هذه المدونة الثانية ضمن سلسلة بدأتها بهذه التدوينة. أنصح بقراءتها حتى تتمكن من متابعة الأحداث.
أهم درس تعلمته خلال هذه المرحلة هو عدم التوقف عن تقديم كل ما أملك لإنجاح المشروع. تتغير الأولويات في الحياة ويصبح اغلب اهتمامك منصب في العمل. ولكي تصل إلى أفضل أداء يجب أن تحافظ على التركيز والهدوء. كان لابد ان ابتعد عن بعض الملهيات واتفرّغ لكتابة الكود بالتحديد في مرحلة تقديم المنتج للعميل. لا مجال لارتكاب الأخطاء ، هناك محاولة واحدة فقط لكسب اهتمام العميل أثناء مرحلة العرض. وليس لدينا الكثير من العملاء في السوق ، حيث أن المنتج كان موجه لشريحة صغيرة في السوق لكن حجمها المالي يتجاوز الـ ٨٠٠ مليون دولار.
في هذه المرحلة يكون المنتج تحت المجهر. كل منافس يبدأ في متابعة تحركاتك بدقة. كل عميل يطلب اختبارات معينة ليتأكد من جودة التطبيق. يصبح يومك مقلقًا كأنك تحاول اجتياز مجموعة من الاختبارات النهائية التي يندر إعادتها. في هذه المرحلة تبرز ثقتك في فريق عملك. كقائد تقني يجب أن تحافظ على أداء الفريق وتتابع جودة العمل بدون التفكير في ضغوطات العملاء وشكاوى فريق المبيعات التي لا تتوقف. من الأخطاء الشائعة التي قد يقع بها القائد التقني أن يتوقف عن تحسين جودة المنتج لتلبية رغبة عميل او مسؤول مبيعات. لا أعني بهذا أن يتم تجاهل هذه الطلبات ولكن لابد من جدولتها في خطة العمل.
جيسون ، الرئيس التنفيذي ، لم يقضِ وقتاً طويلاً في المكتب خلال هذه المرحلة. كان حاضرًا في المؤتمرات الدورية التي يشارك بها اغلب العملاء المستهدفين. يتحدث إلى الكل ولا يتوقف عن الحديث عن المنتج كلما اتيحت له الفرصة. استمر يقوم بذلك لعدة أشهر بدون أي نتائج ملموسة. كان قد بلغ بنا الارهاق مشارف اليأس ، لكنّنا لم نتوقف عن الإيمان بالمنتج وقيمته.
لم تستمر هذه الحال لمدة طويلة حيث بدأت الطلبات تتولى من العملاء ، وبعدها تواصلت معنا عدة شركات بطلب استحواذ. طلب الاستحواذ ، هو الخطوة الأولى التي تقوم بها الشركات الراغبة بشراء الشركة الناشئة. لم اكن اتوقع ان نصل لهذه المرحلة بهذه السرعة. كنت حينها غارق في تحسين المنتج وتلبية رغبات العملاء الجدد.
انطلق جيسون مرة اخرى في جولة للحديث مع العملاء الجدد والشركات المهتمة بالاستحواذ. حينها كنت في حالة من الخوف ، فلم يكن لدي أية معرفة حول اجراءات الاستحواذ! من سيقوم بتقييم الكود؟ ماهي المعايير المستخدمة لتقييم العمل؟ بدأت ابحث في الانترنت عن تجارب مشابهة بلا جدوى. فأغلب هذه الإجراءات تتم خلف أبواب مغلقة و في سريّة تامة.
في غضون أيام تواصل معي جيسون ، كانت هناك شركة جادة للاستحواذ ترغب في الحديث مع القائد التقني. اخبرني ان التقي به في مدينة سياتل خلال ٣ أيام وعليّ ان احجز التذكرة في اسرع وقت ممكن. وبالفعل مضى الوقت ولم اكن اعرف ماذا اعدّ لهذا الاجتماع ومن سأقابل.
كانت الساعة السابعة صباحاً ، لم اتمكن من شرب القهوة ذلك الصباح حيث انني بالكاد تمكنت باللحاق بالموعد. كان جيسون بانتظاري بالخارج تعلوه ابتسامة ويحمل كوبي قهوة. ناولني أحدهما واخبرني ان احافظ على هدوئي وان أجيب على أسئلتهم بكل وضوح وشفافية.
خلال دقائق دخلنا غرفة الاجتماعات ، كانت ممتلئة بالمسؤولين في الشركة. تم تقديمي لهم واحداً تلو الأخر ، فلان خبرة ٣٠ سنة في تطوير المشاريع البرمجية في مايكروسوفت … فلان حاصل على دكتوراه في الفيزياء وعلوم الحاسب قد عمل لاكثر من ٢٠ سنة لدى شركات ضخمة … واستمر الحال على هذا الوضع حيث كان الجميع لديه على الأقل ١٥ سنة خبرة عملية.
كنت وقتها قد اتممت ٨ سنين في تطوير البرمجيات ولم يكن يسبق لي أن عملت مع أي شركة برمجيات احترافية بحجم كبير. شعرت وقتها أنه ليس هناك ما اخسره … ومضيت في الحديث عن المنتج وكأنني أتحدث مع أي عميل. استمر الاجتماع لقرابة ال١٠ ساعات. بعد مرور الساعة الأولى ازدادت ثقتي في المنتج وشعرت برغبتهم في محاولة فهم كيف تمكنت من حل المشكلة الأساسية. المشكلة التي عملت عليها لمدة ٤ سنوات وقمت ببحث عميق حتى نصل لأفضل حل. بدأت استمتع في عرض الحلول ، الواحد تلو الآخر و ارى على وجوههم علامات التعجب. أخبرني المتخصص في تحليل النصوص NLP في الشركة أنهم بحثو عن حل للمشكلة منذ مدة ولديهم فريق عمل من المطورين المتخصصين ولكن ضاع تعبهم دون جدوى.
انتهى ذلك الاجتماع وعدت إلى نيويورك ولم يصل أي رد من هذه الشركة لأسابيع. كنت قد أيقنت أني قمت بخطأ ما خلال هذا الاجتماع مما دفعهم للذهاب لأحد المنافسين. قررت المضي قدماً مع خطة تطوير المنتج بعيداً عن أي أفكار سلبية. وبعد ستة أشهر عادت نفس الشركة للتواصل معنا ، ولكن هذه المرة ارفقت عرض الشراء الرسمي. سأتحدث عن قصة الاستحواذ بالتفصيل في تدوينة قادمة بإذن الله.