غرنيكا

في يناير سنة 1937 كلفت حكومة اسبانيا الفنان بيكاسو برسم لوحة جدارية تشارك بها اسبانيا في معرض باريس ..

احتار بيكاسو في فكرة اللوحة  ..

ولكن في ابريل من نفس العام 1937  قصفت قوات هتلر وحلفاءها قرية غرنيكا في اقليم الباسك في اسبانيا ..

هذه القرية الوديعة والتي ذهب أغلب رجالها للحرب ولم يتبق إلا الأطفال والنساء قُصفت في ساعات معدودة حتى لم يبق منها شيء .. قصفوها فقط لتجربة نوع ذخيرة .. وهنا تتفكر كيف أن الإنسان أصبح حقل تجارب بلا أدنى اعتبار لوجوده في هذا الكوكب ككائن حي يتساوى مع القاصف في إنسانيته و أحقيته في البقاء ..

هذا الفعل أثر في بيكاسو جداً وتخلى عن كل الأفكار للوحات التي كان مقرر له رسمها  وقرر وفي 35 يوماً أن يجسد هذه المأساة في لوحة جدارية ضخمة جسد فيها مشاعره وما آلت له غرنيكا  من جراء القصف لتصبح هذه اللوحة حديث العالم في حينها وحتى يومنا هذا تظل غرنيكا  أيقونة للسلام وتذكيراً بمجازر الإنسان ووحشيته .. وتذكر الناس أن الفن قد يجسد لحظة تبقى أبد الدهر ..

في اللوحة  التي رسمها بيكاسو بطريقة سريالية وهي من نوادر بيكاسو السريالية عدة عناصر عند تحليل المشهد فيها :

اللونين الأسود والأبيض وتمثل الحزن

حصان متألم يرمز للشعب الإسباني

الثور يرمز للوحشية..

أجساد مقطعة لنساء وتمثل الضحايا في هذا القصف وامرأة تحمل طفلاً

جندي ملقى على الأرض وتمثل الهزيمة ..

في الأعلى ضوء يمثل بصيص أمل

ويوجد مصباح يعكس ضوءه على حمامة مرعوبة مما حدث ..

.

.

 

بعد انتهاءه من هذه اللوحة الجدارية الضخمة ..

علقت في المتحف وجابت العالم لتمثل أيقونة للسلام وتبقى خالدة ما بقي البشر ..

وهناك صورة من هذه اللوحة تم تعليقها في مبنى الأمم المتحدة ويمر بها الرؤساء ولكن تمت إزالة اللوحة التي ترمز للسلام بعد إقرار قصف العراق .. ذهبت صورة غرنيكا من هذا المبنى .

والآن لوحة غرنيكا  الأصل والتي تقدر قيمتها بـ موجودة في متحف

.

.

 

من رحم المعاناة تأتي الأعمال الخالدة ..

ونحن في زمن كورونا وكثير من الأحداث والمآسي ..

أحداث تضحيات وأحداث موت وحزن .

مدن غطاها الظلام والموت ..

مدن كانت لا تنام فنامت نومة أبدية ..

لومباردي المقاطعة الإيطالية والتي أنهكها الموت بسبب كورونا قد تصبح يوماً لوحة فنان تمثل مأساة كورونا فيها ..

قد تكون نيويورك أيضاً لوحة  يتم تجسيد دراماتيكية الأحداث فيها هذه الأيام ..

هل سنجد بيكاسو قادم في هذا العالم يجسد لنا الذي حدث ويصبح حديث الدنيا ؟

والعالم الآن أيضاً يعيش حالة الهلع .. والتي قد يجسدها فنان قد تمكن منه المشهد ..

أتمنى أن يبادر الفنانين في العالم لتوثيق ما حدث على طريقتهم .. سيكون هناك أعمال خالدة وربما نجد بيكاسو آخر تتكلم عنه الأجيال اللاحقة وشهدنا عصره يجسد هذ الحدث الذي اتحد فيه كل البشر ضد عدو واحد ..

شكراً لكم - عمر العريفي


Join