أقدم أسلوب للبناء
البناء بالحجر
في هذه التدوينة، معلومات وتفاصيل قد لا تهمك عن البناء بالحجر. إذا ما عندك شيء، كمل التدوينة وبتستفيد بعض المعلومات
العصر الحجري
الحجارة متواجدة بكثرة فوق الأرض وفي باطن الأرض. كانت الحجارة من أوائل الأدوات التي استخدمها الإنسان للإنتاج. العصر الحجري هو عصر ما قبل التاريخ المدون، ويمتد لمئات الآلآف من السنين. والمعروف أنه انتهى ببداية تقنية صَهرْ الحجر (طاقة عالية لتحويل واستخراج المعادن من الحجر). بهذا بدأ العصر البرونزي (مسمى على البرونز، bronzium عبارة عن خليط أكثره من النحاس ثم الزنك والقصدير).
لماذا لم يبدأ العصر الحديدي قبل البرونزي؟ سؤال مهم، والأهم لماذا العصر الحجري قبلهم كلهم؟!
الجواب باعتقادي يكمن في “الطاقة” اللازمة للإنتاج. فالحجر متوفر في الطبيعة ولكنه يحتاج لبعض التشكيل ليحقق المهمة المطلوبة منه كأداة. بينما صهر المعادن يتطلب طاقة عالية لصهر الحجر واستخراج المعدن المطلوب (أو طحن الحجر كما في استخراج الذهب وبعض المعادن الأخرى). معدن النحاس يذوب عند درجة حرارة أقل من الحديد (قد يكون هذا سبب من أسباب انتشار استخدام الإنسان للبرونز قبل الحديد). تخيل لو كنت في العصر البرونزي، وجاك واحد يوريك التقنية “الحديدية” الجديدة، وش تتوقع ردة فعلك؟ طبعاً هذا “الإنتربرنور” حقهم هههههه
نرجع للحجر، أنواع الحجر/الصخور في الطبيعة يصنفها الجيولوجيين إلى طريقة تكوّن ونشأة الحجر طبيعياً. فالحجر قبل أن يكون حجراً، كان في شكل معين ثم تكوّن. التصنيفين الأساسيين للحجارة حسب مصدرها هي:
صهارة بركانية
رواسب
وهنا تسمى صخور بركانية أو صخور رسوبية. وفيه نوع ثالث ممكن يتكون ويسمى صخور متحولة (قد يكون أصله بركاني أو رسوبي). يتحول الصخر إلى شكل آخر بفعل الحرارة والضغط المستمر
لماذا البناء بالحجر؟
عندما يبني الإنسان (وكثير من المخلوقات)، فهو يحاول بناء وعاء للحماية من العوامل الطبيعية مثل الرياح، وأشعة الشمس، ودرجات الحرارة الطرفية من برودة وحرارة وغيرها من العوامل التي تسرع من الإنتروبيا Entropy. بالإضافة لذلك، فالبناء يوفر حماية نفسية وأمنية من باقي المخلوقات والكوارث الطبيعية.
كثير من المواد قدرة تحملها لهذه العوامل والمخاطر منخفضة بالمقارنة مع الحجارة والصخور. المباني التاريخية تعطينا الكثير من المعلومات عن مميزات البناء بالحجر. ستجد الكثير من المباني التاريخية حول العالم، بنيت بالحجر. هذا لا يعني أن الناس عاشوا خلال التاريخ الغابر في المباني الحجرية فقط، ولكن قد يكون هذا الأثر الذي تبقى. فمن عاش في مبنى من قصب أو خشب، تحلل ولم يعد له وجود. كثير من المباني التاريخية لا أسقف لها وذلك لتحلل هذه الأسقف (يصعب بناء الأسقف من الحجر. مع إمكانية ذلك بالأقواس والقبب والأعمدة، لكن يتطلب مهارة عالية ورياضيات!).
تعال نشوف المباني الخرسانية الحديثة، ستجد أنها مكونة حجمياً من 3 عناصر أساسية. أسمنت ورمل وبحص. الحديد حجماً ووزناً لا يشكل نسبة كبيرة من المبنى، فالبلك والاسمنت والخرسانة مصدرها حجارة تكسر وتطحن وتخلط وتحرق لتصبح مادة أولية للبناء. التحدي غالباً يكمن في بناء مبنى بخواص فيزيائية تشابه الحجر في صلابته (المرونة أيضاً مهمة، ولكن البناء بالحجارة لديه أساليب للتغلب على هذه المشكلة خصوصاً في المواقع التي تتأثر بالهزات الأرضية). لهذا نسب الخلط وعملية تروية هذة الخلطة بالماء “Hydration” بشكل صحيح مهمة جداً لمقاومة هذا البناء للعوامل التي ذكرتها سابقاً بالإضافة للجاذبية الأرضية (عند قدرة الإنسان على فهم الجاذبية وتغيير اتجاهها أو قوتها، سيتغير كل شيء!)
لماذا لا نبني بالحجر؟
لأسباب متعددة، أولها التكلفة. هذه التكلفة تتقسم إلى تكلفة متعلقة بشكل مباشر بالحجر وأخرى غير مباشرة. التكاليف المباشرة للبناء بالحجر، مثل صعوبة نقل وتشكيل الحجر ليناسب البناء (على شكل ثلاثي أبعاد بمقاسات ثابته) وارتفاع كثافته وثقل وزنه. المتر المكعب من الحجارة يبدأ من 2.2 طن ويصل إلى 3 طن حسب نوع الحجر. هذه التكلفة ينافسها وجود منتجات بديله مثل الطوب والبلك والإسمنت. من التكاليف غير المباشرة، هو تكلفة مساحة المبنى. فالمبنى الحجري له رقعة أكبر على الأرض مقابل المساحة المستفاد منها وذلك لسماكة الجدران. ستجد أن المباني في المدن كل ما لها تصبح جدران من الفلين والعوازل مع بعض من الحجر أو الإسمنت. الهدف من كل التقنيات الحديثة في البناء هو تخفيض رقعة الجدران (نسبة أعلى للمساحة المستفاد منها مقابل رقعة المبنى) وفي نفس الوقت بناء مباني بكفاءة طاقة تشغيلية وتكلفة ممتازة. فالمباني تتقارب لتصبح مباني فلينية أو بلاستيكية خصوصاً في المواقع التي تسيطر عليها درجات حرارة متطرفة (برودة وحرارة)
إذاً هل انتهى عصر البناء بالحجر؟
لا يمكن الجزم بذلك، فالذي جعل الإنسان القديم يستخدم الحجر كأول الأدوات للبناء والصيد وغيرها، يؤكد وجود فائدة كامنة في الحجر. فهو عبارة عن طاقة مخزنة في كتلة (انصهار المعادن وإعادة تشكيلها في هيكل الحجر). ولكن!
أعتقد أن البناء بالحجر في العصر الحديث، هو مثل الأعمال الفنية التي يقوم بها الإنسان بغض النظر عن التكلفة. فلكل حجر وجيه متعددة تختار أحدها ليكون ظاهراً للعيان وتشكل بقية الوجية للتوافق مع المجاور لها من الحجارة الأخرى. اختيار حجر معين للبناء هو عبارة عن مجموعة قرارات، وإعادة تشكيله مجموعة أخرى من القرارات.
أحد الكتب الخفيفة اللطيفة عن البناء بالحجر بدون استخدام الاسمنت “Dry Stone Building“، هو كتاب “Building Stone Walls”. الكتاب عملي ومفيد لمعرفة الأساليب الأساسية للبناء بالحجر، ويعتبر مدخل جيد لهذا العالم الرهيب
في اعتقادي الشخصي، أن الحجر هو أفضل مادة بناء، هيكلياً وبصرياً ومعمارياً وفنياً، رغم كل التحديات في استخدامه للبناء. رغم الجهد البدني والذهني، إلا أن لعشوائية اللون والشكل توافق طبيعي مع المكان. ربما العشوائية المقننة هي الحلّ. يبدو أن الطبيعة تستخدم هذا في كل شيء!
تذكّر:
اختيار حجر معين للبناء هو عبارة عن مجموعة قرارات، وإعادة تشكيله مجموعة أخرى من القرارات