قُدسية الذكريات
أهلاً،
عندي مشكلة بسيطة مع الذكريات كثيرة الاستذكار والاسترجاع، التي تفقد رونقها وجمالها وربما غبارها من كثرة الرجوع لها ووجودها بيننا على الدوام. الصور القديمة على سبيل المثال، لا أحبذ استعراضها كثيراً، قص القصص بشكل متكرر عن أشخاصها ووقت التصوير، والمكان وكيف تحوّل مع الوقت. كمّ كبير من القصص التي حدثت خلال تلك المرحلة أو في نفس تلك الزاوية. كيف شاخ من بالصورة أو شبّوا أو رحلوا من بيننا. كل هذه المشاعر التي يمكن الحديث عنها، قد يُفقدها التكرار كل جمالياتها بسطوته الدائمة. الأمر أشبه بأغنية جديدة، عندما تسمعها للمرة الأولى وتعجبك وتدهشك، ثم بعد تكرار سماعها كل يوم، ستضيع الدهشة حتماً، وتملّ منها ومن سماعها.
وعلى ذكر الذكريات، أمس، في ساعة فراغ انتابتني بحثت عن فيلم كارتوني قديم كان يشكّل بالنسبة لي الكثير من الذكريات الجميلة، لم أشاهده من فترة الطفولة عندما كنت أشاهده على تلفزيون صغير حينما كان لا يسمح لي بمشاهدة التلفزيون إلا وقت عرض المسلسل، ولم يسبق لي أن بحثت عنه أو رأيت أي فيديوهات له. بعد القليل من التنقيب وجدت بعض من حلقاته بدقه ضعيفة وبعضها باليابانية. يا الله كمية ذكريات ومشاعر تدغدغ القلب. كيف يمكن أن تُفقد هذه المشاعر بإصرارنا على تذكّرها كل يوم؟
موضة الشوق المستمر للذكريات عند هذا الجيل، ونشر فيديوهات وأغاني أفلام الطفولة على الدوام أفقد كابتن ماجد وحكاية لعبة وعهد الأصدقاء وريمي وسالي وغيرها الكثير الدهشة بالتذكّر ودغدغة المشاعر حينما تتنبّه فجأة لحفظك للحوارات والشخصيات رغم مرور كل هذه السنوات!
فكرت في كمية الذكريات التي فقدناها مع الوقت -إما بكثرة استرجاعها، أو بنسيانها تماماً- أمر مزعج جداً. وهذا ما يجعلني دائما لا أقرأ ما أكتب من مذكرات، ولا أرجع للصور كثيراً، ولا أكرر حكاية الذكريات كثيراً، أملاً في ألّا أفقد دهشة استرجاعها في كل مرة أفعل ذلك. وقد أكون مجحفة بحقها في فعل كل هذا!