سقوط البيروقراطية
إن كانت أفضل طريقةٍ لتسيير المنظمات هي البيروقراطية فأفضل طريقة لتهميش البيروقراطية هي الاتصالات اللارسمية في المنظمات.
مقدمة عن الإتصالات الداخلية الرسمية واللارسمية:
الإتصالات الرسمية في المنظمة هي التي يتم تحديدها من قبل مؤسسيها أو رؤساءها أو مديريها وتحدد شكل الإتصال وطريقته ومن أين يبدأ وإلى أين ينتهي، فلا يتواصل الموظف مع المدير العام دون الرجوع إلى مشرفه ثم يرجع مشرفه إلى مدير المنطقة وهلم جرًا حتى يصل إلى أعلى الهرم، ويحدد الهيكل التنظيمي شكل الإتصالات الرسمية إلى حدٍ كبير.
أما الإتصالات غير الرسمية في المنظمات هي التي لا يتم إقراراها من قبل المنظمة ذاتها ولكن تنشأ من خلال التواصل فيما بين العاملين باختلاف وظائفهم ومناصبهم فيها، وبإختصار تتكون من خلال ثقافة المنظمة التي تنشأ بسبب التواصل الاجتماعي الذي ينشأ بين العاملين.
نستطيع أن نلاحظ مثالًا واضحًا هذه الأيام في الكثير من المنظمات التي يُنشئ الموظفين فيها مجموعات على تطبيق واتساب تجمعهم مع مديريهم، وفي العديد من المنظمات نرى أفرادًا من الإدارة العليا أيضًا منضمون إلى تلك الدوائر الإجتماعية اللارسمية.
الأسباب وراء هذه التنظيمات الاجتماعية اللارسمية داخل التنظيمات الرسمية عديدة ولكن أغلبها يندرج تحت القواسم الإجتماعية المشتركة، وغالبًا لا يضر ذلك المنظمة داخليًا ولكن لا يمكن ضمان ذلك على المدى البعيد.
ولكن بعيدًا عن هذه الحالة، مقالي اليوم عن حالة منتشرة وغير صحية في المنظمات الناشئة خاصةً، وهي ترسيم تلك التنظيمات اللارسمية وعن أثرها على المنظمة وهيكلها التنظيمي ومايحتويه من روابط رسمية.
تعريف موجز عن البيروقراطية:
البيروقراطية هي الطريقة أو الآلية التي تضعها المنظمة لكل التعاملات الرسمية في المنظمة، وتكون شاملة على جميع درجات ومناصب وتفرعات الهيكل التنظيمي، والبيروقراطية هي جزء من الإستراتيجية، وتشكل الإتصالات الداخلية من خلالها، ومن الخاطئ تعريف البيروقراطية أنها روتين العمل، رغم أنها تتسم بالرتابة، ولكن لا يعطيها ذلك وصفها الصحيح، أنشأ البيروقراطية أحد علماء علم الإدارة والإجتماع في القرن العشرون وهو ماكس فيبر، فأحدثت نقلة عظيمة في علم الإدارة، وفسرت أشكالًا إجتماعية ومازالت، والبيروقراطية إختراع رأسمالي بحت، وهذا ما يجعلها شمولية وجديرة بالإعتبار، وهي محل بحث لدي شخصيًا.
سقوط البيروقراطية:
أسلفت بتعريف ماهية الاتصالات غير الرسمية بين الموظفين أو العاملين، وأنها تنشأ من خلالهم وليس من خلال المنظمة، ولكن في هذه الحالة، تنشأ الاتصالات غير الرسمية من خلال المنظمة ذاتها-من خلال الإدارة ذاتها-وليس كمبادرة إجتماعية من قبل بعض الموظفين.
تتشكل تلك الاتصالات المرسَّمة من خلال مجموعات واتساب أو فيسبوك أو تليغرام وتضم جميع موظفين الشركة، أسلفت أيضًا بأنها ظاهرة تتكون في المنظمات الناشئة ولأن المنظمات الناشئة في العادة تضم عدد محدود من الموظفين والعاملين-بين ٢-٣٠ موظف أو عامل-فهناك قابلية عالية لضمهم إلى مجموعات مُرَسَّمة.
يميل قادة تلك المنظمات الناشئة إلى زيادة النشاط الإجتماعي ببن الموظفين ومتابعة العمل عن قرب من خلال تواجدهم الدائم في تلك المجموعات والأهم-بحسب زعم أولائك القادة-هو متابعة وحل المشكلات بشكل عاجل.
بينما لديهم وسائلهم الرسمية للإتصال، مثل البريد الإلكتروني والخطابات الرسمية وسنترال المكتب.
ربما يظهر على تلك المجموعات أنها أنشئت وفق أهداف سليمة إلا أنها تقوم بعكس ذلك في أغلب الأوقات، كيف ؟
في دراسة مصغرة على حوالي ٥ شركات في السعودية، تضم حوالي أكثر من ١٠٠ موظف من جميع الدرجات التنظيمية، لدى موظفيها تنظيمات غير رسمية تم تشريعها أو ترسيمها من قبل الإدارات التنفيذية لجعلها وسيلة لحل المشكلات بشكل عاجل والقضاء على البيروقراطية البطيئة، كان الموظفون جميعهم في تلك المجموعات وغالبًا ماتكون على برنامجي واتساب أو فيسبوك والأول يكون هو صاحب الإنتشار الأوسع، وفي أثناء متابعة سير تلك الدوائر في أثناء حدوث مشكلة ومدى فاعليتها في تحقيق هدفها تم إكتشاف بأن تحقيق أهدافها لا يتم إلا رفقة أخطاء إدارية وتنظيمية وبيئية-أي بيئة العمل-بمعنى أن المشكلة تكون قد حُلَّت إلا أن حلَّها أحدث شرخًا وتهميشًا للهيكل التنظيمي وتجاوزات لمناصب الإدارة.
في صورةٍ أوضح، تصوَّر أنك موظف مبيعات في نقطة استقبال عملاء في أحد الفروع التي تديرها المنظمة، ومدير تلك النقطة-الذي هو مديرك المباشر-متواجد معك في مجموعة المنظمة على واتساب، بالإضافة إلى مدير المبيعات في الإدارة العامة، والمديري التنفيذي أيضًا، وباقي أعضاء الإدارة، ثم واجهتك مشكلة تتعلق بأحد العملاء ويجب أن تعود إلى الإدارة لحلها، فبدلًا من أن تستدعي مديرك المباشر أن تقوم بمراسلته على بريده الرسمي أو أثناء عمله، تتوجه إلى مجموعة الواتساب وتنشر المشكلة هناك وتطالب بحلها، وبعد دقائق، تكون المشكلة التي من المفترض أن لا تصل للإدارة بهذا الشكل دون المرور بمديرك المباشر قد وصلت لجميع الإدارات مهمشةً الإدارة المباشرة، في تلك الشركات الخمس التي خضعت للتجربة، كان لكل موظفٍ لديهم بريده الإلكتروني الرسمي، وهاتف مكتبي، كلها وسائل إتصال رسمية أقرتها تلك المنظمات، ومع ذلك كله تكون كل إتصالاتهم الرسمية تقريبًا من خلال مجموعات مُرَسَّمة.إذ أننا لاحظنا وجود ذلك المفهوم الخاطئ عن كل ما يتعلق بالبيروقراطية وطريقة تسريعها وتحسينها.
الآثار الملحوظة لهذه الإستراتيجية الإتصالية أبرزها هو خلق بيئة عمل عدائية بين الموظف ومديره وبين المدير والمديرون الآخرون والقسم والأقسام الأخرى، وبين الطبقة التنفيذية والتكتيكية في المنظمة، وهذا وحده كفيل بهدم أي خطة لإنشاء بيئة عمل ناجحة، وبترسيم من الإدارة التنفيذية، ومن الآثار أيضًا إشغال الإدارة العليا-الدرجة التكتيكية فما فوق-بتوافه المشكلات التي يمكن حلها في أسفل الهرم التنظيمي.
لا يمكن إعتبار ذلك النوع من الإتصالات بأي شكل من الأشكال على أنه حل لتسهيل البيروقراطية وحل المشكلات، وقد يعتقد الكثير من المديرون أو القادة بأنهم يخلقون حلًا، بينما في الحقيقة هم يخلقون مشكلةً سيتوجب عليهم حلّها على المدى المتوسط في أحسن الظروف، وقد يكلفهم ذلك خسارة كبيرة في ميزتهم التنافسية داخل المنظمة، وأهم ما يمكن تطويره في كل منظمة طامحة هو فريق العمل، وأهم ما يمكن رعايته من جوانبٍ في فريق العمل هو وضع الآلية الصحيحة لتعاملاتهم الوسيطة، فقد ينزعج الموظفون من التدخلات والتعديات الوظيفية والتهميش دون أن يخبروا أحدًا، ولكن لن يمكثوا طويلًا حتى يسلموا خطابات استقالاتهم جرّاء ذلك.