مراجعة كتاب ( على النقيض من الدلال) The opposite of Spoiled
إذا كانت أسئلة مثل " بابا هل نحن أغنياء ؟"و أو " لماذا فلان فقير" أو "لِمَ لا أشتري حذاء رياضياً جديدا كباقي أصدقائي؟ " تربكك ، فلا تقلق لست وحدك .
يقول الكاتب رون ليبر أن هذا الشعور شائع . فالعديد من الآباء و الامهات يشعرون بالحرج وعدم الارتياح عند الحديث عن المال مع أبنائهم .
لا شك أن المال موضوعٌ حساس ، و تعتريه الكثير من الخصوصية ، لذا قد يشعر الكثير من المربين بالارتباك و الحرج من مناقشة موضوع المال مع الأطفال لعدة أسباب ؛ ربما خشية أن يساهم الحديث عنه في تعزيز النزعة المادية أو ربما لاعتقادهم أنه غير مناسب لعمرهم ، أو ربما لشعورنا الداخلي بأن "الفلوس وسخ دنيا" تجلب المشاكل و البؤس لذا لا نريد ان نلوث عقولهم البريئة. و في المقابل قد يشعرالبعض بالخجل من الاعتراف بتواضع ممتلكاتهم مقارنة بعائلات أصدقاء أبنائهم.
لكن يرى المؤلف أن التحدث بصراحة و انفتاح مع الأطفال يساعد الوالدين في تربية أطفال مسؤولين مالياَ كما أن للمال دور محوري في حياتنا يمكن تفعيله كأداة تربوية و تعليمية بإمكانها غرس القيم الإنسانية و الأخلاقية.
رون ليبر ، الذي أمضى عقدًا في الكتابة عن المال لصحيفة وول ستريت جورنال ، يتحدث عن تربية الأطفال على التعامل مع المال بحكمة و ذكاء و سخاء في كتابه " على النقيض من الدلال".
لا يقدم الكتاب فلسفة عظيمة و لا حلولاً سحرية . فهو عملي و تطبيقي . الكتاب مليء بالقصص الواقعية من التجارب الحياتية الناجحة و الفاشلة يرويها آباء وأمهات عن كيفية تعاطي الآباء و الأمهات مع موضوع المال في ظل عالم مهووس بالاستهلاك .
من هو الطفل المدلل؟
يقول الكاتب عندما سألنا العديد من المربين عن "ما أسوأ كلمة يصف فيها الشخص طفله" أجاب العديد منهم بدون تردد "مُدلل" . لا يولد الطفل مدللاً بالفطرة بل هو صنيعة الأهالي حدثت بسبب جهل أو تساهل ، ثم تخرج عن السيطرة. في الحقيقة هناك علاقة وثيقة بين إغداق المال على الأطفال بعشوائية و تدليلهم. فإن قام المربي بالصرف على الأبناء دون تخطيط و توجيه و بدون فتح باب لحوار جاد بشأن المال فغالباً سينتج عن ذلك أطفال مدللون ، ممتلكاتهم المادية تزيد عن خبراتهم الحياتية .
قام رون ليبر بعمل العديد من المقابلات مع مختلف الأهالي ، و قد توصل إلى التالي
لدى الأطفال المدللون أربعة عوامل مشتركة ربما لا تظهر جميعها في آن معا:
القليل من المهام و المسؤوليات
لا توجد قوانين تحكم سلوكهم ولا روتينهم اليومي
يغدق عليهم آبائهم وغيرهم بالوقت والمساعدة
لديهم الكثير من الممتلكات المادية
يمكن استخدام المال كأداة تربوية و تعليمية يتعلم منها الطفل كيفية إدارة المال ،و يهيئه للتعامل مع النقود بطريقة متوازنة و ينمي الاحساس بالمسؤولية .
يدعو الكاتب إلى تعليم أصول الإنفاق من خلال المصروف.
فلسفة المصروف
ما الفائدة من المصروف ؟ هل سبقَ و سألت نفسك هذا السؤال؟
يربط الكثير من الآباء و الأمهات إعطاء المصروف بإنجاز المهام المنزلية (مثل الترتيب و التنظيف، وغسيل الصحون ، و المساعدة في تحضير الوجبات) و كأنهم يقرنون الأعمال اليومية برغبات الأطفال المادية. كما يلجأ المربون أحيانا إلى زيادة المصروف تشجيعا و تحفيزا و الخصم من المصروف إن لم تُنجز أعمالٌ بعينها.
طيب لو نتساءل هنا : ما هي الرسالة التي نحاول توصيلها هنا ؟
عندما تَربِط إنجاز المهمات بالمال فتركيزك سينصب على أداء المهمات لا المال، نعم من المهم أن نعلَم الأطفال أداء المهام المزلية لكن عليهم أن يقوموا بها لنفس السبب الذي يقودنا لعملها، لأن هذه المهام يجب أن تُنجز.
المصروف ليس راتباً ، بل يجب أن يكون أكثر من ذلك.
من الأفضل اعتبار المصروف وسيلة تعليمية ، و بذلك فإنه سيتعلم الأطفال كيفية الادخار و الإنفاق و هي مهارات مهمة قد لا تُسنح لهم الفرصة لممارستها .كما أنها فرصة لارتكاب الأخطاء و التعلم منها.
قيمة الصبر .. تلك الفضيلة المنسية.
يضيف الكاتب أن القيمة الأهم التي سيتعلمها الأطفال هي قيمة الصبر.
إذا تأمَلنا في حالنا اليوم، سيبدو كما لو أنّ العالم بأسره متواطئ ضد فضيلة الصبر. جيل اليوم، لم يجرب الغوص في صفحات الدليل الصفراء، أو مراقبة الوقت بحَذَر حتى لا يفوَت وقت عرض البرنامج المفضل ، أو الاضطرار لتأمل الإعلانات التجارية أو شارات مقدمة مسلسلاتهم المفضلة دون تخطي ، أو ترقّب الأغنية المفضلة في الراديو أو الكاسيت، أو حتى انتظار الصور الفوتوغرافية حتى يتم تحميضها.
أصبح كل شيء متاحاً بلمسة زر. شكراً لقوقل- و نتفلكس .
الانتظار ، التحلي بالصبر قيمٌ لم تعد كما كانت في السابق. لذا ربما يكون التعامل الصحيح مع المال فرصة تمارس هذه الفضيلة المهجورة.
يقترح الكاتب تعويد الطفل أن يقسم المصروف إلى ثلاثة اقسام ثلاث في 3 برطمانات زجاجية ( ادخار - إنفاق- تبرع ) و يتحدث عنها الكاتب عنها بالتفصيل.
الإنفاق
للمربي في البداية توضيح قائمة واضحة بالمسموحات و الممنوعات.كما عليه توضيح الفرق بين ثمن الشيء و قيمته ، و أن ارتفاع الثمن لا يعادل بالضرورة ارتفاع قيمته.
الادخار
نعم قد يكون من الصعب ان يستوعب الاطفال مفهوم الادخار لأنهم عجولين بطبعهم و لا يمكنهم تقدير الوقت بسهولة . لنحزم حقائبنا و نأخذ أطفالنا في رحلة طويلة إلى وجهة ممتعة، ماذا لو ألصقنا صورة اللعبة التي يريد الطفل شراءها ( لنقل جهاز النتندو الجديد مثلا) على برطمان الادخار. عندها سيتحمس الطفل في جمع النقود و القيم بعملية الحساب.
التبرع (العطاء)
يفصَل فيها و الكاتب و قد أفرد لها فصلا كاملاً.
أولاَ علينا تذكر أن القدوة هي أعظم وسيلة تربوية. عندما تتصدق على محتاج في الطريق أو أنت تتبرع لصالح جمعية خيرية اشرح لأطفالك مالذي تفعله و لِمَ تقوم به، فهذه تجارب حياتية هامة للغاية . أنت لا تتخيل قيمة و عِظم أثر هذا المعلومات على الأبناء.يمكنك أيضاً فتح باب حوار مثل ( لماذا نتبرع ؟ و ما المؤسسة أو الجهة التي تفضّل أن أتبرع لها؟ و ما سبب اختيارك لها؟) هذا سيعطيهم فرصة للتفكير قبل اختيار جهة التبرع و فهم أنفسهم بشكل أفضل إذا أدركوا الدافع الذي يحمّسهم على العطاء.
كما يوضح الكاتب أن التبرع و ممارسة العطاء فرصة لتعليم الأطفال مهارة التعاطف بدون إطلاق أحكام أو انتقاد للآخرين.
تعليم الامتنان
الأطفال المدللون دائمو السخط و التذمر، ولا يجيدون ممارسة الامتنان .
يساعد غرس معنى الامتنان في نفوس الأبناء منذ صغرهم على تقدير النعم و إدراك قيمتها.
يوجه الكاتب الحديث للعائلات المقتدرة مادياً على وجه الخصوص ، و يقترح عليهم أن يتعرف الأطفال على مختلف طبقات المجتمع ، كما يحث على تجنب الانغلاق من أجل تبني منظور تعددي لفهم العالم.
مثال واقعي ذُكر في الكتاب و هو قيام بعض مدارس رياض الأطفال بتنظيم رحلات ميدانية لزيارة منازل زملائهم حتى يتكون لديهم فكرة عن طريقة حياة الآخرين الذين ينتمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة.
أمر آخر يساعد في يذكر الكاتب أيضاً كيف أن المشاركة في الأعمال التطوعية تساهم في توسيع المنظور و فهمٍ افضل للعالم و قدرة أعلى من التعاطف. الهدف أن تُزال الافتراضات المسبقة بأن الناس لديهم فرص متكافئة في الحياة من مصادر دخل و الفرص المتاحة.
ترجمة و تلخيص : أفنان المبارك