قطعة الاحجيه الناقصه 

بدأ الامر في مارس،حين بدأ كورونا بالزحف الينا مقترباً من اقصى الصين..توقفت الدراسه،انباء عن بداية حجر صحي رسمي مع وجود توصيات مسبقه ببقاء الجميع في المنزل،ذهبت الى جرير لتجهيز مؤونة تساعدني على تجاوز ملل الايام في المنزل،اقتنيت كتاب عالم صوفي -لم ابدأ بقراءته حتى الآن-.

و بمحض الصدفه تذكرت انني مهتمه بتجربة تركيب الـpuzzle (احجيه،لغز،قطعة تركيب،الخ...) ذهبت عند قسم الالعاب وتملكتني الحيره،لا فكرة مسبقه لدي عن عدد القطع التي بامكان مبتدئ ان يبدأ بها،ولم اعرف ان شكل التركيبه والوانها يحدث فرقاً هائلاً عند البدء بالتركيب..على اية حال اقتنيت خاصتي بعشوائيه تحت تأثير الانبهار بجمال الرسمة المختاره،كان شفق قطبي درجات الوانه تأسر القلب،كانت رسمة هادئة وحالمه تشبهني -وجدت لاحقاً انها تشبهني بشكل اعقد- (: و المخاطره الكبرى انها ١٠٠٠ قطعة

بدأت بها في اليوم التالي وشككت في قدرتي على اكمالها منذ اللحظة الاولى،كل القطع تشبه بعضها الى حد انها تُرى متطابقة لان درجات الالوان -نفسها التي ابهرتني وللاسف- كانت محيرة بشكل فضيع وهنا بدأ الفخ الاكبر والعقبه الاولى.



اصبح الموضوع شخصياً واكبر من مجرد لعبة سأقضي بها وقت فراغي،تحديت نفسي بالبدأ بها و اظهار ملامحها على الاقل،اما باقي الصعوبات فلها وقتها.

بدأت بفرز الالوان قدر الامكان،وبدأت بتركيب المحيط،واثناء هذا كانت العقبه الثانيه بانتظاري،مقاس الطاوله اصغر كثيرا من مقاس القطعه،اضطررت لنقل كل ما انجزته بصعوبة الى طاولة اخرى.

بدأت بالتركيب وكان تقدمي متذبذباً،اركب احيانا عشر قطع في ربع ساعه،واحيانا تمر ساعة كامله ولا اركب الا اربع قطع (: لم اشعر بالوقت نهائياً وكنت في غاية تركيزي وفي الحقيقة كان الموضوع صعباً الى درجة ظننت اني لن اراها مكتمله وسأستسلم قبل ذلك.

بعد مرور اسبوع بدأ وميض أمل خفيف بالظهور،اصبحتُ اسرع و صرت اتخذ نمطاً خاصاً في التركيب..

في اليوم التاسع اكملت نصفها! في تلك اللحظة ادركت انها ستكتمل لا محالة،وبدأ الموضوع يصبح اسهل،وانتهيت منها في اليوم الحادي عشر.

قطعة التركيب بعد اكتمالها

كان انجازاً لا يوصف،كنت على وشك الاستسلام مرات عديده،طلبات المساعده احياناً ولكن لم يفلح هذا لانني انا فقط من يألف هذه القطعه وأدرك ماعلي فعله في المرحله التاليه وكما ذكرت انني اتخذت نمطاً معين واعتدته،اكملتها وحدي،وأخجل ان اقول وحدي دون ان اذكر المرافق الذي اصبح لاحقاً شيء لا استغني عنه اثناء التركيب "سماع البودكاست" كان السبب في عدم شعوري بالوقت او الملل،ازددت معرفة وجربت لأول مرة التركيز التام،كانت تجربة لا توصف و اجزمت انني سأكررها بكل تأكيد.

من المفترض ان تنتهي التدوينة هنا كي لا تشعر بالملل،ولكن اشعر بأني ظالمة حينما اتحدث عن الأولى بصعوبتها ومتعتها وانسى الباقي.


الثانيه كانت هدية -من ١٥٠٠ قطعة- ، برسمة مبهره ايضاً وساحره..دافئه تبث الهدوء في النفس،احببتها من حبي لمن اهداني اياها،وقبل ان ابدأ بها راجعت مقاساتها -تعلمت من اخطائي (:- و طلبت من والدي ان يحضر لي سطحاً ما..فلينة او طاولة او قطعة خشبيه اياً يكن،احضر لي سطحاً خشبياً مطلي بالابيض مثالي المقاسات و خفيف لأحمله غرفتي،بدأت بتوسعة المكان و رحبت بالمتعه التي تنتظرني،كان الموضوع اسهل كثيراً بكل تأكيد و عامل التغير الواضح كان في الوان ومعالم الرسمه،كانت الرسمة اسهل و الوانها متنوعه يسهل وصول كل قطعة لما يشابهها،اما الحجم فكان سيأخذ وقتاً اضافياً لا اكثر -لم اشعر بالفرق كثيرا-

بدأت بتجهيز برامج البودكاست التي اريد سماعها،وبدأت احسب الوقت،كانت الساعه تمر وكأنها دقيقه،

لم يتملكني يأس واحباط نهائيا عند تركيبي لها بل على العكس كنت متشوقه لإنهائها



انهيتها بعد ٨ ايام وكانت المفاجئة ان قطعة ناقصه،شعرت باحباط مختلط بغضب لانني كنت مرتبه جدا في التركيب واحرص الا تضيع اي قطعة:فهذا كابوسي الاول منذ بدأت التركيب،بحثت عن القطعه لأيام ولكنني في النهايه تجاوزتها وتقبلت الامر والتقطت صورة اخفيت بها مكان النقص.

ولكن فقدانها ادخلني في حالة تأمل ودراما,كانت القطعه جزءا من سماء الرسمه..سماوية متأثرة باشعة الشمس،قريبة من الشجره لذا اتخذ جانب بسيط منها اللون الاخضر..هجينة بين السماوي والاصفر و يزينها اللون الاخضر الفاتح،كانت القطعة تشبهني،تنتمي لدفء اللوحة ولكنها مفقوده،

كنتُ رافضة ان اعيد التركيبه الى الصندوق دون ان تلتقي التائهه بمكان انتمائها،شعرت انني مدينة لها وللوحة كامله بأن تكتمل،القطعه الناقصه هي سبب الهام هذه التدوينة،

على اية حال كما ذكرت اني تجاوزت الامر بعد ايام -والقيت اللوم على المصنع- (:

اشتقت بعد شهرين لأن اركب للمرة الثالثه،فاشتريت اخرى من ٥٠٠ قطعه كانت ممتعه ولكنها صعبة ذكرتني بصعوبة الاولى،مشاعري لها ليست بنفس المشاعر التي احملها للاولى والثانيه.

*لا اظن ان رحلتي مع التركيب ستنتهي,اتخذتها هوايه.

Join