التغلب على القلق والتوتر دون الذهاب لمعالج
د. سعيد بن سعد الزهراني
استشاري علم النفس العيادي - العصبي
عندما تعاني من القلق أو التوتر ولا تستطيع مراجعة معالج نفسي لسبب أو آخر فإنه بإمكانك اللجوء إلى بعض الإجراءات والممارسات الذاتية البسيطة التي ثبتت فعاليتها في تخفيف القلق والتوتر في الكثير من الحالات. وفيما يلي عرض موجز لأهم تلك الممارسات التي قد تساعدك كثيراً متى ما التزمت بها وداومت على ممارستها.
الاسترخاء Relaxation
للاسترخاء مكونين أحدهما داخلي انفعالي والآخر خارجي جسدي. وتتمثل الفكرة الرئيسة لهذه الممارسة في أنه ومن خلال استجاباتك الجسدية الخارجية يمكنك إحداث تغيير في استجاباتك الانفعالية الداخلية. فعندما تحرر عضلات جسمك من التوتر أو الشد فإنه حينئذ يمكن التقليل من إحساسك بالتوتر القلق. وبشكل عام؛ يتضمن الاسترخاء تفحص جسمك من أعلى رأسك إلى قدميك والتخلص من أي توتر في عضلاتك بشكل منهجي. ولقد أظهرت الدراسات أن الاسترخاء العضلي أكثر فعالية من العلاج الدوائي الوهمي Placebo Medication في الحد من أعراض عدد من اضطرابات القلق، بما في ذلك القلق العام والهلع والقلق الاجتماعي. ونورد في النقاط التالية وبإيجاز شديد خطوات الاسترخاء التي بإمكانك ممارستها بالتتابع.
استرخ على كرسي أو على سجادة مريحة.
خذ نفساً عميقاً ثم أخرجه وأغلق عينيك.
ركز انتباهك على جبهتك ولاحظ أي توتر فيها ثم اسمح لعضلاتها بالاسترخاء.
انتقل بانتباهك إلى العضلات التي حول عينيك وحررها أو خلصها من التوتر.
اسمح بعدئذ للشعور بالاسترخاء أن ينتشر إلى فكك ورقبتك.
استمر في إرخاء كل مجموعة عضلية في جسمك بشكل منتظم منتقلاً من الكتفين إلى الذراعين ثم إلى الجذع وما يلي ذلك نزولاً إلى أن تصل إلى أصابع قدميك.
خذ في الأخير نفساً عميقاً ثم أخرجه وافتح عينيك.
التأمل Meditation
يُشار إلى التأمل على أنه تركيز للانتباه وإفراغٌ لحظي للذهن من الأفكار والهواجس واستجرار الذكريات. كما يُشار إليه على أنه مجرد تحقيق حالة من عدم التدخل Non-Intervention العقلي، حيث تسمح للأفكار بالدخول إلى عقلك والخروج منه دون محاولة إيقافها أو التشبث أو الاحتفاظ بها. ويمكن بفعل الممارسة المستديمة جعل التأمل عادة عقلية تتغلب من خلالها على القلق وأعراض الهلع لاسيما لحظة حدوث نوبة الهلع. وتتمثل إحدى الطرق البسيطة التي يمكنك استخدامها للدخول في حالة من التركيز والتأمل في أي موقف كان فيما يلي: ببساطة حاول العد من واحد حتى عشرة، وعندما تصل في العد إلى عشرة تأكد من عدم الذهاب إلى أبعد من ذلك بل العودة إلى الرقم واحدة والبدء في العد مرة أخرى. وقد تفضل قول الأذكار وتكرارها مثل أن تقول "لا إله إلاّ اللّه، وحده لا شريك له". قد تبدو هذه الطريقة بسيطةً جداً وسطحية، لكنها في الحقيقة طريقة جيدة وفاعلة للحفاظ على ذهنك في حالة من الوعي المركز. وسوف تتفاجأ بمدى سهولة استمرار عقلك في العد إلى أعلى من رقم عشرة ما لم تتذكر في كل مرة العودة إلى رقم واحد وبدء العد من جديد. وكذلك الحال بالنسبة للدعاء حيث يمكن استمرار عقلك في الدعاء مثل الاستطراد في الدعاء السابق وقول ".....، له الملك وله الحمد، وهو على كلّ شيء قدير". ويمكنك استبدال العد أو الدعاء بتكرر بيت من الشعر مألوف لك مع منع عقلك من قول ما بعده من أبيات. ويمكن المزاوجة بين الاسترخاء والتأمل وذلك كما في خطوات التمرين التالي الذي عادة ما يستغرق بضع دقائق:
اجلس على كرسي مريح وضع قدميك على الأرض في وضع مريح أو أجلس متربعاً على سجادة مريحة.
أرح يديك برفق على فخذيك وأغلق عينيك.
ابدأ بالتنفس ببطء من خلال أنفك.
ركز على برودة الهواء عند دخوله أنفك ودفئه أثناء خروجه ببطء.
إذا كان ثمة أفكار عشوائية تتجول في ذهنك تتعلق بالواجبات التي عليك القيام بها أو المكالمات التي عليك إجراؤها أو غير ذلك، فقم بتوجيهه بلطف إلى الشعور بأنفك بينما يتحرك الهواء إلى الداخل وإلى الخارج.
دع جسمك يشعر بالاسترخاء مع تزايد الشعور بالسلام والهدوء الذهني.
استمر في هذا لمدة دقيقة أو دقيقتين، ثم افتح عينيك.
التنفس الحجابي Diaphragmatic Breathing
قد ينصحك البعض عندما تكون في حالة قلق أو نوبة هلع بالتنفس العميق، قائلين: "خذ نفس عميق". هذه النصيحة لسوء الحظ غير مفيدة، لأننا عندما نتنفس بعمق نميل إلى ملء صدورنا بالهواء وقبض بطوننا. هذا النوع من التنفس في حقيقته مرتبط بالقلق ولا يمنع فرط التنفس Hyperventilating. والنصيحة المفيدة هي التنفس الحجابي أو البطني الذي تملأ فيه كامل الحجاب الحاجز بالهواء وتمدده، والحجاب الحاجز هو العضلة الكبيرة التي تحيط بالرئتين وتتحكم فيها. على أية حال؛ هذا النوع من التنفس يجعلك تشعر بتوسع بطنك. ويرتبط هذا التنفس بمشاعر الراحة الفورية وتخفيف التوتر، وبالتالي تنظيم مشاعرك عندما تكون في حالة من القلق أو في نوبة هلع. وللتنفس الحجابي العميق يمكن اتباع الخطوات التالية.
أرخ كتفيك.
ضع إحدى يديك على صدرك والأخرى على بطنك.
تنفس من خلال أنفك مع إغلاق فمك لمدة ثانيتين على الأقل.
أدفع بطنك إلى الأمام أثناء الشهيق وأجعله ينتفخ أكثر من صدرك.
إخراج النفس بزفرة واحدة طويلة بوتيرة بطيئة عبر شفاهك المزمومة.
أثناء الزفير، اضغط بلطف على بطنك واسمح له بالنزول، فهذا يضغط على الحجاب الحاجز لمساعدتك على إخراج الهواء.
كرر الخطوات السابقة لعدد من المرات.
النوم الجيد Sleeping Well
عادةً ما يصاحب القلق والتوتر مشكلات جوهرية في النوم، وللتغلب على تلك المشكلات يمكن اللجوء إلى تطبيق بعض الطرق البسيطة، وهي:
لا تذهب إلى السرير وتحاول إجبار نفسك على النوم إذا لم يكن لديك رغبة في النوم. وغالباً ما ترتبط أفكار القلق واستجرارها بالاستلقاء على السرير دون الحاجة للنوم. لذا فإنه من الأفضل تشتيت نفسك بأية نشاط إلى أن تشعر بالتعب الحقيقي وتكون جاهزاً تماماً للنوم.
لا تشغل نفسك قبل النوم بالشاشة المضية للجوال أو الكمبيوتر، لأن الضوء المستخدم في الشاشات الإلكترونية من المنبهات التي تبقي أدمغتنا في حالة يقظة.
تساهم قراءة الكتب الورقية أو القيام بعمل متكرر بسيط في حدوث نوع من التعب الطبيعي الذي يؤدي بدوره إلى نوم صحي.
تجنب شرب أو تناول أية شيء يحتوي على الكافيين في وقت متأخر من اليوم. ومن المعلوم دوام التأثيرات الكيميائية للكافيين لفترة أطول بكثير مما يتوقعه الكثير من الناس.
الأنشطة البدنية Physical Activities
تُسهم الأنشطة البدنية والرياضة والجري والسباحة بشكل ملحوظ في الحد من أعراض القلق وتخفيف جميع أنواع الإجهاد. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذه الأنشطة تؤدي بشكل طبيعي إلى إطلاق المواد الكيميائية المرتبطة بالقلق واستجابات الذعر، وتوجيهها بطرق صحية، مما يؤدي إلى الشعور الطبيعي بالتعب الجسدي الذي يؤدي إلى نوم صحي في الليل. ولليوغا Yoga على نحو خاص دور في خفض مشاعر القلق كونها تعتمد على التركيز الذهني، فهي في هذا الجانب ذات تأثير مشابه للتأمل المذكور سابقاً.
في حال كانت أعراض القلق والتوتر شديدة، فضلا قم بالتوجه للعيادات المختصة لمساعدتك.