سَل ..تُعطى

انقطعت عن التدوين بضعة ايام بعد أن ارسلت جهاز اللابتوب للصيانة, و هذه المرة الثانية خلال 12 عاما تقريباً التي يحتاج فيها هذا الجهاز العتيق للصيانة.

اشتريته بعد أول سنة لي في الجامعة, جمعت مبالغ المكافأة و انتظرت حتى الصيف و اشتريته و كان أول شي فعلته هو أن قمت بتحميل فيلم قراصنة الكاريبي الجزء الثاني عن طريق التورنت (فيلم المراهقة المفضل) 😂

هذه المقدمة لا تمت لموضوع اليوم بصلة و لكني فقط أمرن ذهني و أصابعي على الكتابة بعد هذا الإنقطاع. 🤷


اليوم هو يوم عرفة و كانت أمي قد أخبرتنا انه يجب أن نستغل هذا اليوم في الدعاء و الإستغفار بدلا من أن نضيعه في المطبخ ..أحببت الفكرة و قررت الذهاب بعد صلاة العصر لمحل الأطعمة المفضل و أنا أفكر بشراء كل ما لذ و طاب, لكن (الصدمة) أن تقريبا كل من يسكن مدينتا فكروا بنفس الشيء 🤦‍♀️

طوابير طويلة ليس لها آخِر تقف على باب المحل.. اضطررت أن اقف معهم و أنا افكر انه لا حل آخر لوضع طعام على سفرة تكفي 7 أشخاص و بعد ساعتين فقط من الآن سوى أن أنتظر بضع دقائق تحت الشمس 😥

بدأ عقلي مباشرة بالتفكير, كيف يمكن أن استغل هذا الانتظار و أشتت تركيزي عن الشعور بكل هذا الحر و التعب .. تذكرت قرائتي يوم أمس لموضوع عن الدعاء في يوم عرفة و كيف أنه مستجاب بإذن الله, و كتب بعض الناس تجاربهم مع الموضوع و الأحداث التي فقدوا الأمل في حصولها و لكنها تحققت بعد أن دعوا الله في يوم عرفة.

أخرجت هاتفي الجوال و بحثت عن بعض الأدعية و قمت بترديدها و فجأة بدأت الدموع تنساب من عيني حتى أني لم أعد أرى ما حولي و فقدت الإحساس بالمكان و كأني كنت وحدي فقط ..أُحدث الله و هو يُنصت لي.

شعور عظيم بالإرتياح و السكون أن توكل أمورك كلها لله ثم لا تعد تحمل همها.


انتهيت من شراء (ما لذ و طاب) و خرجت لأجد مسنة تفترش الأرض بالقرب من المحل و تعرض بضاعتها البسيطة.. اشتريت منها بعض الأغراض التي لا حاجة لي بها بنية الصدقة و ودعتها و هي تدعو لي أجمل الدعوات, ثم وصلت المنزل لأفتح جهاز اللابتوب على موقع (فُرجت) أبحث عن حالات لمساجين معسرين و أساهم بدفع الأموال عنهم و أنا اتخيل عودتهم لأُسرهم فرحين.

امتلأت السماء بالسحب فجأة ..دوا صوت الرعد ..نزل المطر ..رفع الآذان.

و انتهى يوم عظيم كنت قد صمته لسنين عديدة لكنها جميعاً لم تكن كمثل هذا اليوم, فقد شعرت بعظمته و بشدة قربي أنا من الله, و تسائلت لماذا لم أدعوه يوماً!!

لم اطلب شيئاً محدداً لم أبكي و أتضرع لله, أعرف يقيناً أن السبب ليس بنقص في الإيمان -أتمنى ذلك- و لكني اعتقدت مسبقاً أن الله يعلم كل شيء و هو يدبر كل الأمور ,فربما من الأجدر بي أن ارضى بكل ما كتب لي و لا أطلب المزيد.

فتحت صفحة بحث Google و كتبت “لماذا ندعو الله؟“

وجدت موضوعاً طويلاً يناقش فكرة القدر و أنه لا يتنافى مع الدعاء, انقل منه هذا الجزء البسيط الذي يجيب على بعض تساؤلاتي

ندعو الله تعالى لأنه عز وجل يحب أن يرانا على بابه متذللين ، نسأله ونتضرع إليه ، فالسؤال والتضرع أحد مظاهر فقر الإنسان للغني الكامل عز وجل ، يرافقها الحب والتعظيم له سبحانه ، تماما كما يحب سبحانه منا أن نركع ونسجد لعظمته ، وأن نصوم امتثالا لأمره ، ونحوها من العبادات ، كذلك يحب منا سبحانه وتعالى أن نطلب منه حاجاتنا ، ونأوي إلى ركنه الشديد ، يقول الله عز وجل : ( وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ) النساء/32 ، ويقول سبحانه : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) الأعراف/55 ، ويقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر/15 .


شيء آخر بقي يدور داخل عقلي “سل.. تٌعطى“ أذكر انني قد سمعت هذه العبارة البليغة, المختصرة في كلماتها و الكبيرة في معانيها, شككت أن تكون حديثاً شريفاً و بحثت عنها لكني لم أصل لتأكيد ..على كل حال الأمر الذي دفعني لتذكرها هو انه خلال بحثي ظهر لي تفسير لآية {إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} من سورة مريم. ذكر فيها تعريف للدعاء “النداء من الإنشاء؛ لأنك تريد أن تنشىء شيئاً من عندك ، فلو قُلْت: يا محمد فأنت تريد أن تنشئ إقبالاً عليك ، فالنداء ـ إذن ـ طلبُ الإقبال عليك ، لكن هل يصح أن يكون النداء من الله تعالى بهذا المعنى؟ إنك لا تنادى إلا البعيد عنك الذي تريد أن تستدنية منك.
فكيف تنادى ربك ـ تبارك وتعالى ـ وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ وكيف تناديه سبحانه وهو يسمعك حتى قبل أن تتكلم؟ فإذا كان إقباله عليك موجوداً في كل وقت ، فما الغرض من النداء هنا؟ نقول: الغرض من النداء: الدعاء
.”

الفكرة التي لا أعرف كيف اصيغها حقاً هي ربما الدعاء وسيلة ليعرف الشخص نفسه أولاً و ماذا يريد, فهو قبل أن يرفع يديه بالدعاء عليه أن يفكر ماذا سيطلب من الله؟ ثم سيصيغ طلبه في دعاء يردده و يسمعه بأذنه ,مما يهيئه نفسياً على تخيل أمنياته التي يطلبها وقد تحققت.  

انتهيت من كتابة هذه التدوينة قبل فجر يوم العيد بساعة واحدة و أنا  أجلس على سريري و ارتدي بجامتي المريحة بعد أن استحميت و اشرب من كوب منقوع اليانسون ليساعدني على النوم و الهواء البارد المشبع بالمطر يتسلل من الشباك ..حياة جميلة هذه التي أعيشها,فحمداً و شكراً لك يا الله ❤️️

Join