يوم التروية

لطالما أحببت هذه الأيام ومسمياتها العطرة، أيامًا كنا لا نسمع فيها إلا صدى التكبير والتهليل ولا نرى إلا تجهيزات العيد المبهجة والنفوس المنشرحة.

أما الآن ومنذ السنة الفائتة فقد تغير اليوم الثامن وأصبح يومًا رماديًا باهتًا حد الوجع، يومًا لن نستطيع نسيانه مهما تعاقبت السنون، فمن أحداثه ومنه تغير العالم من حولنا تغيرًا عميقًا مؤثرًا وهادمًا لمجموعة كبيرة من أحلامنا ومن سلامنا الداخلي والذي لن يعود أبدًا كما كان. 

ففي يوم الثامن هذه السنة، نستذكر ما مضى وكأنه البارحة، نتنهد ونحمد الله على ما مضى وعلى الخسائر التي تكبدناها محاولين استشعار نعمة عظيمة مختبئة بين الأحداث، خيرة لا يعلمها إلا عالم الغيب، خيرة لا تصل إلى مستوى إدراكنا نحن بنو البشر الضعفاء. 


نجلس أنا وأختيّ متحلّقات حول مجموعة من الصواني والخشبيات ذات التشكيلات البراقة مشمّرين عن سواعدنا المُرهَقة ومتأهبين لبدء المعركة، إحدانا ترتشف قهوةً ساخنة وأخرى تتبرّد ببيرة رمان مثلجة أما الثالثة فلا تشتهي شيئًا. 

نعجن تمر ومعمول العيد بدموعنا التي لم نستطع البوح بها، نخبئ بؤسنا وخيباتنا وفتات آمالنا المتكسرة بداخله مع القليل من الضحكات الهازئة لنطرقها معًا جميعًا فتشكّل منظرًا يسر الناظرين. 

نخبزه بقلوب مُتعَبةٍ حد الاحتراق لنرسم البسمة على وجوهنا حين نتذوقه ونمسح قليلًا من كدر الحياة عن هذه الشفاه الصامتة. 

نشاهد العالم من حولنا وكلٌ في فلك يسبحون، كلٌ في عالمه الخاص ما عدا نحن! فقد تُهنا عن عوالمنا وما زلنا نسبح في فضاء ليس لنا ولكنه الفضاء المتاح لنا فليس هنالك غيره يصلح لنا ليضمنا إليه. 


يعود بؤس اليوم الثامن ليتكرر هذا العام أيضًا، قلق متجدد، ينقضي الأول ليبدأ آخر وتتسع رقعة الأذى والألم لتفتح بُعدًا آخر من الأسى، نراكمه بصمت خانق لنعجن به معمول العيد في اليوم الثامن للعام القادم.


أبعد الله عنا وعنكم الهموم وجزانا بما صبرنا جنةً وحريرًا.

أتمنى لكم سنةً هانئة وعابقة بالمسرات،

عيدًا سعيدًا؛


ع. ز.

Join