الحلقة (3) - دور المختص النفسي مع مصابي الحوادث
الضيف: أ. نور الخضر
أخصائية نفسية ، مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الأنسانية
تحدثنا عن:
الخدمات النفسية التي تقدم لمصابي حوادث السيارات ومن أهمها دور الأخصائي النفسي والمعالج النفسي.
ما هي أنواع الإصابات لمرضى مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية لحوادث السيارات ،و أكثرها صعوبة ؟
ماهي الأعمار المتكررة للمصابين ؟
متى يتم تحويل المصاب بحادث سيارة إلى الأخصائي النفسي للتقييم السريري ، ومتى يحول للمعالج النفسي للبدء في العملية العلاجية ؟
ماهي الأعراض النفسية أو الاضطرابات النفسية المصاحبة لمصابي حوادث السيارات ؟
ما هو كرب ما بعد الصدمة ؟، كيف تتم العملية العلاجية لهم
نص الحلقة
أ.حصة الغامدي:
في حلقة اليوم سنتكلم عن موضوع من المواضيع التي قلَّ ما يتم التطرق إليها وهو الخدمات النفسية التي تقدم لمصابي حوادث السيارات، ومن أهمها دور الأخصائي النفسي والمعالج النفسي في مدينة الأمير سلطان الإنسانية فهو تقريباً أفضل مكان يقدم خدمات متكاملة لمصابي حوادث السيارات.
دعني أسألك أول سؤال ما أنواع الإصابات التي تأتيكم من حوادث السيارات؟ وما هو أكثرها صعوبة؟
أ-نور الخضر:
اكثر الأنواع التي تأتي من حوادث السيارات هي إصابات الحبل الشوكي وإصابات الدماغ، وإصابات الحبل الشوكي تختلف من شخص إلى آخر على حسب المكان المصاب أو حسب الفقرة المتضررة من الحادث أو من الإصابة، أما إصابات الدماغ فتختلف على حسب المنطقة المصابة من الدماغ ومدى تأثيرها، "وأكثرهم صعوبة" فالصعوبة لها علاقة بعمر المريض وقدرات المريض العقلية قبل الإصابة وبعد الإصابة وحالته النفسية قبل الإصابة، مثلًا: هل لديه تاريخ مرضي؟ هل لدى أي شخص في العائلة أي اضطرابات نفسية قد تأثر أو تساهم أو تستثار بعد اصابات الدماغ؟ الحبل الشوكي؟ الصعوبة التي من الممكن أن يواجهها الأخصائي النفسي أو المختص النفسي عادةً تكون تقبل المريض لإصابته أو تقبله للعلاج النفسي، هذه واحدة من أهم الصعوبات التي من الممكن أن نواجهها مع المريض، أو حتى تقبل الإصابة نفسها العضوية وبعد ذلك كيف أنه قد يتقبل الإصابة النفسية.
أ-حصة الغامدي:
حسنًا، ما الأعمار المتكررة للمصابين أو عادة تكون أعمارهم بحدود؟
أ-نور الخضر:
لا يوجد عمر محدد، الأعمار عادةً تكون من سنة أو أقل حتى 70 سنة، فالعمر ليس عاملًا أساسيًا في الإصابة، وليست الإصابة شيئًا اختياريًا، هي شيء فجائي أو شيء غير مخطط له إطلاقاً، فالأعمار في إصابات الحبل الشوكي نتيجة حوادث سيارات إذا كان الشخص هو السائق يكون من 14 إلى مثلاً 35 سنة، وإذا كان هو الراكب فتختلف الأعمار قد يكون طفلًا وقد يكون بالغًا ممكن يكون شخص فوق 50 أو 60 أو 70 سنة.
أ-حصة الغامدي:
إذن أفترض أن السائقين يأتون إليكم أكثر من الركاب ؟
أ-نور الخضر:
حقيقةً لا نستطيع أن نحدد وذلك بسبب أن الكرسي الذي بجانب السائق يكون أيضا كرسيًا معرضًا لإصابات الحبل الشوكي لذلك يوجد إصابات نساء وإصابات رجال بنفس الدرجة.
أ-حصة الغامدي:
متى يحوّل المصاب بحادث سيارة إلى الأخصائي النفسي للتقييم السريري؟ ومتى يحول للمعالج النفسي للبدء في العملية العلاجية؟
أ-نور الخضر:
حقيقاً لا يوجد تحويل، فبمجرد دخول المريض إلى التنويم خلال 48 ساعة، نقوم بتقييمه نفسيًا، (تقييم الحالة النفسية والعقلية وتقييم المزاج والقدرات العقلية) بعد هذا التقييم يبدأ الأخصائي أو المختص النفسي بوضع الخطة العلاجية المناسبة للمرض نفسه على حسب الاحتياجات، وأيضًا على حسب اهتمامه، وعلى حسب قدرة الشخص نفسه على تقبل هذا العلاج؛ لأن بعض المرضى يكون تقبلهم محدود جداً، فنبدأ من خلال المعالجين بالتدخل النفسي، بمعنى لا يصبح تدخلًا نفسيًا بشكل مباشر لكن من خلال تثقيف المعالجين والذي يقوم بذلك هو المعالج الطبيعي والمعالج الوظيفي للتخاطب في المشاركة في الخطة العلاجية، بعد ذلك يمكننا أن ندخل بعد أن تستقر الحالة أو أن يصبح هنالك القليل من التقبل للعلاج النفسي، لأن التقبل لا يكون دائمًا عاليًا، لأنهم جاؤوا لهدف معين، فيظن طالماً عنده إصابة عضوية فهو يحتاج أن يعالج عضوياً فقط، وهذا تفكير غير سائد لكننا نواجهه أحيانا.
أ-حصة الغامدي:
ما أكثر الأعراض النفسية أو الاضطرابات النفسية المصاحبة لمصابي حوادث السيارات؟
أ-نور الخضر:
الأكثر... لدينا أكثر من اضطراب قد نتوقف عنده، مثلا: "القلق العام" فيحمل هم المستقبل بعد الإصابة وكيف يكمل حياته وكيف يتزوج وإذا كان متزوجًا كيف سيكمل حياته، وقدراته الجسدية لا تساعده مثلما كانت سابقًا، كيف يستطيع أداء عمله خاصة من يتطلب عمله حركة ومجهود بدني أكثر من عقلي، فتكون الخطط المستقبلية شغله الشاغل، والقلق واحد من أهم الاضطرابات التي نواجهها، الخوف من المستقبل والغموض بمعنى حمل هم مواجهة المستقبل، والثقة بالنفس تنخفض بشكل واضح جدًا، قد يصبح هناك بعض من أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي أو الخوف الاجتماعي بسبب عدم التقبل للوضع الحالي فالبتالي لا يستطيع الخروج والتفاعل مع الناس، وبالتالي التجنب عالي جداً، ويوجد أيضًا الاكتئاب نتيجة للقلق ولتفكيره بالمستقبل وكيف أن الأشياء التي يطلبها لم تعد بيده الآن فمشاعره عادةَ حزينة وليس لديه استمتاع، فاللحظة القادمة شاغلة باله أكثر من اللحظة الحالية، وكثير مِن المصابين بالحبل الشوكي أو إصابات حوادث السيارات يصبحون مشغولين بالتفكير فيما قد يفقدونه جراء هذا الحادث، مثلاً أن يفقد وظيفته أو زوجته أو أسرته أو دراسته فيصير خوفه من الفقد عالٍ جداً، ومن الأشياء الواضحة جداً اضطراب ما بعد الصدمة والذي عادة ً يصيب الشخص عندما يتعرض لحادثة قوية تثير القلق عنده بشكل عالٍ جداً فيسترجع الذكريات ويسترجع الحادث ويسترجع المكان والأحلام والكوابيس هذه الحالة تحدث من القلق، وهي شديدة جدًا.
أ-حصة الغامدي:
ما هو أضطراب ما بعد الصدمة؟ أتمنى أن تقومي بشرح ذلك.
أ-نور الخضر:
اضطراب ما بعد الصدمة لا يتضح في البداية غالبًا، لأنهم يكونون في حالة إنكار، فتقول الحالة: أنا لا أعاني من شيء، سأمشي بعد فترة، ليس لدي أي مشاكل، لكن حينما تمشي وبنفس الوضع لا تشعر بالتحسن الذي تتوقعه، هنا تبدأ أعراض القلق وأعراض الحزن بالارتفاع، وتظهر الأعراض حينما يبدأ بتذكر الحادث وحينما يأتي المختص النفسي ويسأل عن تفاصيل الحادث تبدأ الأعراض الجسدية بالظهور (القلق والتوتر ورعشة وصعوبة في التنفس وزيادة في دقات القلب) كله حينما يبدأ بتذكر الحادث بالتفصيل، أحياناً ما يقدر يتذكر التفصيل ويكون التجنب عالٍ جدًا ويصبح كأنه لم يحدث، ويقول لك: لا تذكر كيف حدث الحادث، وحينما يسأله المختص هل أخبرك أحد قال لك عن الحادث؟ ما أدري وش قالوا فيصبح في تجنب عالٍ لاسترجاع الفكرة؛ لأن استرجاع الفكرة أو استرجاع الموقف يجعل الشخص يعيش ذات إحساس اللحظة التي عاش فيها، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى للإنسان أنه في وقت الحادث لا يتذكر المصاب معظم التفاصيل لكن حينما يسمع التفاصيل فيما بعد أو ينظر إلى صور الحادث يبدأ باسترجاع الأحداث شيئًا فشيئًا، الشخص الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة لا يستطيع أن يسترجع هذه التفاصيل تصبح مشوشة قليلًا وغير واضحة بالنسبة له إضافة إلى هذا فهو يعاني من أفكار اقتحامية وكلما حاول أن يشتت نفسه لا يستطيع ذلك فيجد الحادث أمام عينيه وكلما مر بالشارع الذي حدث فيه الحادث فإن التفاصيل تتسع وتزيد في ذهنه، هذه الأعراض تظهر كلما مر الشخص بنفس مكان الحادث أو كلما تفاعل مع نفس الأشخاص، فتجده حين يمر من نفس الشارع الذي حدث فيه الحادث فكأن الحادث يحدث من جديد، وكذلك عندما يقابل ناس كانوا معه في الحادث أو يخصهم الحادث، وذات الشيء إذا جاء يوم له نفس تاريخ الحادث، كل هذي الأشياء قد تستثير المشاعر عند المصاب وتجعله يشعر بحالة من القلق والخوف الشديد جداً، واضطراب ما بعد الصدمة عادة يظهر بعد شهر من الإصابة وأحياناً يظهر بعد سنوات وقد لا يظهر أثر الحادث بشكل واضح، فقد يظهر على شكل القلق أو الاكتئاب، ولا يظهر بشكل صريح، فمن الممكن وقت استثارة الحدث أن تكون الأمور مستتبة ولا تظهر أي مشاكل ولكن عندما يمر من المكان يشعر بضيق وتوتر وخوف لكن لا يستطيع الربط بينهم.
أ-حصة الغامدي:
كيف تتم العملية العلاجية لهم؟
أ-نور الخضر:
أولًا في التقييم، عادةً نعتمد على التقييم الدقيق لكي نتمكن من معرفة مدى حدة اضطراب ما بعد الصدمة هل هو بسيط أم متوسط أم شديد، ثم بعد التقييم تأتي خطوة أعمق وندخل في التفاصيل، والتفاصيل لا أٍتطيع معرفتها من أول جلسة؛ فعملية التقييم مع المختص النفسي هي عملية مستمرة من أول جلسة حتى آخر جلسة، لكن في كل جلسة يستطيع المختص إكمال الخريطة الخاصة به وبالمريض، وبعد التقييم يبدأ التثقيف النفسي بمعنى تثقيف المصاب عن هذه الأفكار والمشاعر أو الأعراض الجسدية أو التجنب الذي يمارسه للتخفيف وكيف أنه من الممكن أن يساهم في زيادة حدة الاضطراب النفسي وكيف حينما نحاول أن نخفف من هذا التشويه ونتقبله فالذي يحدث أننا نخفف من حدة هذا الاضطراب، وعادة نتفق مع المريض أنه من غير الضروري أن نصل إلى مرحلة لا يكون فيها قلق مطلقًا، ولكن على الأقل ألا يسبب لي هذا القلق أي أذى أو تأثير على الحياة بشكل مباشر أو على الحياة الاجتماعية "العزلة" أو الحياة المهنية أو الأسرية، بمعنى ألا يحدث عطب في الحياة، لأن الأفكار هذه تجعل الشخص مشغول مع نفسه وليس مع العالم من حوله.
أ-حصة الغامدي:
حسنًا، بخصوص دور الأسرة، كيف يفترض أن يكون دور الأسرة أثناء وبعد العملية العلاجية؟
أ-نور الخضر:
على حسب الأسرة فعادة كلما كانت الأسرة متعاونة وداعمة كلما ساهمت في نجاح الخطة العلاجية، وكلما كانت متفهمة للحالة الانفعالية فإن الأشخاص الذين يعانون كرب ما بعد الصدمة يمرون في مراحل نفسية متعددة، وهذه المراحل تختلف من مرحلة إنكار الحدث وتقبل النكران للحدث، وهذا شيء طبيعي في البداية، فالأهل بحاجة إلى تقبل هذا الإنكار، وبعد الانتهاء من هذه المرحلة يدخل في مرحلة الغضب فيصبح منفعلًا على كل شيء، غاضبًا من كل شيء لا يعجبه أي شيء، فتقبل الأسرة لهذه الحالة يعتبر جزءًا من التحسن فمروره بهذه المرحلة يساعد ويساهم جداً في تسهيل العملية العلاجية عليه وعليهم، وعندما يتجاوز مرحلة الغضب يدخل في مرحلة الاكتئاب فلا يستمتع بالحياة ولا يتقبلها وأحياناً تصل فيه إلى الرغبة بالموت، فيقول ليتني مت في الحادث وانتهى الأمر، فهذا الحدث يجعل الناس تنفر من حوله أيضًا، وكلما نفروا من حوله كلما صارت الأعراض مزعجة بالنسبة له، وكلما صار هناك دعمًا ومواساة ولطف وإحساس بالأمان في هذه المنطقة كلما ساهم في تجاوزه لهذه المرحلة، ثم يدخل في مرحلة "المساومة" بمعنى لو كان ربي يحبني ما قدر عليّ كذا أو كذا أو لو كان الدكتور حريصًا لما وصلت إلى هنا، فيبدأ يساوم أنا قد أتعالج لكن على الأقل يجب أن تأكدون لي أني سأعود للمشي بعد هذه المرحلة، فيدخل في مرحلة التقبل ويبدأ بالبحث عن علاج وبعد هذه المرحلة يدخل في مرحلة الأمل وهي أنه يبدأ البحث عن طرق مختلفة في العلاج سواء العلاج الجسدي أو النفسي، ثم يدخل في مرحلة تقبل هذه المرحلة، مثل ماهي ويبدأ بالتعايش على حسب الموجود وحسب القدرات الموجودة عنده، دور الأخصائي النفسي هنا في هذه المرحلة هو جعلها أقل حدة وسهلة بنفس الوقت، فلا يجعلها تأخذ فترة طويلة جدا وذلك طبعًا على حسب تعاون المريض في هذي المرحلة؛ فكلما كان هناك تعاونًا منه كلما كان تطبيق الخطة العلاجية أسهل وفيها سماحة أكثر، فبعض المراجعين أو المرضى صعبو المراس وليس من السهل الوصول لهم، ولكن بالتأكيد هناك طريقة لذلك، فأحيانًا نحتاج إلى التحول إلى العلاج الدوائي حتى يساعدنا للبوصول إلى الهدف المرجو بطريقة أسرع وأكثر أمانًا خاصة إذا كان هنالك أفكارًا انتحارية أو سلوكيات لها علاقة بالأفعال الانتحارية.
أ-حصة الغامدي:
المراحل التي ذكرتيها هي مراحل الفقد الخمس، هل من الممكن أن يمر بها أحد أفراد الأسرة مثلاً تكون الزوجة أو أحد الأبناء أو أم المصاب، هل من الممكن أن تمر بنفس هذه المراحل؟ وهل تقومون بالتدخل بعلاج أفراد الأسرة أم تقومون بالتحويل أو الاقتراح فقط؟ وكيف يكون ذلك؟
أ-نور الخضر:
بالتأكيد قد يدخل أفراد الأسرة في مرحلة الصدمة، فالصدمة تكون على المريض نفسه المتعرض للحدث وعلى الأهل أيضًا؛ لأنه بالنسبة لهم تغير في مجرى الحياة، وكلهم في حالة صدمة من ذلك، فمرورهم بذلك وارد، أما المدة في كل مرحلة تختلف من شخص إلى آخر على حسب (العمر، والقدرات العقلية، والتقبل، والتفهم لهذا الموضوع) أما التدخل النفسي للعائلة فيكون جزء منه عن طريق التثقيف النفسي، وعن طريق إخبارهم كيف يتعاملون مع مشاعرهم وكيف يتعاملون مع مشاعر المصاب في ذلك الوقت.