الوسواس القهري… “الصراع”

الوسواس القهري هو أحد الاضطرابات النفسية التي تؤثر في التفكير والانفعال والسلوك، حيث تسيطر الوساوس (أفكار ملحّة Obsessions)  على ذهن الشخص، فيرفضها، لكنها تستمر في الإلحاح عليه رغم مقاومتها لها.  فيشعر بالقلق الشديد نتيجة هذا الصراع، مما يضطره أحياناً إلى ابتداع بعض السلوكيات الغريبة (الأفعال القهرية Compulsions) -التي تصبح مشكلة في حد ذاتها- للسيطرة على القلق والأفكار. 


ما هي أشكال الوسواس القهري؟

الوسواس القهري نوع واحد، ولكن الفكرة الملحة قد تختلف من شخص إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى. حيث تتسلط الوساوس على الشخص في أهم شيء عنده.  فالمتدين تتسلط عليه وساوس الدين، والمحب لزوجته تسيطر عليه وساوس الطلاق، والمنظم تسيطر عليه وساوس الترتيب والنظافة وهكذا...الخ

أما محتوى الوساوس والأفعال القهرية فيكون غالباً متعلقاً بأحد هذه الأمور أو بعض منها:

  1. القذارة والنجاسة: التخوف من الإصابة بمرض خطير، أو ملامسة الجراثيم أو النجاسة، ونشرها في أرجاء المنزل أو نقلها للاخرين.  كما قد يظهر على شكل كراهية شديدة لاستخدام دورات المياه وقضاء الحاجة والأماكن العامة كالمصاعد والسلالم الكهربائية ونحوها.

  2. التناسق والترتيب: لرغبة الشديدة في تنسيق الأشياء، والاهتمام المبالغ بالترتيب في الهندام أو البيئة المحيطة.

  3. التكرار: تكرار عادات روتينية بلا مبرر، مثل تكرار الأسئلة، أو عبارات أو أذكار معينة، أو إعادة قراءة كلمات أو جمل معينة.

  4. الشك: الشعور بأنه لم يقم بالشيء على وجهه الصحيح مثل الوضوء أو الصلاة أن أنه لم يدفع قيمة بضاعة مشتراة، أو لم يغلق الأجهزة في المنزل، أو أنه ربما دهس أحداً في الطريق أو سقط منه شيء.

  5. الدين والمعتقدات: شكوك في العقيدة، أفكار إلحادية، سب للذات الإلهية، أفكار محرمة أخرى، أفكار متعلقة بالحلال والحرام على وجه العموم.

  6. العنف والإيذاء: الخوف أن يتسبب في إيذاء أحد، أو أن يفقد السيطرة فيؤذي نفسه أو يعتدي على أحد، أو يتصرف بطريقة مخجلة كأن يصرخ أمام الناس، أو يتسبب في مشكلة خطيرة مثل الحريق أو القتل.

  7. التجميع والتكديس: تجميع مهملات لا فائدة منها مثل الجرائد أو أشياء قديمة، وعدم القدرة على التخلص من بعض الأشياء لأنه “قد يحتاج إليها في المستقبل”.

  8. الجنس: أفكار جنسية لا يتقبلها الشخص مثل التعري أو الإعتداء على جنسياً على قريب، أو ابداء الرغبة في ممارسة الشذوذ الجنسي.

  9. التطير: الشعور بأن بعض الأرقام أو الكلمات ... قد تسبب أشياء محبوبة او مكروهة أو أنه ان فعل كذا فسيموت والده مثلاً، وان لم يفعل كذا فلن ينجح في الإمتحان.

مهما كان احتمال 0.000001 صغير، لا يهم

المهم انه احتمال ممكن !


ما هي أعراض الوسواس القهري؟

يمكن تشخيص الوسواس القهري حسب معايير الدليل التشخيصي الإحصائي الخامس، الذي أصدرته الجمعية الأمريكية للطب النفسي (DSM-5) هي كما يلي:


أ.  وجود وساوس أو أفعال قهرية:


أولاً: الوساوس كما هي معرّفة في (1) ، (2) ، (3) و (4):

  1. أفكار أو نزعات، أو خيالات، ملحّة ومتكررة، يشعر المصاب بها أنها قهرية، وغير معقولة، مما يسبب القلق والتوتر الشديد.

  2. هذه الأفكار والنزعات والخيالات ليست مجرد قلق مبالغ فيه تجاه مشكلة حقيقية واقعية.

  3. يحاول الشخص إهمال هذه الأفكار أو النزعات أو الخيالات، ومعادلتها أو التخفيف منها بأفكار أو أفعال أخرى.

  4. يعرف الشخص أن هذه الأفكار أو النزعات أو الخيالات نابعة من تفكيره هو (وليست مدخلة في ذهنه من قبل جهة خارجية)

ثانياً: الأفعال القهرية كما هي معرّفة في (1) و (2):

  1. سلوكيات متكررة (مثل التغسيل، الترتيب، التأكد)، أو أفعال ذهنية (مثل العد، الدعاء، تكرار بعض العبارات أو الكلمات داخل النفس).  يشعر الشخص أنه مجبر على القيام بها استجابة لوساوس معينة أو قوانين ذهنية لا بد أن يطبقها بصرامة.

  2. تهدف هذه السلوكيات أو الأفعال الذهنية إلى النخلص من التوتر أو تخفيفه، أو منع حدث أو موقف مخيف يتخيل حدوثه.  ومع ذلك فإنه لا يوجد رابط حقيقي أو علاقة منطقية بين هذه السلوكيات أو الأفعال الذهنية وبين ما تهدف إلى تخفيفه أو منعه، أو أن هذه العلاقة مبالغ فيها إن وجدت أصلاً.


ب‌.  في وقت ما خلال فترة الاضطراب، يعرف الشخص أن أن الوساوس او الأفعال القهرية كانت غير معقولة او مبالغ فيها.

ج‌.  تؤدي الوساوس أو الأفعال القهرية إلى تضايق شديد، إهدار للوقت (أكثر من ساعة باليوم) ، أو خلل في البرنامج اليومي الطبيعي، الأداء الوظيفي (أو الدراسي)، أو الأنشطة والعلاقات الاجتماعية المعتادة.

د.  إذا وجد تشخيص آخر ، فإن محتوى الوساوس أو الأفعال القهرية ليس مقتصرةً عليه (مثلاً الإنشغال بالتفكير في الطعام في حالات اضطرابات الأكل، أو بالتفكير في نتف الشعر في حالات هوس نتف الشعر ، أوبالتفكير في المخدرات في حالات الإدمان)، أو بالتفكير في الأمراض في حالات هجاس المرض، أو بالتفكير في الجنس في حالات الانحرافات الجنسية، أو التفكير في الذنوب في حالات الاكتئاب).

ه‌.  ليست الوساوس أو الأفعال القهرية نتيجة مباشرة لاستخدام المخدرات أو مرض عضوي.


ما مدى انتشار الوسواس القهري؟

رغم أن مرضى الوسواس القهري لا يعلنون عن أنفسهم كثيراً لشعورهم بالحرج من الوساوس والأفعال القهرية التي يعانون منها، إلا أن اضطراب الوسواس القهري يعد من الاضطرابات النفسية الشائعة.  فقد وجدت عدة دراسات ميدانية عالمية أن نسبة انتشار الوسواس القهري خلال سنوات الحياة هي حوالي 2% (أي أنه يمكن أن يصيب واحداً من كل خمسين شخصاً خلال فترة حياته). 

أما في مجتمعاتنا العربية فليس هناك احصائيات دقيقة، غير أنه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الأرقام ستكون أقل او أكثر من ذلك.

وقد أظهرت نتائج المسح الوطني السعودي للصحة وضغوط الحياة إلى أن نسبة انتشار الوسواس القهري خلال سنوات الحياة في المملكة العربية السعودية كانت 4.1% (4.9% في الرجال و 3.4% في النساء).

أما بالنسبة الفئة العمرية كانت 4.3% في الأصغر سناً(15-24)، 5.8% في الفئة العمرية 25-34 سنة، ثم 4.2% في الفئة العمرية 35-49 سنة، 0.7% في من هم فوق الخمسين من العمر.


ما هي أسباب الوسواس القهري؟

ليس هناك سبب محدد للوسواس القهري، بل هناك عوامل تجعل من هذا شخص أو ذاك أكثر عرضة للوسواس القهري من غيره.  ومن هذه العوامل:

  1. الوراثة: ليس هناك معلومات ثابتة حيال الوراثة في حالات الوسواس القهري، غير أن بعض الدراسات قد أظهرت أن نسبة انتشاره بين الأقارب من الدرجة الألى للمريض هي 35%. 

  2. الجنس: تكثر حالات الوسواس القهري في الأطفال والمراهقين الذكور مقارنة بالإناث ، ولكن النسبة تتساوى بين الجنسين في سن الرشد.

  3. العمر: يمكن ان يصيب الوسواس القهري الكبار والصغار في شتى مراحل العمر، ولكن معدل سن بداية الإصابة هو 25 سنة (أواخر مرحلة المراهقة وبداية العشرينات).  وعادة ما تكون سن البداية أبكر في الذكور مقارنة بالإناث).

  4. طبيعة الشخصية: ليس هناك نمط شخصية محدد له علاقة وثيقة بالوسواس القهري.  لكن بعض الدراسات وجدت ان حوالي 15%-35% من مرضى الوسواس يتميزون بشخصية وسواسية أصلاً.

  5. العوامل الإجتماعية: ليس هناك علاقة بين العوامل الاجتماعية مثل الثقافة أو الحالة المادية وبين الوسواس القهري.

  6. الخبرات الشخصية: قد تزيد بعض الخبرات الشخصية مثل الاهتمام المبالغ فيه بالنظافة والأمراض والصحة من المخاوف والسلوكيات المتعلقة بذلك.  وهذا الإهتمام قد يكون مكتسباً من الوالدين الذين قد يكونا أو أحدهما يعاني من درجة ما من الوسواس القهري.

  7. الضغوط النفسية: قد تزيد الضغوط النفسية من احتمال ظهور الوسواس القهري لمن لديه الإستعداد، ولكنها ليست سبباً مباشراً للإصابة به.


ما هو التفسير الطبي للوسواس القهري؟

Join