التمويل الربوي
التمويل في النظام الرأسمالي يعتمد على الفائدة الربوية، ويتلخص تبريرها بأنها ثمن للانتظار والتضحية بالسيولة النقدية، وهي الأساس الذي يقوم عليه العمل المصرفي التقليدي.
والعرب تعرف الربا قبل الإسلام كما في قصة بناء قريش للكعبة، وفيها: (لا تُدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيبًا، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا)، ولذلك قال رسولنا في خطبته في حجة الوداع: «ربا الجاهلية موضوع، أول ربًا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوعٌ، كُلُّه».
والربا محرمٌ في جميع الشرائع السماوية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، و«لعن رسول الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء»، وأخبر أن الربا من السبع الموبقات.
قال ابن قدامة: (كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف).
لأجل هذا انعقد إجماع المجامع، والهيئات، والمؤتمرات الفقهية والاقتصادية الإسلامية على حرمة فوائد البنوك، وأنها الربا الحرام، الذي لا شك فيه.
(كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد: هاتان الصورتان ربًا محرم شرعًا).
قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي رقم: (10)، (10/2)، القرار رقم: (86)، (3/9)
(يحرم اشتراط زيادة في القرض للمقترض وهي ربا، سواء أكانت الزيادة في الصفة أم في القدر، وسواء كانت الزيادة عينًا أم منفعة، وسواء أكان اشتراط الزيادة في العقد أم عند تأجيل الوفاء أم خلال الأجل، وسواء أكان الشرط منصوصًا عليه أم ملحوظًا بالعرف).
المعايير الشرعية التابعة لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار الشرعي رقم: (19)، البند (4/1)
لماذا حُرم الربا؟
الظلم
التمويل بالقروض الربوية فيه ظلم، لأن فيه أخذ مال من غير عوض، فمن يبيع ريالًا بريالين إلى أجل يحصل له زيادة من غير عوض، ولا جهد، ولا عمل، ولا تعرض لربح، وخسارة، وإنما يعيش على كد وسعي الآخرين.
قال ابن تيمية : (حُرم الربا، لأنه متضمن للظلم، فإنه فضلٌ بلا مقابل، وهذا يربي على الكسل والخمول، والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة، والسعي في الأرض بالتجارة والزراعة والصناعة).
وجاء في مفاتيح الغيب: (الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، لأن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقدًا أو نسيئة فيحصل له زيادة درهم من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته وله حرمة عظيمة فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرمًا).
تسليع النقود
التمويل بالقروض الربوية يؤدي إلى تسليع النقود، أي: يجعل النقود سلعة من السلع، وعليه فإنها تخضع لعوامل العرض والطلب، وتتعرض النقود تبعًا لذلك للرخص والغلاء، أو الكساد والرواج.
قال ابن القيم: (الأثمان لا تقصد لأعيانها بل يُقصد التوسُّل بها إلى السلع، فإذا صارت في أنفسها سلعًا تُقصَد لأعيانها فسد أمر الناس)، وقال (يمنع من جعل النقود متجرًا، فإنه بذلك يدخل على الناس من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، بل الواجب أن تكون النقود رؤوس أموال يتجر بها، ولا يتجر فيها).
انقطاع المعروف
التمويل بالقروض الربوية يؤدي إلى انقطاع المعروف بين الناس، والتعاون والتراحم والمواساة والإحسان فيما بينهم، وبذلك تنفصم عرى الرابطة الإسلامية القائمة على التعاطف والتراحم والمحبة، وقيام الصلة فيما بينهم على أساس مادي بحت.
تركز الثروة
التمويل بالقروض الربوية يؤدي إلى تركز الثروة، لأنه يتجه نحو الجهات المليئة التي تستطيع أن تقدم الضمانات المالية الكافية، أما المستثمر الصغير العاجز عن تقديم هذه الضمانات فلن يحصل على التمويل المطلوب ولو كان كفؤًا، ومآل ذلك ونتيجته أن يصبح المال دُولةً بين الأغنياء، وقد نهى ربنا عن ذلك، كما في قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}، لأنه أمر يترتب عليه عدد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المدمِّرة.
فصل التمويل عن النشاط الاقتصادي
التمويل بالقروض الربوية يفصل التمويل عن النشاط الاقتصادي، فيصبح التمويل نشاطًا ربحيًا دون أن يكون له ارتباط مباشر بالتبادل الحقيقي، حيث يمكن للقرض أن يولد عائدًا مقابل التمويل دون أن يكون له صلة مباشرة واتصال عضوي بنشاط يولد قيمة مضافة، ولذلك يصبح معدل نمو المديونية منفصلًا ومستقلًا عن معدل نمو الناتج الحقيقي.