البحث عن عمل
في المجال التقني
من المفاجئ أن بعد ٤ أو ٥ سنين من الدراسة الشاقة المتواصلة، نتخرج متلهفين للمزيد من العمل، حب الإنسان للتغيير وحب استكشاف المجهول يقودانه لأغرب الأفعال.
في هذه التدوينة أقدم نصائحا للباحث عن عمل، بالذات للخريج الحديث من مرحلة البكالريوس. هذه النصائح مستوحاة من تجربتي في البحث عن عمل. بعد الاستقرار في وظيفتي الحالية، قررت مشاركة التجربة، حيث اتضحت لي الصورة بعد المرور بها، وتعلمت دروسا وددت لو شاركها معي أحد من قبل.
لذلك، أنا هنا أقوم بهذه المهمة.
تجربة البحث عن عمل تختلف كثيرا من مجال لآخر، مجالي والمجال الذي تغطيه هذه التدوينة هو المجال التقني. تخصصي هو علوم الحاسب، درست الذكاء الصناعي كتخصص دقيق، وأعمل الآن كمهندسة ذكاء صناعي في شركة تقنية في المملكة.
قبل البدأ، يجدر بالذكر أحد الكتب التي استفدت منها خلال البحث عن عمل، وهو كتاب Cracking the Coding Interview للكاتبة قييل مكدويل، تتحدث الكاتبة عن التحضير للمقابلات في المجال التقني حول العالم، مركزةً على وادي السيليكون والشركات الكبرى: قوقل، أمازون، فيسبوك وغيرها من عمالقة المجال التقني. لم أقرأ الكتاب كاملا، لكن ألهمتني نظرتها للمقابلة الوظيفية كخطة بخط زمني يمتد لسنة قبل المقابلة، مما اكتشفت أنه منطقي جدا، فالمقابلة (التي تعتبر العامل المحدد غالبا لقبول الباحث عن عمل) لا تقيس أدائك في الساعة أو الساعتين التي تجري خلالها، بل تحاول قياس الشخص الذي أمضيت سنين دراستك تكونه، والمهارات التي حصلت عليها، والنظرة التي كونتها لمستقبلك، وغيرها مما يهم الجهات الموظِفة.
لنبدأ!
تبدأ كل المشاريع الناجحة بالتخطيط، وهذا سيكون منظورنا تجاه البحث عن عمل، سنعامله كمشروع، نخطط له، ننفذه، نقيس نجاحه ثم نقيمه بغرض تحسين التجربة القادمة - لأنك ستقوم بهذا المشروع عدة مرات على الأقل خلال مسيرتك المهنية. تستطيع القول أن مشروع البحث عن عمل مشابه لعملية تطوير البرمجيات.
ألخص خطوات البحث عن عمل بالنقاط التالية:
نبدأ البحث عن عمل بتحديد العمل الذي نريد شغره. بذلك، أعني أن نختار المجال الدقيق المستهدف، أو المسمى الوظيفي المُبتغى.
بعد ذلك، نقوم بتعديل الهوية الوظيفية - التي أقصد بها ما يمثلك عند الجهة، أي السيرة الذاتية، وحساب لينكد ان مثلا.
بعد تحديد الهدف وتجهيز الملفات التي تمثلك، نقوم بالبحث عن فرص بعدة طرق، منها الاجتماعية والرسمية.
ثم تأتي أهم الخطوات: التحضير للمقابلة.
ثم عمل المقابلة.
الخطوة الأخيرة هي مراجعة عرض وعقد العمل لقبول أو رفض الفرصة.
سأتحدث عن كل خطوة بالتفصيل.
الخطوة الأولى: حدد المجال والوظيفة الهدف
تحديد الأهداف والتطلعات من أهم الخطوات لمشروع بحث عن عمل ناجح.
تحديد الهدف يساعدك في تركيز جهدك وطاقتك على الفرص التي تهمك وتحقق آمالك، مما يقود لاحتمال قبولٍ أكبر.
تحديد الهدف في المجال التقني يبدأ بتحديد المجال الدقيق، كالاختيار بين مجال هندسة المشاريع أو تحليل البيانات أو صناعة المنتجات أو مجال الاختبارات.. أو غيرها الكثير. من الطبيعي أن تحدد أكثر من مجال في بداية مسيرتك الوظيفية، فالخيارات كثيرة. لكن تحديد المجال بأضيق نطاق يساعدك بأن تبني خبراتك في هذا المجال أو المجالات، و يساعدك بالمفاضلة بين الفرص التعليمية. مثلا، شخص كون اهتماما بمجال أمن المعلومات منذ ثالث سنة جامعية، يستطيع اختيار مادة التشفير كمادة اختيارية أو إضافية في الجامعة، ويبدأ باكتساب مهارات وببناء هوية وظيفية تناسب مسار مهنيًا في أمن المعلومات.
الجزء الثاني من تحديد الهدف هو اختيار عدد من المسميات الوظيفية، مثلا لباحث عن عمل في مجال تعلم الآلة: قد تكون المسميات التي يبحث عنها جميع الآتي "محلل بيانات"، "عالم بيانات"، "مهندس تعلم آلة"، "مطور ذكاء اصطناعي" وهذا يوضح نوع الإعلانات التي يبحث عنها لاحقا.
الخطوة الثانية: عدل هويتك لتعكس الهدف
بعد تحديد المجال الذي تود العمل به، الخطوة التالية هي اكتساب المهارات لتكون الشخص المناسب لهذا المجال.
ابدأ بالبحث عن الفرص التي تعرفك على المجال، وتصقل المهارات المناسبة له. الفرص التدريبية مثلا عند الجهة المناسبة قد تكون بداية رائعة لمسارك المهني. أما على مقاعد الدراسة، فاختيار المواد التي تناسب هدفك بعد التخرج خطوة ممتازة لبناء قاعدة علمية جيدة قبل دخول العالم المهني. من الأمثلة أيضا اختيار البرامج التعليمية المناسبة على الانترنت، والحصول على شهادات تعرف أنها مطلوبة في المجال. من الطرق للبروز - في المجال التقني خاصة - هي العمل على مشاريع رقمية تُظهر مهاراتك، فالحديث عن التقنية ومعرفة معلومات عنها وكيف تعمل لا يقارن بتنفيذ مشروع باستخدامها.
مما يفيدك في جميع مراحل مسارك المهني، خاصة في البداية: القراءة ومتابعة المستجدات في مجالك. يساعدك ذلك في تكوين تصور أوضح عن المجالات المحتملة وسوق العمل وآخر التقنيات والأسماء البارزة، جميعها تفيدك في البحث عن عمل، وتساعدك بأن تبقى على اطلاع عموما.
بعد ذلك، يأتي تعديل الهوية الوظيفية التي تستقبلها الجهة الموظِّفة. تتكون الهوية الوظيفية من مكونين أساسين: السيرة الذاتية، وهي ما يطلبه أغلب الجهات، والـ Cover Letter، تطلبها بعض الجهات. سأتحدث عن السيرة الذاتية.
السيرة الذاتية
هي مستند يعبر عنك أنت وأعمالك ومهاراتك، للجهة الموظفة. فنحرص على أن تكون بأمثل شكل كثيرا. نصيحتي الأولى هي استعمال قوالب جاهزة للسيرة، اختر قالبا منظما، بسيطا، يضع التركيز على إنجازاتك وهويتك. أنصح بالابتعاد عن القوالب الملونة والمعقدة، الهدف أن تكون سيرتك مميزة، لكن لا تؤذي العين ولا تعطي انطباعا بعدم الاحترافية.
من قوالبي المفضلة هذا القالب المكتوب بلغة لاتيكس، وتقدم مايكروسوفت قوالبا بصيغة برنامج الوورد، كما تقدم بعض مواقع التصميم قوالبا مثل كانفا.
تتكون السيرة عادةً من النقاط الأساسية التالية:
المعلومات الشخصية ومعلومات التواصل
تندرج هنا المعلومات كالاسم، ومدينة السكن (أنصح بإضافة المدينة فقط إذا كنت تبحث عن فرص محدودة بمنطقة جغرافية) ووسائل الاتصال كرقم الجوال والبريد الإلكتروني، وبعض المواقع التي قد تهم الموظِفين، مثل رابط صفحتك في شبكة لينكد ان (لينكد ان شبكة تواصل اجتماعية للعالم المهني) ورابط موقع قت هب لاستعراض مشاريعك الرقمية.
بالنسبة للروابط، أنصح بتضمين الرابط في نسخة السيرة الإلكترونية (أي أن ينقلك للموقع حين ضغطه) فإضافاتٍ مثل هذه تترك انطباعا بالاهتمام بالتفاصيل.
يبدو جزء المعلومات الشخصية كالتالي:
ملخص عنك
يتجاهل الكثيرون من الخريجين الجدد إضافة ملخص يمثلهم للسيرة الذاتية، ربما لأن توجههم الوظيفي لم يتضح بعد. برأيي، وجود جملة أو جملتين عن المتقدم توضح توجهه، أو تعبر عنه وعن أهدافه وتطلعاته واهتماماته، تميزه عن البقية، وتعطي انطباعا أن هذا الشخص قام بالتفكير بمساره المهني.
في مراحل متقدمة من مسارك المهني، يتحدث ملخصك عن خبراتك، ويتحدث عن مجالك الخاص وأهدافك بالتحديد، لكن لخريج جديد، قد يبدو كالتالي:
التعليم
أحد أهم أجزاء السيرة للخريج الجديد هو جزء التعليم، وهي قائمة بتاريخك التعليمي، كل نقطة فيها تمثل تجربة تعليمية، كالجامعة، أو الدبلوم، أو شهادات أخرى تعدها أنت تعليمية. في الأجزاء المربوطة بتواريخ الحصول عليها كهذا الجزء، نقوم بترتيب القائمة بالأحدث أولا.