بينما تتجول في المكتبة باحثًا عن كتاب مفيد، مسلٍّ، وملهم لتقرأه، تمرّ بجانب رفوف متجاورة ومرتبة تحمل عناوين كثيرة تعجز عن حصرها في زيارة واحدة، يلفت انتباهك رفًّا يحمل روايات مختلفة الأحجام والعناوين والأشكال، تدور فكرة عابرة في ذهنك إنْ لم تكن راسخة منذ أعوام (ما أتفه الروايات، من يقرأ كل هذا السّخف والكذب؟) أو بتعبير أقلّ حدةٍ تعتقد أنّ لا جدوى من قراءتها!


يحكم الكثير على الروايات حُكمًا مُبتذَلًا سطحيًّا، يجدُها دخيلة على الثقافة والأدب، متجاهلًا أنّها القصة التي تُكتَب لنعتبر بها، والتي نجد ذواتنا فيها، نزور عوالمَ متعددة بين سطورها، لا أتحدث عن الرواية كمحامٍ يسلّط الضوء على قضاياه المحبّبة لديه، لكننا بحاجة مستمرة للاكتشاف ولقراءة غيرنا في حكايات مكتوبة، الرواية مُتنفّس الكاتب ومُتعة القارىء ودهشته، يكفيك فقط أن تفهم ذائقتك وتقع في شَرْك مؤلفك المفضل!


في تدوينتي هذه أنا لا أحاول رسم صورة فنّية بديعة عن الروايات لأنها ليست بحاجة إلى ذلك، ولا أسعى إلى جعلك قارئًا نهمًا للروايات، بل يثير فضولي ما قيل عن الروايات وما كُتب عنها وما الذي يجعلها مهمة إلى هذا الحدّ!


فإنْ كنتَ لا تقرأ الروايات أو لا تجد فائدة مرجوّة من قراءتها فاقرأ تدوينتي واكتشف ما الذي يشعر به قُراء الروايات حين يقررون اختيار رواية الأسبوع وخوض التجارب ومرافقة الشخصيات والسفر فيها، حتى وإن كنت قارئًا للروايات من أي مستوى فهذه التدوينة ستمنحك بُعدًا يعيد محبّتك لكل رواياتك المحببة لديك.

لدينا حياة واحدة فقط، والقراءة تجعلنا نعيش ألف حياة في حياة واحدة

الروايات نافذتي لرؤية العالم، منفذي مِن الزحام وأنيسي في لحظات الانتظار، تُشبِع تعطّشي للكلمات وتوسّع مداركي وتفتح آفاق الإلهام والخيال لدي، الروايات من وجهة نظري الأدب السهل الممتنع، فليس كل روائي سيلج أعماق القراء وليس كل قارئ (يتجنب قراءة الروايات) يعي ما هيّة الروايات الحقيقية وسرّ حُبنا لها!

هنا قدم لنا “ديفيد مادن” عدة أسباب تدفعنا لقراءة الروايات منها:

أن الروايات مرآة لرغباتنا ومخاوفنا السرية وتساعدنا لمواجهة أزماتنا طويلة الأمد وتكشف لنا المشاكل الواسعة والمعقدة والتي ترتبط بحياتنا الشخصية في الواقع.


وكل ذلك نجده في الروايات العظيمة التي تخلق لنا تجارب نقية تؤثر في عواطفنا وخيالنا وتفكيرنا بطرق غير مباشرة غالبًا.


وأثناء اطلاعي على إجابات القراء في موقع “Qoura” وجدت أن الكثير عبّر عن سبب حبه لقراءة الروايات وأراها أسبابًا واقعية يجد أثرها كل قارئ ينتقي رواياته كانتقاءه لمفرداته ولملابسه وللأماكن التي يزورها.


فذكر Mohit من وجهة نظره أن الناس يقرؤون للتعلم والترفيه، فنحن حين نقرأ عن الشخصيات كقراء يتشكل لدينا منظور لحياة مختلفة لم نعِشها، حيث يُسمّح لنا بالتعرف على تفكير ومشاعر شخصيات شُكٍّلت بين السطور، نحن نقرأ الروايات لأننا بحاجة إلى الاندماج باستمرار في عوالم الآخرين وعقولهم.


ووصف أيضًا Abhaya الروايات أنها الطريقة الأسرع التي نتمكن من خلالها تجربة ورؤية العالم والآخرين، حيث ستستطيع التخيل وستظهر الحقيقة في داخلك، الحقيقة التي قد تخجل من التحدث عنها بصوت عالٍ أمام الآخرين، وستضع نفسك مكان الشخصيات وسترى العالم بواسطة عيون الغرباء!


وعبّرت Aishwarya عن الروايات بأنها أفضل طريقة لتغذية الخيال والفضول، فالعقول تحب السفر، والكتب ستمنحها رحلات ممتعة بين طياتها.


هذا ما قاله بعض محبي الروايات

أما أنا فيكفيني أن أضيف بأن الروايات مُتنفّس الروح، ومتعة العقل الذي يتسع بالخيال والإدراك والتعرف على الجديد، فالقصص تمنحك أفكارًا براقة وتجعلك تجرب مشاعر متنوعة في آن واحد، وتقوّي ملكة الكتابة لديك، حيث ستلاحظ أنك يومًا بعد يوم أصبحت كاتبًا أفضل إن كنت تهوى الكتابة فالمفردات التي يخزنها عقلك ستجدها تتناثر كاللؤلؤ على الصفحات البيضاء وتسعفك بنسج النصوص والجمل، وستزداد حدة التركيز ومهارة التحليل لديك وستبحر في خيالك متى شئت لأن القراءة تطور الخيال وتشبع الفضول.


لتكتب بحسّ إبداعي لا تستصغر الأدب بأنواعه بل انهل من كل بحر قطرة حتى لا يتهاوى قارب إبداعك حين لا تجد يومًا ما تسدّ به فجوة جهلك كيفية الإبحار في عالم الروايات والقصص.


وإن كنت قارئًا فقط، فالرواية الزاخرة بالفوائد والتاريخ والسّير الذاتية والكثير من الثقافات المتنوعة ستمنحك خلفية ثقافية بأسلوب قصصي ممتع يرسخ في ذاكرتك (فالإنسان تسليه القصص والعِبَر) ويتعلم منها ويستكشف من خلالها طرقًا وأفكارًا كونها تحكي لنا تجارب لشخصيات قد تكون مفترضة أو حقيقية تلامسنا بطريقة ما!


وليس في قراءة الروايات مضيعة للوقت وتفاهة كما يعتبرها البعض، فنحن قد تعرفنا على تاريخنا وحاضرنا، بل وتخيلنا مشاهد كثيرة ورسخت في عقولنا أسماءً وحكايات نُقِلَت إلينا عبر قصصٍ وروايات مختلفة.


في تدوينتي القادمة سأشارككم مجموعة من الروايات المفضلة لديّ، والتي أثق أنها كُتِبَت بحُب وعُجِنت بالدهشة وأخذ الإبداع حيّزًا كبيرًا بين جُملِها ومشاهدها وشخصياتها، توثيقًا لمدى اهتمامي بالروايات وتذكيرًا لنفسي بالأثر الذي تركته في ذاكرتي وامتنانًا لما تضيفه على أسلوبي في الكتابة والثراء المعرفي واللغوي الذي تهديني إياه بعد كل صفحة أنتهي من قراءتها.


Join