التدريب في شركة ناشئة


في هذة التدوينة سأحاول نقل تجربتي في التدريب الصيفي مع شركة ناشئة، لنقل تصور أوضح للمقبلين على تجارب مشابهة، وتقديم بعض النصائح.

حظيت الصيف الماضي بفرصة تدريب صيفي مع إحدى الشركات الناشئة في المملكة. كنت أبحث عن شركة ناشئة بالذات، واخترت هذه الشركة لأنها تعمل بمجال اهتمامي: الذكاء الصناعي وعلوم البيانات.

في البداية أذكر بعض النصائح العامة للمتدربين، ثم أتحدث عن انطباعي وتجربتي مع التدريب.

قبل التدريب

ما هو التدريب الصيفي؟

التدريب الصيفي أو Summer Internship هو عادة متطلب أكاديمي لإتمام برامج دراسية جامعية في التخصصات التطبيقية كالطب والهندسة والحاسب. قد يكون محدودا بفترة الصيف (كما كانت حالتي في جامعة الملك عبدالعزيز) أو يكون مفتوحا بعد إتمام مواد الخطة الدراسية.

متى أختار وقت التدريب؟

إما في الصيف المحدد بالخطة الدراسية، أو تأجيله لما بعد التخرج، آملا بفترة تدريب أطول. تطرح أغلب الشركات برامجها التدريبية في فترة الصيف للتماشي مع خطط الجامعات، التي تحدد تدريبها في الصيف السابق لسنة التخرج غالبا.

التدريب في فترة الصيف محدود بمدة الصيف (٣ أشهر)، أما التدريب بعد التخرج مفتوح، من ٣ أشهر إلى ١٠ في بعض الجهات. تذكّر أن فترة تدريب أطول = فترة عمل غير مدفوع أكثر (أو مدفوع، لكن بمرتب أقل من مرتبك المحتمل لو اخترت التوظيف بعد التخرج).

يختار البعض التدريب بعد التخرج لأن بعض الجهات تنهي برامجها بتوظيف المتدربين. لكل منا اهتمامات وأهداف مختلفة، فاختر ما يحقق أهدافك.

لماذا اخترت شركة ناشئة بالذات؟

أهدافي تلك الفترة كانت واضحة، أردت الاطلاع على العمل التقني المحلي، وأردت أن أقوم بمشاركة حقيقية.

  • عمل تقني يعني أن أبحث عن شركة تقنية بالدرجة الأولى اذا استطعت، أو شركة تهتم بقسمها التقني.

  • سوق محلي أبحث عن شركة سعودية تُدار في السعودية.

  • فرصة مشاركة أي عن شركة تستفيد الاستفادة القصوى من الجميع، حتى المتدرب، كما تفعل الشركات الناشئة.

مثلا، التدريب في شركة عالمية في أمريكا ممتاز ورائع، لكنك تتدرب على سوق عمل مختلف تماما، كما تتعرف على بيئة ومعارف مختلفين. لكن، إذا كان هدفك العمل في (أو الإطلاع على) السوق الأمريكي، ربما تكون هذه الخطوة صحيحة.


حدد هدفك، قد لا تكون أهدافك واضحة، وهذا طبيعي. إن لم يكن لديك تصور واضح عن أهدافك بعد التخرج (أو بعد إنهاء التدريب) فاذهب مع أي معايير أخرى كأكبر شركة في مجالك أو أحسنها سمعة عملية، لا تقلق كثيرا. أما إذا كان عندك تصور ما عن أهدافك بعد التخرج، فأنصح بالتقديم على جهات مشابهة للجهة أو المجال الهدف.


مثلا، إذا كانت أهدافك الدخول إلى عالم ريادة الأعمال (مع تحفظي الشخصي على دخول هذا العالم بعد التخرج بلا خبرة) قد تود قضاء فترة التدريب الصيفي في مكان مشابه. أو إذا أردت الدخول إلى العالم الاستشاري، فابحث عن شركات استشارات للتدريب، أو إذا كان هدفك السلك الأكاديمي، حاول التدرب في الجامعة، وهكذا. لكن تذكر أنه ليس من السهل أن تجد جهة تخدم أهدافك بشكل مباشر، فلا تستغنِ عن أي جهة لا يبدو أنها توصلك لهدفك، بالذات إذا كانت اختياراتك محدودة. فتجربة مثل العمل في أي بيئة محترفة، ستصقل مهاراتك بشكل أو اخر، أدناها مهارات التواصل الفعال، والعمل مع فريق. 

لماذا هذا وقت مهم؟

لا أنوي وضع المزيد من الضغط والتوتر على الباحث عن تدريب، أتذكر الشهرين السابقة للتدريب كيف كنت في سباق مع نفسي للبحث عن الجهة المثالية وكيف أثر علي التوتر. التدريب برأيي مهم، لكنه ليس المِفصل، وربما تحتاج إلى التخفيف من حدة توترك.


لكن، هذه فرصة مهمة لأن قبول المتدربين عادة أسهل، لا يُتوقع منك الكثير، وسهلٌ إثارة الإعجاب. عادة ما تضع الجهات معايير أقل لقبول المتدربين مقارنة بقبول الموظفين، وبعضها لا تضع معايير إطلاقا.


لذلك، أرى أن التدريب مدخل جيد - سهل نسبيا - لسوق العمل.

من تجربتي الشخصية، أعتقد أن كثيرا من زميلاتي في الكلية كانو قادرين على إثارة الإعجاب أكثر مني، فتجربتي مع كليتي رفعت معايير أعمالنا كثيرا. لذلك، لسهولة الحصول على الفرصة نسبيا، وسهولة ترك انطباع جيد، مهم اختيار الجهة المناسبة التي تسمح لك بتطوير مهاراتك.

بعد التدريب

ذكرت سابقا النقاط التي دفعتني للسعي لفرصة تدريب مع شركة ناشئة، أما هنا أذكر أهم ما تعملته خلال فترة التدريب.

أعتقد بالدرجة الأولى أن تجارب الشركات الناشئة تختلف من شركة لأخرى، فلا يوجد طابع معين تشترك فيه. لذلك، ستختلف تجربتي عن أي تجربة أخرى، لكن سأحاول ذكر النقاط العامة المشتركة بين الشركات الصغيرة.


أول نقطة أن الفريق صغير، سمح لي ذلك بالتعرف عليهم والانخراط سريعا في "جو العمل". صغر الفريق يجعل الشركة مرنة أكثر لأي تغييرات أو إجراءات.

مثلا، في إحدى الشركات الكبيرة، استغرقت المتدربات عدة أشهر للبدأ بالعمل بسبب الإجراءات المعقدة للسماح لهم باستعمال أجهزة الشركة. بالنسبة لي، بدأت العمل من أول يوم.

صغر الفريق أيضا يسمح لك بالعمل مع الرؤساء التنفيذين مباشرة، والوصول لهم سهل، قد لا يهم كثيرا كمتدرب، لكنها نقطة لصالح الشركات الصغيرة.


ثاني ملاحظة هي حمل العمل، فعلا مثل ما اعتقدت أخذت حملا جيدا من العمل، الحمل أقل مما يأخذه الموظف، لكن كونها تجربة جديدة، تتطلب مهارات مختلفة، ضلت مجهدة بعض الشيء. ما أعجبني في العمل أنه متنوع، هذي النقطة ترجع لصغر الفريق أيضا، سهل تقسيم العمل وتغيير المهام المعطاة حين تكون الهيكلة مسطحة (shallow) والفريق مرن.


آخر ملاحظة هي أني ذكرت سابقا أن هدفي لاختيار هذه الشركة كان أملا بالعمل على مشاريع “ذكاء” بالدرجة الأولى. لكن، بحكم المهام الموجودة ومهمتي الأساسية (وانعدام خبرتي بمشاريع الذكاء الصناعي حينها)، حظيت بفرصة العمل على مهام متنوعة، مما مكنني من الاطلاع على الصورة الكبيرة لكيف تدار البرمجيات في العالم الحقيقي.

ما اكتشتفه هو أنني استمتعت بالجانب الهندسي أكثر بكثير من الذكاء الصناعي. مما يعزز أن الجهة التدريبية ستخدم أهدافك بأشكال قد لا تتوقعها، فأنا منذ دراستي لمادة هندسة البرمجيات في الجامعة، صرفت النظر عن العمل في مجالها. ما لم أدركه حينها هو اختلاف المواد الأكاديمية عن طبيعة العمل على أرض الواقع اختلافا شاسعا. كما أبهرني جانب إدارة المشاريع، حيث لا تظهر أهمية الإدارة الجيدة في المشاريع الجامعية الصغيرة التي عملت عليها، لكن إدارة منتج حقيقي ضخم على أرض الواقع كان مبهرا، وتجربة جديدة مثرية. بهذا، اكتشفت أنني ربما أريد أن أكون مهندس ذكاء صناعي ومهندس برمجيات وقائد فريق أيضا؟


كانت تجربة مثرية على العديد من الأصعدة، تدربت مباشرة تحت مدراء رائعين وواقعيين، تعرفت على فريق عملٍ متمكن ولطيف، واطلعت على ما يُمكن أن تتحول إليه الأفكار بالجهد والإدارة الصحيحين.


قد تبدو هذه التجربة مبالِغة، لا يُتوقع من تجربة تدريب صيفي لم تمتد لأكثر من ثلاث شهور أن تكون بهذا التأثير. لكن، منذ اليوم الأول، سعيت للحصول على أكبر قدر من الفائدة من هذة التجربة (كان صعبا أن لا يحصل ذلك حين إمضاء تسع ساعات في مكتب العمل كل يوم).

مما يقودني لنصيحتي الأخيرة، قدّر الفرص التي تأتيك أي كانت، واحرص على الاستفادة القصوى منها. قدّر التزامك مع جهة التدريب واحرص على الاحترام المتبادل والاحترافية في العمل. تذكر أنك المستفيد الرابح في هذي المعادلة، لأن تدريبك وإعطائك الوقت الكافي من الاهتمام مكلفين على الجهة. فثمّن استعدادهم لتدريبك، لكن، في نفس الوقت، لا تبخس حق نفسك.


خلاصةً،

 أهم النصائح للباحث عن تدريب / المتدرب:

  • حدد أهدافك، وابحث عن جهة تساعدك بتحقيقها.

  • قدّر فرصة التدريب، وحاول الخروج بأقصى فائدة.

  • لا تقلق كثيرا.

بعض الجوانب الجيدة للتدريب مع شركة ناشئة:

  • عمل كثير ومتنوع.

  • فريق صغير مرن.

  • العمل تحت التنفيذين مباشرة.

بعض الجوانب الأخرى:

  • عمل كثير ومتنوع (قد يكون جانبا إيجابيا أو سلبيا، حسب الشخص).

  • ساعات عمل طويلة.

وددت لو أُسندت لي مهام أكثر، وودت لو كنت على كفاءةٍ كافية لإتمامها، فقد كان

العمل ممتعا. هناك شيء سحري بعملية نقل الأفكار التقنية إلى منتجات يستفيد منها عملاء، وتدّر عليك وعلى مستثمرين دخلا في نفس الوقت. عالم ريادة الأعمال يبدو ممتعا لمطوري البرمجيات، لأن "sky is the limit" كما يقال.

Join