سلمان وآيسا وتجارة الأراضي

يعاني الآلاف من السكان عبر أكثر من خمسة آلاف جزيرة في الفلبين من عدم توفر الطاقة الكهربائية، إذ يعتمدون على مصدرين اثنين غير ثابتين للإنارة وهما البطاريات المؤقتة و مادة الكيروسين التي تعتبر صعبة المنال ومن المواد الخطرة على الصحة، كما يحتاج الكثير منهم إلى مسيرة ساعات من أجل التزود بهما.
فبادرت شابة فلبينية تدعى آيسا مع شريكها رافاييل بصناعة منتج وبديل بيئي يساعد في إنهاء هذه المعاناة، ويتمثل في مصابيح إضاءة تعمل جراء تفاعل ماء الصنبور مع الملح، منتج بسيط بحجمه، لكنه كبير بقيمته الإيجابية والصحية وأثره على الناس.

ومن الرياض، انطلقت أحد مشاريع ريادة الأعمال، بأيادي شباب البلد يتقدمهم الشاب سلمان السحيباني عبر تطبيق "مرني" المشابه بفكرته لتطبيق "أوبر" و "كريم" المختص بأعطال السيارات حسب نوع العطل (بطارية، كفر، بنزين أو تعطل كامل) في أي مكان عبر المملكة من خلال استدعاء الخدمة عن طريق التطبيق فيتم تلبية طلبك من أقرب مزود لهذه الخدمة يتخذ من هذا النشاط عمل إضافي يزيد من دخله أو ربما يكون هو عمله الوحيد، في النهاية يحضر مزود الخدمة لمكانك بالتحديد ويقوم بحل المشكلة ويستلم المقابل له بالكامل، فاستفاد الطرفان وحصل التكامل الرائع من ربط مزود الخدمة بطالبها وأيضا ازدياد القيمة السوقية لشركة "مرني" نفسها أسأل الله لهم التوفيق، والآن أصبح المسجلون في التطبيق من مزودي الخدمة بالآلاف، فكم منهم من قضى دينا له منها وكم منهم من أصبح يعيل أسرته بشكل أفضل عبر هكذا تطبيق وريادة، إنه خلاصة للنظام التكاملي الذي يستفيد منه الجميع.

وفي أمريكا، قام أحد المطورين بتطوير تطبيق إسعافي فكرته تقوم على ربط مسعفي الإنعاش القلبي المتطوعين المسجلين بالتطبيق بمصابي السكتة القلبية، حيث يقوم الإسعاف المحلي حال ورود البلاغ بتنبيه أقرب مسعف متطوع قريب من المصاب بوجود حالة تحتاج لإنعاش قلبي مستعجلة، فيقوم المسعف المتطوع بقبولها ومباشرتها وهي ما قد تمكنه من إنقاذ المصاب قبل وصول الإسعاف الرسمي، وقد سجل في هذه الخدمة قرابة 12 ألف مسعف معتمد متطوع. بهكذا عمل ترتقي الأمم وتدفع عجلة التنمية للأمام.

مشاريع ريادية كهذه رغم قلة تكلفة البعض منها نسبيا إلا أن أثرها على الفرد والمجتمع كبير، فهي ليست بمصانع ولا معامل كيميائية معقدة، إنما أحلام وحلول لمشاكل أراد أصحابها تنفيذها على أرض الواقع، فكان لها الأثر الإيجابي على أطراف عديدة، من مالك وشريك ومستخدم، وهو بالتالي ما يعود بالنفع على اقتصاد الأفراد والمجتمع و الأمة، وهو على النقيض تماما من تجارة الأراضي التي تتكون من بائع محتكر عادةً ومشترٍ محتاج أو محتكرٍ آخر.

فما يثير القلق هنا هو حالة مزاولي تجارة الأراضي وليس المطورين أو من شابههم حيث لا فائدة تذكر من هكذا تجارة، فلا هي ساهمت في خلق وظائف او هي ساهمت في حل أي نوع من المشاكل الاجتماعية إن لم نقل انها فاقمت من تعقد الوضع حيث أدت في كثير من الأحايين الى المتاجرة بأزمة مسلمين وهم يعلمون علم اليقين حاجتهم لمسكن ومأوى لهم ولعائلاتهم كي يسلموا من الإيجارات قاصمة الظهر خصوصا تحت الظروف الراهنة التي تمر بها المملكة.

والعجيب أن مزاولي هذه التجارة نجدهم يتقلبون في خدمات ومنتجات من رياديي أعمال أحبوا أن يشقوا طريق الإبداع وحل مشاكل المجتمع وتحقيق الأحلام، فمن السيارات وحتى أجهزة الهاتف الذكية هي منتجات لرياديين دفعوا بالتنافس البشري للأمام. بل حتى خرائط قوقل التي يستخدمها بعض مزاولي تجارة الأراضي هي نتاج ريادة.

لا نطالب بالكمال، ولا نقدس الرياديين أو ننتقص من مزاولي تجارة الأراضي، ولكن نريد توضيح السلبية الخطيرة من هكذا تجارة باحتياجات و مصالح و ظروف المسلمين، ونقطة مهمة أخرى وهي أن الأجيال القادمة لا تستطيع التكامل وإكمال مسيرة التطور وخلق فرص جديدة وتقنيات حديثة وإرث أسلافهم اعتمادا على تجارة في الأراضي فقط.

الحياة الكريمة والحضارة وجهان لعملة واحدة، فخلف كل حياة كريمة حضارة ولنا في حضارة الإسلام خير مثال. والحضارات لا تبنى بال "أنا" والـ "احتكار" وحب التملك والتسلط والانتصار الذاتي، إنما تبنى بالأخذ والعطاء، بالولاء والانتماء، بالبذل والإخاء، بالحب والمودة، بالرحمة والشفقة، بالقيادة والريادة، بالصناعة والتجارة، وبإتمام مكارم الأخلاق والبعد عن الاطماع الشخصية والأهواء. بهكذا مبادئ وقيم، تستمر الحضارة وتندفع عجلة التنمية والتنافس البشري الشريف للأمام، ولنا في سيد الأخلاق والقيم رسول الله صلى عليه وسلم خير مثال، فلم يعش لنفسه، بل عاش ليخلق أمة تعبد الله وتعمر الأرض وتنشر حضارة الإسلام وتعضد بعضها البعض، قال تعالى (فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض) سورة الرعد 17.


Join