ملحمة كورونا 

معركة شخصية

للانسان مخاوف عديدة تختلف من شخصٍ لآخر، وبالنسبة لي فأكبر مخاوفي هي فقد حبيب لا أراكم الله مكروهاً. كما تعلمون مع بدايات هذا العام 2020 اجتاح العالم وباء كورونا الذي دب كإنتشار النار في الهشيم، ليتسبب بالكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية. وكسائر البشر مع هذه الأزمة توقفت الكثير من مصالحي لأعود إلى ملجئي الأغلى أهلي وبيتي في جنوب المملكة التي سعدت بأن كورونا لم يبدأ بالانتشار فيها، معها قضيت قرابة 6 أشهر شغلت نفسي ما بين القراءة والترفيه ومن ثم ترتيب أوراقي ومراجعة نفسي وتحديد أولوياتي، حتى أقبل موسم الأعياد والإجازات التي أقبل معها العديد ممن يسكنون خارج المنطقة ناقلين معهم ضيفنا الغير مرغوبٍ به (كورونا).

مع ذلك لم أتهاون أبداً في تجنب كل ما ينشر هذا الوباء، إلا أني لا أخفيكم أنهُ مع فترة الفراغ الكبيرة، كانت تعتريني فكرة ”ماذا لو أصبت بكورونا؟ سأمرض لفترة وتأتني مناعة منه وأرتاح“، ولكن خوفي وقلقي الأكبر على أهلي وبالأخص أبي المريض بالقلب والضغط والسكر كان رادعاً قوياً يحرق هذه الفكرة، ويزيدني حرصاً لأستمر في منع أخوتي من الخروج بكثرة إلى درجة أني اصبحت احذر أبي في كل يوم يذهب فيه إلى مزرعته.


لكنه كورونا وما أدراك ما كورونا؟ يتأتي من حيث لا تتوقع! قبل شهر من الآن أصبت بهذا الفيروس اللعين عن طريق والدتي التي أصيبت من أحد زميلاتها في العمل؛ والدتي التي لم أظن يوماً أن يأتينا كورونا من جهتها! معها تحقق أكبر مخاوفي وأصيب والدنا الذي سرعان ما أخذه الأسعاف بعيداً منا.


لقد عزلت أمي نفسها وعزلت نفسي كذلك، لأعتكف دعياً الله وأرتجيه أن يكتب لنا الشفاء وأنهُ إذا اختار أخّذَ أحدٍ منا فيلكن أنا. هنا أصل معكم لمربط الفرس ألا وهو حالي مع كورونا:

قصتي مع كورونا كانت بعد تأكيد إصابة أمي به، حيث أن تعبها معه وصل إلى حده، ففي آخر منتصف الليل اتصلت بي تستنجد أن أسعفها للمستشفى، فما كان مني إلا ذلك، وبعدما استقر حالها في المستشفى عدنا للمنزل في قرابة 2 فجراً، وعندما وضعت رأسي لأنام عجزت! لقد زادت حرارتي وبدأت الآلام تنخر مفاصلي، وكل ذلك كان هيّناً مقارنةً بألم ظهري الذي برّكني في الأرض جاعلاً إياي اكتبُ وصيتي، بعدها أصبحت كمثل رجلٍ سقط من على سفينة في أقصى الشمال القطبي، رجل أصبح متعلقاً على خشبة واخزاً الألم كل جسده، راغباً في النوم، خائفاً من الغرق.


لقد كانت الأيام الخمس الأولى شديدةً علي، ومع ذلك استمريت في الصمود، جاعلاً همي الأول التأكد من صحة والديّ وبالخصوص أبي، لأتصل به عدة مرات وأتأكد من حاله قائلاً له أن يشُدَ همته، حتى يرى ”علي“ فليرد ويقول لي من علي؟ قلت حفيدك المستقبلي. لقد ضحك واطمئن على حالي وأطمئنيتُ كذلك على حاله.

لم يصادفني مرض أعجب من كورونا؟! حيث أن لدي بعض الأصدقاء الذين أتاهم وذهب وهم لم يشعروا منه بشيء! وآخرين مرت عليهم جميع أعراضه ولكن كمثل زكام بسيط يمر لأيامٍ ومن ثم ينجلي. أما أنا فلم يصبني منه إلا ألآم الظهر والمفاصل وبعضاً من الحمى، فمازلت حينها مدركاً للشم والذوق وبعيداً كل البعد من أي صداعٍ ووجعٍ بالرأس.


مع ذلك أهلكني، فغضبت لدرجة أن أعلنت عليه الحرب! فصرت تارةً أجد نفسي وقفاً رافعاً يدي كقائد جيشٍ جبارٍ يأمر بالهجوم الشامل عليه، وتارةً أخرى يطرحني على الفراش، معها عادت إلي جنية حب الشعر والتراث، فأصبحت أردد عدة بيوت، منها:

اكحل عدوِّك لين تعمى عيونه

البس له أغلى اللبس لو كنت جايع
                                               
- خلف بن هذال


يالله عفوك يوم تصفية الحساب

يومٍ حصاد لما زرعنا في السنين

                                               - محمد بن فطيس


وأخرى من فن الطرّاق وأخرى من فن المجرور، إلى أن وقعت على مقطوعة موسيقية للملحن والممثل علي الشريف، فيها جمع بين ألحانه وفن الطراق، حينها شعرت كأني أنادي أجدادي أو أنهم ينادوني وأبتغي الذهاب لهم؛ وعلى هذا الموال والمنوال إلا أن طاب بنا الحال.


لقد شفيَّ كلٌ من أبي وأمي، لأستمد القوة وأنهي معركتي بعدهما بأسبوع، ليصبح هذا الفيروس في طي الذكريات، آملاً بعدم عودته مجدداً لنا. أنني ممنونٌ لنعم الله علينا، ومع ملحمة كورونا زاد أدراكي بنعمة العافية وزاد تقديري لنعمة وجود من نحب.

صورة من مزرعة أبي
Join