظة تأتي قسرًا حائلةً بينها وبين كل ما وراء الجدران الماثلة أمامها
تنفض جليدًا راكمته الأيام فوق مضغة قلبها محيلًا حُمرته النديّة لأطيافٍ رمادية، تتدافع أمام عينيها المغمضتين ملايين الصور الملتوي على أعناقها زحام الالتزامات وصدى ملايين الضحكات التي ما فتأت تتردد بأصالتها في أجزاء متوارية من الذاكرة
وهناك بين جنبات الصدر .. يلوح طودان منتصبان في وجه سطوة مئات الأصوات وسطوع شاشات ما سبق لها الخفوت قبل الآن
تتلمس أرجلها مسترجعةً خطواتها في منعطفات الدهر المنقضي!
شبكة واسعة من الخطوات
خطوات تسير بها هنا وهناك
تدور في كل الاتجاهات
خطوات متعثرة لمرتها الأولى ماشيةً نحو جدّيها بإقدام
ركضات عجلى لا يُعرقلها سوى حمل شهادتها باتجاههما
قفزات تباري ثقل ما يتكئون عليه من عصوات
تحثّ الخطى لهذا الطريق طواعية وآخر تسحب له قدميها كراهية
تتوه بها الخطى تارةً فترتدّ ثانية
خطوات لا تستكين ولا تهدأ
خطوات امتنعت عن الوقوف
خطوات واهنة لروحٍ أبت أن تركع
خطوات سائلة المولى لهذا الفؤاد ألّا يجزع
خطوات مترددة تُفضي لنعش جدتها، تودّ لو أنها تتراجع بإحجام
يقاطع ظاهر هدوئها ركض ابن خالها الصغير مناديًا: "يلا بنصلي جماعة مع أبوي"
تتهادى خطواتهم لاحقين الركب في صفٍ قصير مكملين بدورهم ذاك السطر أخيرًا: …ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب).
– شعبان ١٤٤١