كدت أكره نفسي
هل لحب النفس وجه حق؟
البراء بصفر
لن أبدو كحالة نادرة إن ذكرت أني كنت في طفولتي إذا رفضت مشاركة شيء يخصني أوصم بأني "أحب نفسي". وهي الكلمة التي ترادف في المعجم المجتمعي "أناني". وليست المشكلة المجتمعية مقتصرة على الأنانية وإنما ينتشر في المجتمعات الإسلامية تصور عن النفس تبدو عليه القتامة. وكلما نضجت يوما، وقلبت النظر في هذا التصور وجدت له شواهد متعددة وإسقاطات مختلفة كما سأذكر في نهاية هذه الورقة. وإذا أردت أن تعرف مصدر هذا التصور -أعني تصور المجتمع عن النفس- وجدت أن مصادره متعددة، أهمها الأفكار الدينية التي يحملها هذا المجتمع. هذه الأفكار الدينية ليست بالضرورة سليمة وتستند على أدلة صحيحة وفهم حسن، لكنها موجدة على كل حال. لو قلبت كومة التصورات الشعبية للمجتمع الإسلامي حول النفس وجدت النفس تصور هكذا:
النفس أحد الأعداء الأربعة بعد الشيطان والدنيا والهوى. هي مذمومة لا تستحق المدح. أمارة بالسوء أبدا، فعاملها بالقسوة التي تستحق. فإن حوسبت فبجرد قوائم السيئات، وإن رغبت فجوعها وروضها مباشرة. ارفع عليها السوط دوما. لو استحسنت من نفسك شيئا واعجبك منها أمرا فحطم صنمك وأنكر ذاتك حتى تكون متواضعا وتحمي نفسك من العجب والكبر. جاهدها وحارب رغباتها ولا ترض عنها، حتى أني حفظت قول أحدهم: أصل كل معصية الرضا عن النفس. وغير ذلك مما هو في باب كراهية النفس ومعاداتها بحجة تزكيتها.
بعد زمن أخذت أبحث عن هذا التصور في المدونة الشرعية والمصادر الأولى بين نصوص الوحي واستجابات القرون المفضلة. وأول ما بدأت ألحظه أن كتاب الله وسنة الحبيب ﷺ وتطبيقات الصحابة والأجيال الأولى، لا تصور النفس بهذه القتامة ولا تعاملها بهذه الفظاظة، بل على العكس من ذلك، لمحت عبارات تدل على حب للنفس وفهم لطبيعتها الثنائية بين الخير والشر وإحسان في التعامل معها. وكلما رجعت في الزمن، تناقصت أمامي عبارات الذم ومعاملات العداوة إلى مقابلها من صور الإحسان والتصالح والحب وحسن العشرة.
فتحت مذكرة طويلة الأمد أرويها كلما سقاني الله قطرة من ذلك الماء المقدس والمعين الطاهر. وهذا بعض ما زممت من هذا الماء:
النبع الأول: حول فطرية حب النفس ومركزيتها
في الدين مسلمات لم ينشغل بتحريرها بل بنى فوقها كوجود الإنسان والعقل ووجود الكون ووجود الخالق وأيضا "حب الذات".
فهو مقدمة يقيس عليها غيرها كما تلحظ في قوله ﷺ "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ولم يحتج للتعليل لحب النفس.
وحب النفس أيضا غاية ومقصد، وهذا أوضح من أن يوضح. انظر كيف يخبرك الله أن كل ما تقوم به من عمل صالح إنما تفعله من أجل نفسك
مسح سريع للمصحف يخبرك بأنه:
●من أبصر فلنفسه.
●فإنما يهتدي لنفسه (ثلاثا).
●فإنما يشكر لنفسه.
● فإنما يجاهد لنفسه.
● فإنما يتزكى لنفسه (مرتين).
●من عمل صالحا فلنفسه.
وجعل لذة النفس ومتعتها جائزة الفلاح:
"وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون"
بل جعل نسيان النفس عقوبة "نسوا الله فأنساهم انفسهم"
وفي الأصل، هو لم يطالبك بغير نفسك أن تشتغل بها حفاظا وإحياء: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم".
وصحح العلامة أحمد شاكر إسناد حديث النبي ﷺ لحمزة:
“ يا حمزةُ، نَفسٌ تُحييها أحبُّ إليكَ أم نفسٌ تُميتُها؟ قالَ: بَل نفسٌ أُحييها: قالَ: علَيكَ بنفسِكَ”.
فلما وضعت كل هذا بعين الاعتبار، لم يعد في نفسي عجب من حديث عمر المدهش مصرحا بهذا الأمر تصريحا ويده مشتبكة بيد النبي ﷺ يراهما عبد الله ابن هشام رضي الله عنه فيحكى لنا: "كُنَّا مع النبيِّ ﷺ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ ﷺ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ ﷺ: الآنَ يا عُمَرُ." رواه البخاري
فانظر أولا إلى السؤال ثم انظر إلى الصراحة ثم إلى التغيير تعلم أنه حتى هذا الحب المقدس لابد له أن يمر من محبة النفس. وهل يحب غيره من لا يحب نفسه؟
النبع الثاني: في التعامل مع النفس
هذه مجموعة من قواعد التعامل مع النفس في القرآن والسنة:
جاهد لنفسك: نعم، اللام هنا ليست عبثا، فعلاقتك مع نفسك لا تبدأ بمحاربتها بل العكس تماما. تبدأ بما وصف الله تعالى في كتابه "ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه" أي تجاهد من أجلها ولتحقيق الأفضل لها حتى تدخلها الجنة.
احم نفسك: التقوى هي حالة الحماية للنفس مما يكره، حماية النفس ابتداءا من النار "يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا". وانتهاءا من المشاعر السلبية "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن" مرورا بالحماية من المرض والأذى كله "فر من المجذوم فرارك من الأسد"
نم ذاتك: قد تبدو هذه العبارة منسوخة من كتب التنمية البشرية، ولكنها في الحقيقة منسوخة من معاجم اللغة في شرح معنى كلمة (زكى) وهو الأمر الذي أمرنا الله أن نعامل أنفسنا به فقال (قد أفلح من زكاها). والتطهير جزء من التزكية لكن مع الزمن أصبح مع الأسف عند المتأخرين هو معنى التزكية الأساس وتم التغافل عن الباقي.
خصص لنفسك وقتا: تذكر حديث سلمان لأبي موسى الأشعري "ولنفسك عليك حقا" وصدقه ﷺ قولا حين قال "صدق سلمان" وعملا حيث سأل الحسين أباه رضي الله عنهما عن برنامج النبي ﷺ في بيته " سألت أبي عن دخول ﷺ وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا لله تعالى وجزءا لأهله وجزءا لنفسه، ثم جزء جزأه بينه وبين الناس).
لا ترهق نفسك: سواء في التكاليف أو المسؤوليات أو الضغوط أو الخطط، فكما وصف الله نفسه بأنه "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فإنه كذلك أمرنا أنه "لا تكلف نفس إلا وسعها".
أكرم نفسك: قال ﷺ: "وإذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهله" وفي المقابل قال ﷺ: "لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه". وقال تعالى "وقدموا لأنفسكم" وقال صلى الله عليه وسلم: "وإن كان يسعى على نفسه ليغنيها ويكافئ الناس فهو في سبيل الله".
حاسب نفسك: ليس ثمة خطأ في عبارة الفاروق ولكن هناك خطأ في تطبيقها، فنحن حين نحاسب أنفسنا نتعامى عن حسناتنا وننظر إلى سيئاتنا. ولكن أليس هذا ظلما؟ وقد نهى الله عن الظلم وخاصة ظلم النفس "فلا تظلموا فيهن أنفسكم". حين يحاسبنا الله يوم القيامة سيضرب الموازين الدقيقة التي تزن ذرات الخير وذرات الشر، هذه صبغة الله "ومن أحسن من الله صبغة".
أحسن استقبال المدح: نعم يمكنك أن تمدح نفسك أو تتقبل المدح دون تعريض النفس لخطر العجب والكبر في حالات. في القران اعترافات نبوية عديدة بالمواهب والقدرات: "لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله ""اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" "يا أيها الناس علمنا منطق الطير" بل سأل الخليل ربه حسن السمعة حين قال "واجعل لي لسان صدق في الآخرين" وأمر الله نبيه ﷺ "وأما بنعمة ربك فحدث".
والنبي ﷺ مدح الصحابة وأشهر محاسنهم أمام الناس فراجع فضائل الصحابة تجد مثل قوله ﷺ "أرحمُ أُمَّتي بِأُمَّتي أَبُو بكر، وأشدُّها حَيَاء عُثْمَان، وأعلَمُهَا بالحلال وَالْحرَام معَاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله - تَعَالَى - أُبِيّ، وأعلَمُهَا بالفرائض زيد، وَلكُل أُمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هَذِه الأُمّة أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح". وتذكر مديحه لأشج عبد القيس أمام قومه عندما قال له "إِنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْم، وَالأَنَاة". وأبو ذر التقط السؤال ذاته الذي يدور بخلدك ونقله "عن أبي ذر: قيل لرسول الله ﷺ: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال:(تلك عاجل بشرى المؤمن).
عندما تخطئ حافظ على حب النفس: أزعم أنه لو سجل كثير منا حواره الداخلي بعد الذنب لسمع ما لا يرضي الله بينما يعلمنا الله حوارا آخر. حوارنا يبدأ بالولولة على الخطأ وجلد الذات وانتقاصها على إتيانه. ولكن يعلمنا الله حوارا مختلفا، تخيل أنك ستبدأ بذكر المسلمات والإيجابيات ثم تعترف بحق الله عليك وتعترف بخطئك وتطلب منه أن يزيح عنك آثار خطئك. " اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" سيد الاستغفار مدرسة حسن التعامل مع النفس عند الخطأ. هذا لا يعني بالطبع الغاء الندم ولكنه ندم المحب لنفسه لا الكاره لها. ثم اقرأ خواتيم سورة البقرة، تجد كأنها دعاء التعاطف مع النفس.
أنت تستحق أفضل من هذا: يؤكد هذا المعنى ما علمه الله لأبينا آدم حين أقدم على أول خطيئة. علمه أنه ظلم نفسه. فنسه لا تستحق هذا. "ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" وفي القران والسنة استعمال متكرر لهذا المعنى. "فقد ظلم نفسه" "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"
ارحم الخطأ السري: كثيرا ما نلوم أنفسنا ونجلد ذاتنا بسبب أفكار مرت بنا وحوار داخلي لم نصرح به قط، لابد من التلطف مع النفس عند حضور هذه الأفكار فقد قال ﷺ: " إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها" هذا بالطبع لا يعني إهمال هذه الحوارات بل يفرغ ذهنك لحسن التعاطي معها دون حساسية.
لا تتجاوز على نفسك: احذر أن تصف نفسك بأوصاف سيئة. قال النَّبِيِّ ﷺ: لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِي" أي تغيرت وتكدرت. مهما اكتأبت فلا تتمنى الموت، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قال: (لا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، وَلا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ). بل احذر ان تتمنى أي يقع أي سوء عليك. قال رسول الله ﷺ: (لا تدعوا على أنفسكم).
النبع الثالث: في صلاحية الصورة الذاتية
يتعامل الإسلام مع الصورة الذاتية بمنتهى الحساسية:
إذا نظرت في المرآة، هل تستحسن شكلك وصورتك؟ (اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي، فَأَحْسِنْ خُلُقِي).
هل أنت كريم رفيع القدر عند نفسك؟ تذكر (ولقد كرمنا بني آدم).
وما أنسانيه إلا الشيطان: دائما ما أفكر أن من حكمة الله من خلق الشيطان أن يعلم الإنسان أن ما يعتريه من أفكار سيئة ليست كلها من نفسه وإنما كثير منها من الشيطان، فيتزن لوم الضمير وتتجه المعركة نحو العدو الأكبر.
ولكن الغنى غنى النفس: أعد ضبط معاييرك ولا تختزل نفسك في شكلك أو مكانتك الاجتماعية أو أي أمر محدود.
فألهمها فجورها وتقواها: النفس ألهمت الفجور والتقوى، النفس ذاتها، الفجور والتقوى كلاهما.
أعوذ بك من شر نفسي: نعم، هذا التصور السليم للنفس. لها شر ولها خير. لا تستعذ من نفسك وإنما من شرها. والتوضيح في تتمة الحديث (وأن أقترف على نفسي سوءا). إنه يخشى على نفسه، أن يقترف عليها سوءا. دورك أن تحميها من السوء.
فحص لتصوراتي القديمة
عند مراجعتي لتصوراتي القديمة، تبين لي أن الخلل يتمثل في:
1- سوء الكلام عن ومع الذات
2- التصور العدائي للنفس
3- موقع الخطاب عن النفس
سأعرض هنا تصوراتي القديمة متبوعة بالترميم:
التعاطف مع الذات يؤدي إلى اتباع الهوى: تقبل النفس وتفهمها أنفع للنهي عن الهوى من معاداة النفس والقسوة عليها أو إهمالها.
لا بد من محاسبة النفس وإدانتها: نعم فالكيس من دان نفسه أي حملها المسؤولية ولكن هذا لا يعني المحاسبة العوراء التي تنظر إلى مساوئها دون حسناتها.
حب المدح مذمة: كيف وما احد احب اليه المدح من الله؟ الإكثار من المدح أو التعطش الدائم له أو المدح بغير حق = مذمة.
الندم توبة: هو كذلك لكن ندم المحب لنفسه ليس كندم الكاره. المحب لذاته يندم لأنه انقصها حقها وأنزلها عن مكانها بينما الكاره لنفسه يجلدها لأسباب هو لا يعرفها كتشوه الصورة الذهنية أو التعرض لإساءة قديمة.
تقدير الذات يؤدي إلى الكبر: لا يمكن لحب النفس أن يؤدي إلى ذلك. الكبر مرض يصيب تقدير الذات وهو في الحقيقة دليل على انتقاص النفس والتعويض بقناع مزيف. لذلك حين تسائل الصحابي عن هذا الاشكال أجابه النبي ﷺ بأن الكبر ليس مرحلة كمية بل حالة نوعية فقال: "الكبر بطر الحق وغمط".
أعوذ بالله من كلمة أنا: تضخيم التخوف من الأنا يؤدي إلى تحقير النفس كما أن تضخيم الأنا قد يؤدي إلى العجب والتعالي. إبليس مارس الأنا المشوهة بقوله أنا خير منه" وخير البرية ﷺ قال دون حرج "أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".
قال الله (فلا تزكوا أنفسكم): التزكية هنا هي إطلاق أحكام نهائية بما يسميه العلماء الشهادة على النفس بالطهارة والمن بالأعمال وليس مطلق المدح. فعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله ﷺ نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله ﷺ: " لا تزكوا أنفسكم، إن الله أعلم بأهل البر منكم ". فقالوا: بم نسميها؟ قال: " سموها زينب ". فالتزكية هنا هي اطلاق الانسان حكما مطلقا على نفسه أو غيره مما لا يعلمه إلا الله وليس الحكم بأصل الخير الموجود وحب النفس على علاتها.
أليس إنكار الذات فضيلة: ومن قال هذا؟ هذا المصطلح منتشر في الأدب المسيحي وليس له استعمال شرعي.
جهاد النفس: الأصل هو الجهاد للنفس أي من أجلها ومن أجل سعادتها، ولكن إن أطلق اللفظ بقول (جاهد نفسك) فهو معالجتها ومكابدتها لا محاربتها ومعاداتها. وهذا المفهوم من قوله ﷺ: (الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ). ولا خلاف في وجوب ذلك وإنما الاعتراض على أن ذلك لا يتم إلا بمعاداة النفس. ولا تعارض بين محبة النفس وبغض الخطأ والذنب الذي أتته، فكما أعاد النبي صلى الله عليه وسلم فهم العلاقة بيننا وبين إخواننا عند الخطأ كما قال: "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" فكذلك يمكننا أن ننظر إلى أنفسنا التي نحبها وننصرها ظالمة أومظلومة. فأما نصرها مظلومة فأخذ حقها والدفاع عنها والتعاطف معها. وأما نصرها ظالمة فبمنعها عن الاستمرار في الظلم وتذكيرها بعواقبه والإشفاق عليها من التدني وذلك دون جلد وشتم. تماما كما منع النبي صلى الله عليه وسلم "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" فلا تكن عونا للشيطان على نفسك.
أدبيات حطم صنمك...(ذاتك): شخصيا، أدت بي كثير من هذه الأدبيات إلى تحطيم ذاتي لا صنمي، تربية النفس على التواضع لا تكون بإهانتها وإذلالها وإنما بإشعارها بنعمة الله. وأول الطريق لاستشعار نعمة الله هو الفرح بها والفرح بما وهبك الله وتقدير الذات.
دعوات النفس
هذه باقة من الدعوات النبوية مما يستوجب التكرار والإلحاح، وهي تصلح التصور عن النفس حتى قبل الإجابة فكيف لو أتم الله النعمة وأجاب؟
"اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها"
"اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي"
"اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"