الفقد
- Does it ever go away?
-No, I don't think it does. Not for me, it hasn't has gone on for eleven years…But it changes though.
- How?
- I don't know... the weight of it, I guess. at some point, it becomes bearable.
Rabbit Hole 2010
الكتابة عن الفقد مخاض متعسر، نزيف و استنزاف ، أنتَ تحوّل نزيفك الداخلي و الألم الذي يعتصرك الى كلمات جامدة، و أحرف صماء، لا روح فيها ، تجارب الفقد ، تحيطها هالات من القداسة ، بتفاصيلها و ذكرياتها الموشومة في قلوبنا. حين نبوح ، تتلاشى المهابة و تصبح حكايتنا فاترة، لذا نرنو إلى الصمت ، و التظاهر أننا بخير ، و أنّ كل شيء على ما يرام حتى لا تفقد قصتنا عظمتها و من ثَمّ تصبح مجرد حكايات تروى على على كل لسان.
الفقد يصعب على التصديق، و مهما تحدثنا أو كتبنا أو صرخنا، فإننا لن نستطيع ترجمة الاحاسيس المعصورة في دواخلنا، لأن المشاعر عصية على الترجمة ، لكنني مع ذلك سأحاول أن أكتب لأن قراءة تجارب الآخرين جعلتني أشعر بالتحسن يوماً.
قد يكون في تجارب الاخرين سلوى لك ، إننا غالباٍ ما نشعر بتحسن اذا أدركنا أننا لسنا الوحيدين، و أن الكثير من الأشخاص خاضواتجارب مماثلة ، و يشاركوننا الشعور.
.أن تفقد شخصاً عزيزا يعني أن يتلاشى جزء من روحك ، أن يتزلزل كيانك و وجودك ، و يجعل بقاءك من بعده بلا معنى.
أن تفقد محبوباً يعني أن تستيقظَ في الصباح، و أنت لا تتوق لشيء و لا ترغب بأي شيء. أن يكون روتينك من الأعمال اليومية و الأحاديث العابرة و المجاملات الاعتيادية ،و الإصغاء إلى تفاصيل حياة الآخرين شاقّة و مُضنية. أنتَ فقط تريد لهذا اليوم أن ينتهي حتى يحين وقت النوم لتفقد إحساسك بكل شيء ، هذا الشعور المرهقٌ و الثقيل يُعرف بـالاكتئاب.
إن ما ستمر به من المشاعر من حزن و أسى و كآبة، قد تتكثّف أحيانا و تصبح خانقة ، و قد تشعر أنها تفوق قدرتك على الاحتمال. لكن ما أودّ قوله أن جميع هذه الأحاسيس طبيعية و سوية تماماً، إنها مسألة وقت لا أكثر، فقط تذكر، هذا الوقت سوف يمضي .
This too shall pass. It might pass like a kidney stone, but it will pass.
تختلف ردات فعل الأشخاص تجاه المصائب، و لا توجد أسباب علمية ثابتة توضح لماذا تختلف ردات فعلنا "ليس واضحاً السبب الذي يقف وراء اختلاف ردات فعلنا تجاه المصائب، كل شخص يتكيف بطريقة تختلف عن الآخر و يلجأ إلى استراتيجيات مختلفة و من الصعب تحديد سبب اختلاف البشر قد يكون اختلاف الأمزجة أو سيطرة اللاوعي." الكيمياء العاطفية"
حاول أن لا تقارن نفسك بالاخرين ، لا تلم نفسك اذا شعرت أنك بخير أكثر من اللازم، و لا تبتئس كثيراً إذا لم تشعر بتحسن ، كل شخص يختلف عن الاخر ، لكن اطمئن ، ستكون بخير في آخر المطاف ، اعطف على نفسك، كما تعطف على اصدقائك ، كن لطيفاً مع ذاتك.
تقبل مشاعرك : و هذا أهم جزء في هذه المرحلة ،أياً كانت نوعية المشاعر التي تشعر بها، تقبلها كما هي سواء كانت حزن ، أم غضب ، إنكار أو تبلد كلها جميعاً جزء من انسانيتك و لا تحاول الهروب منها أو تجاهلها "تقبلها كما هي من دون مقاومة أو تحيز أو تفضيل "الكيمياء العاطفية.
الإنسان كائنٌ معقد، و كما أن تركيبتنا النفسية تختلف فإن لكل منّا استراتيجية خاصة في التكيف "أو التصدي" للحزن أو الألم، فالذي يجدي معك قد لا يجدي مع آخر .
عن تجارب الآخرين حول التعامل مع الفقد
تجربة كارين وايت Karen Wyatt : المصدر The Creative Penn Podcast
بعد رحيل والدها، تركت كارين عملها كطبيبة و قررت الانضمام إلى مأوى لرعاية المحتضرين ، و قد ساعدها هذا كثيراً في تخطي هذه المرحلة العسيرة . أصبح المأوى ملجأً لها بعد انتحار والدها المفاجئ، حيث ساهمت هذه التجربة في إنقاص حجم الألم ، ففي ذلك المأوى تعلمت أن تقدّر الحياة بشكل أكبر.
الموت ..ذلك التابو ..
تقول كارين أن العديد من الاشخاص يجدون الحديث عن الموت مربكاً، كما يشعرون أن الحديث عن الموت أمرٌ مخيف و غير محبب، كما ترى كارين أن علينا أن نجابه مخاوفنا و أن ننفتح بشكل أكبر على موضوع الموت و نتحدث عنه بدون تحرز ; بل نتعامل معه على أنه أمر طبيعي.
فبعد أن أمضت الكثير من الوقت في مأوى رعاية المحتضرين استوعبت تماماً كيف أن الموت جزء من الحياة ، لقد تجاهلت هذه الحقيقة لسنوات عدة، و كم شعرت براحة كبيرة ، عندما تمكنت من التصالح مع حقيقة أننا جميعاً سنرحل يوماً ما، فالتكيف مع فكرة الموت يجعلكَ تتكيف مع كل ما في الحياة و تحافظ َ على اتزانك و رباطة جأشك.
و لأنها مهتمة في مجال الكتابة، فقدت دعت كارين الكُتّاب إلى أن يتناولوا موضوع الموت بطريقة أقل موضوعية ، كما سيكون من الأفضل لو تمكنوا من مشاركة مشاعرهم الخاصة و تجاربهم الشخصية حيال هذا الموضوع ، فالموت تجربة كونية تمسُّ جميع البشر.
الإحساس بالذنب و الغضب:
"أصعب أنواع المسامحة ، مسامحة النفس"
تقول كارين " تأنيب الضمير و لوم النفس من أكثر المشاعر صعوبة في التعامل ،لأننا نقسو كثيرا على أنفسنا، نشعر بتأنيب الضمير عادة بعد فقدان من نحب لأننا لم نقل كل ما كان يجب قوله، و لم نفعل ما كان يجب فعله، و قد اعتراني هذا بقسوة بعد انتحار والدي ، و قد زاد إحساسي بالذنب و الألم كوني طبيبة تعالج مرضى الاكتئاب ! كيف كان يمكن لهذا أن يحدث؟ كيف لم ألحظ هنا؟ "
" أدركت فيما بعد أن شعورنا بالغضب و الحنق يعزى إلى قلة وعينا بأن الموت أمر طبيعي و جزء من دورة الحياة ، فهو سيحدث لأي أحد في أي وقت ، فعندما نشعر بالظلم و السخط حينما نفقد أحداً هو إنكار لحقيقة ماهيته ، لذا أعتقد أنه من المهم تقبل حقيقة أن والدِينا سيرحلون يوما ، و أن علينا التهيؤ لذلك. كان علي أن أدرك تماماً أن كل شخص أعرفه سيرحل ".
الاستشفاء بالكتابة:
تقول كارين "لقد كان من الصعب إيجاد شخص أعبّر له عن طبيعة ما أشعر به، فكانت الكتابة بديلا مناسباً، و اخترتُ أن أفضفض للورق.لقد كانت الكتابة عزائي و مُنقذي بعد رحيل والدي، كنت أدون يومياتي و في بعض الأحيان أكتب له الرسائل و القصائد و أسرد حكاياتنا القديمة . لقد كانت وسيلة ألقي فيها كل الأسى على الورقة البيضاء ، أحياناً كنت أعيد قراءة ما كتبته و كان هذا يساعدني على المضي قدماً.
الأدب كالفنّ، يعرّي الإنسان، و يفضح هشاشته، فهو ينقل لنا التجربة الخالصة بدون غربلة. تم تناول موضوع الفقد في كثير من الروايات والقصص و القصائد حيث جسّدت معنى الشعور بالأسى و الحزن و الانكسار. إنها تعبّر عن إنسانية البشر بصدق و شفافية فتلامس القلوب المنكسرة ، و تفضح هشاشة و ضعف البشر. هي في الحقيقة قد لا تقدم حلولاً عملية و لن تشفي جراحنا: لكنها تلامس شغاف قلوبنا، و تساعدنا على فهم مشاعرنا بشكل أفضل ، كما تُشعرنا بنوع من الراحة و الأمان.
في روايتها "وهذا أيضاً سوف يمضي" تعرض ميلينا بوسكيتس بشكل
مباشر و صريح حجم البؤس و التوهان الذي أحلّ بالبطلة حين رحلت والدتها، و كيف تحاول التكيف مع الوضع الجديد، و الهوية المنشرخة ، و الذات المفقودة :"منذ موتكِ، و قبله بقليل أيضاً، و أنا أشعر بأن الشيء الوحيد الذي بت أفعله هو الذهاب لتلقف الحب، و أنّني أتدبر أمري حتى بأصغر كسرة منه أجدها في الطريق، و أتلقاها كما لو كانت قطعة ذهبية. أنا مدمرة تماماً و أحتاج إلى من يسلبني حطامي. كل شيء ينفعني، حتى ابتسامة المحاسبة في المتجر، و غمزة عين من مجهول في الشارع، و محادثة عابرة مع الشاب صاحب الكشك، كل هذا أتشربه عن آخره، و لا شيء يكفيني، و لا شيء يصلح لشيء".
"صارت كل امرأة عجوز تبدو لي ، مؤخراً، مثل أم أرغب في الارتماء بين ذراعيها".
"توفيت ابنتي في السادس من ديسمبر ١٩٩٢ ، في السابع من يناير ١٩٩٣، قالت أمي : غداً هو الثامن من يناير ، إذا لم تكتبي ، سوف تموتين" . - من المعروف عن ايزابيل اللندي أنها تكتب جميع كتبها في تاريخ الثامن من يناير- .
و تكمل "أعطتني الثمانين و المائة رسالة التي كتبتُها لها عنذما كانت باولا في غيبوبة ثم ذَهَبت الى ماسي. عندما عادت بعد ست ساعات كنت في بركة من الدموع، و لكنني كنت كتبت الصفحات الأولى من باولا. الكتابة دائما ما تعطي شكلا من النظام لفوضى الحياة. إنها تنظم الحياة و الذاكرة. و حتى يومي هذا فإن ردود القراء تساعدني كي أحس بابنتي حية".
و أقتبس هنا من كتاب باولا " لقد أنقذ هذا الكتاب حياتي. فالكتابة هي تفحص طويل لأعماق النفس، رحلة إلى أشد الكهوف
عتمة، وتأمل بطيء. إنني أكتب متلمسة في الصمت ….. و أكتشف في أثناء الطريق أجزاء من الحقيقة، نتفاً صغيرة من الزجاج تتسع لها راحة اليد ، و تبرر مروري في هذه الدنيا".