الفحوصات النفسية للزواج
الحاجة والمحاذير
تظهر بين الحين والآخر مطالبات بالفحص النفسي والمخدرات قبل الزواج. ومن متابعتي لهذه المطالبات على وسائل التواصل الاجتماعي، أجد أن جل من يبارك هذه المطالبات هم من النساء - ولي عودة لهذه النقطة في نهاية الحديث.
أما أنا كمتخصص، فلي رأي في الموضوع أطرحه هنا باختصار
سأبدأ بالمخدرات لأن موضوعها سهل
فحص المخدرات غير مفيد!! لأن الشاب/الشابة، سواء كان مسيء استخدام وفي طوره للإدمان أو حتى مدمناً، يمكنه ترك المخدر للمدة اللازمة (حسب نوع الفحص) ليحصل على نتيجة سلبية تخرجه من الموضوع بسلام.
ومن ناحية أخرى فإن بعض العقاقير الموجودة في الصيدليات لأغراض مختلفة، قد تعطي نتيجة إيجابية خاطئة مثل بعد أدوية الزكام والحساسية والمسكنات. وفي هذه الحالة سيتضرر هذا الشاب/الشابة البريء بلا وجه حق.
وهنا يظهر في ذهني سؤال:
لو ظهرت نتيجة إيجابية (خاطئة أو صحيحة)، فهل ستبقى في أنظمة الدولة حتى لو تاب الشاب/الشابة؟ إن كان نعم فتلك كارثة وان كان لا فستنجح خطة التوقف المؤقت لحين الحصول على البراءة من المخدرات كما أسلفت.
انتهينا من المخدرات والآن نعود للموضوع الأصعب وهو فحص الزواج للأمراض النفسية. وهنا لي مقدمة تساعد في فهم تعقيدات المشكلة.
الأمراض النفسية مثل الأمراض الجسدية في نظري. ففي الطب الجسدي هناك:
(أ) أمراض عابرة مثل الإلتهابات غير المعدية وحصوات الكلى والمرارة وغيرها لا تؤثر في الحياة الزوجية ولا يهم الفحص عنها.
(ب) أمراض مزمنة يمكن العيش معها وقد لا تؤثر في الحياة الزوجية مثل السكري والضغط.
(ج) أمراض تؤثر في الحياة الزوجية مثل الأمراض التي تسبب إعاقة أو نقص في القدرات الجسدية.
في المقابل هناك في الطب النفسي:
(أ) اضطرابات عابرة لا تؤثر في الحياة الزوجية مثل اضطرابات التكيف التي قد تظهر على شكل قلق أو اكتئاب أو حتى بعض حالات الاكتئاب الحاد والقلق والرهاب. وفي نظري لا يلزم الفحص عنها.
(ب) أمراض مزمنة يمكن التعايش معها وقد لا تؤثر في الحياة الزوجية مثل الوسواس القهري، الاكتئاب المزمن، وبعض اضطرابات الشخصية وغيرها.
(ج) أمراض تؤثر في الحياة الزوجية مثل الفصام أو الإضطرابات الذهانية عموماً واضطرابات الشخصية الشديدة.
بعد هذه المقدمة دعونا ننظر إلى آلية الكشف…
كشف الزواج للأمراض الجسدية حالياً -وأظن دائماً- يقتصر على الأمراض المعدية أو الوراثية (الشائعة) التي قد تؤثر في الحياة الزوجية والنسل، أما ما عدا ذلك فيترك لأمانة الزوجين في الإفصاح عنها.
كذلك فإن مصداقيته عالية وآلية الفحص مختبرية سهلة وغير مكلفة، يمكن فحص آلاف العينات في يوم واحد لا يؤخر خطط الزواج.
أما الأمراض النفسية فهي عالم آخر.
آلية الفحص تعتمد على المقابلات الشخصية والاستبانات والإختبارات وكلها تستغرق وقتاً طويلاً للقيام بها وتحليلها والخروج بنتائج لكل فرد على حده. وهذه آلية مكلفة وتعتمد على العنصر البشري وليس الآلة، مما يجعها تستغرق وقتاً طويلا ومراجعات متكررة للوصول إلى النتيجة، مما يستلزم جيشاَ من الأطباء والأخصائيين النفسيين في كل مدينة وقرية لهذا الشأن، إذ من الصعب أن يحال كل المتقدمين للزواج إلى مقرات محدودة في المدن والتسجيل في طوابير قد لا يأتي دورهم إلا بعد عدة أشهر، مما يعطل ترتيبات الزواج في أفضل الحالات.
كذلك فنتائج الفحص النفسي قد لا تكون دقيقة لأن التشخيص خاصة في المجموعتين (أ و ب)، يعتمد على صدق المريض وتعاونه. وهاتان الفئتان تشكلان الغالبية العظمى من الأمراض النفسية حسب نتائج المسح الوطني للصحة النفسية.
ومن يأتي لفحص الزواج النفسي من الطبيعي أن ينكر كل ما يكمن أن يمنعه من ذلك في المقابلة. ولذلك لن تكون نتائج الإختبارات النفسية صادقة.
وفي هذه الحالات قد تكون النتائج سلبية أي لا يوجد مرض نفسي أو ظنّية لا يمكن منع الزواج بسببها، وهذه إما خاطئة تماماً أو صحيحة ولكنها ظرفيّة أي ربما بسبب ظروف أو ضائقة الشاب/الشابة أثرت على نتائجه في حينه ولو أعاد الإختبارات في وقت لاحق لكانت نتائجه سلبية.
أما الفئة الثالثة (ج) فهي قد تكون ظاهرة أو يسهل التعرف عليها برؤية الخاطب والسؤال عنه بالطريقة التقليدية.
ثم يأتي السؤال السابق في ذهني مرة أخرى:
لو ظهرت نتيجة إيجابية (خاطئة أو صحيحة)، فهل ستبقى في أنظمة الدولة حتى لو تعافى الشاب/الشابة؟ إن كان نعم فتلك كارثة وإن كان لا فسيتوجب على الشاب/الشابة إعادة الفحص النفسي اختيار الوقت الذي تخلو فيه حياته من الظروف الضاغطة، مرة تلو مرة حتى تظهر سليمة ويجتاز الإمتحان.
النساء يصبن أكثر من الرجال باضطرابات المزاج عموماً بنسبة 71%. ويصبن بالإكتئاب خصوصاً 3 أضعاف الرجال.
وكذلك يصبن باضطرابات القلق عموماً أكثر من الرجال بنسبة 30%. ويصبن بالقلق المعمم خصوصاً 3 أضعاف الرجال.
وفي المقابل فإن الرجال أكثر إصابة بالسلوكيات المؤذية 41% مقارنة بالنساء، وأكثر إصابة باستخدام المخدرات 53% من النساء.
لكن اضطرابات القلق والمزاج تشكل 41.5% من المشكلات النفسية بينما تشكل السلوكيات المؤذية واستخدام المخدرات 15.2% من المشكلات النفسية.
وقد يقول قائل أن مشكلات النساء النفسية سببها الرجال لكن نتائج المسح الوطني تظهر عكس ذلك، إذ يمكن القول أن للزواج دور وقائي من المشكلات النفسية.
وربما يعتقد القارئ أن هذه النسب في المسح السعودي الوطني للصحة وضغوط الحياة أكثر أو أقل من النسب العالمية، ولك الرجوع للأوراق العلمية المنشورة في الرابط (أعلى الصفحة) تظهر أن هناك في دول العالم ما هو أقل من السعودية أو أكثر في نسب الإصابة بالأمراض النفسية، لكنها تتفق عالمياً على أن النساء أكثر إصابة بالقلق والإكتئاب من الرجال، لأسباب غير معروفة.
وفي الختام:
هل ثمة بعد هذا التوضيح من يؤمن بجدوى ادراج الفحوصات النفسية والمخدرات في الكشف الطبي قبل الزواج؟
وفيما لو تم إدراجها وباعتبار صحة نتائجها:
هل ستكون في مصلحة أي الجنسين على حساب الآخر؟