عن الدافعية… ما الذي يدفعنا لننهض كل يوم؟
سؤالٌ يبدو بسيطًا، لكنه عميقًا في المعنى..
ما الذي يجعلنا نُكمل؟ ما الذي يدفعنا للعمل.. للتطوّر.. للمحاولة من جديد؟
هذا ما يسمّيه علم النفس اليوم بـ الدافعية أو الـ Motivation، وهي البوصلة الداخلية التي تُشير دائمًا نحو المعنى حتى وإن تاه الطريق
أولًا.. ماذا يقول العلم؟ وأشهر الكتب عن بناء العادات والدافعية؟
في السنوات الأخيرة.. احتلّت كتب تطوير الذات وعلم النفس السلوكي رفوف المكتبات العالمية، وكلها تدور حول فكرة واحدة.. كيف نحافظ على الدافعية؟
من أبرز هذه الكتب:
1 - Atomic Habits – العادات الذرية
المؤلف: جيمس كلير
الفكرة الأساسية:
تحسين بسيط كل يوم يصنع فرقًا هائلًا على المدى الطويل الهدف مو إنك تغيّر حياتك بين يوم وليلة، بل إنك تطور نظام يساعدك تصير الشخص اللي تبيه.
أهم المحاور:
• قاعدة الـ1%: لو تحسنت بنسبة 1% يوميًا، بتصير أفضل بـ37 ضعف في سنة.
• بناء العادة = إشارة + رغبة + استجابة + مكافأة.
• غيّر البيئة قبل لا تعوّل على قوة الإرادة.
•ركّز على الهُوية.. ما تقول أبغى أكتب كتاب بل أنا كاتب وأتصرف ككاتب
أنت لا ترتقي إلى مستوى أهدافك، بل تهبط إلى مستوى أنظمتك
جيمس كلير
2- The Power of Habit – قوة العادة
المؤلف: تشارلز دويج
الفكرة الأساسية:
كل عادة تُبنى عبر حلقة محددة.. مثير .. روتين .. مكافأة.. وتقدر تكسر أي عادة أو تبني وحدة جديدة إذا فهمت الحلقة
أهم المحاور:
• المخ يحب العادات لأنها تقلل الجهد العقلي
• أهم شيء.. ما تقدر تلغي عادة، لكن تقدر تستبدلها
• التغيير يبدأ من وعيك بالمثيرات اليومية مثلاً.. القلق يخليك تدخن، الحل؟ بدّل التدخين بشيء مفيد يعطي نفس الراحة
• العادات المؤثرة تُسمى العادات الأساسية، زي التمارين أو ترتيب السرير، لأنها تنتج تأثير مضاعف على جوانب ثانية.
العادات لا تُمحى، لكنها تُعاد تشكيلها
تشارلز دويج
3- The 5 AM Club – نادي الخامسة صباحًا
المؤلف: روبن شارما
الفكرة الأساسية:
إذا كنت تبي تنجح في يومك، ابدأه من الساعة 5 فجراً.. هذا التوقيت الذهبي يخليك تسبق العالم، وتصفّي ذهنك، وتنجز أهدافك اليومية
أهم المحاور:
• قاعدة 20/20/20.. أول 20 دقيقة تمارين (تنشط الجسم)… ثاني 20 دقيقة تأمل أو تفكّر أو كتابة… ثالث 20 دقيقة تعلّم (قراءة، بودكاست…)
• العقل في الصباح أكثر تقبّلًا للتغيير والتطوير
• الفجر وقت العظماء لأن الهدوء يساعدك تعيش يومك بحضور ذهني وانضباط
امتلك صباحك، تمتلك يومك.. امتلك يومك، تمتلك حياتك
روبن شارما
كل هذه الكتب تشترك في نقطة واحدة، الدافعية وحدها لا تكفي، بل لا يُعول عليها أحيانًا.. إنها مثل موجة… تأتي وتذهب لكن الذي يبقى هو النظام.. والنية.. والمعنى..
ثانيًا.. ماذا عن الدافعية عند الصحابة؟ وكيف زرعها النبي فيهم؟
دائمًا ما كانت فكرة زرع النبي صلَّ الله عليه وسلم للدافعية لأصحابة خلّابة جدا.. فعندما ننظر إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن النبي لم يعتمد على التحفيز اللحظي، ولا على المكافآت الآنية، بل غرس في أصحابه دافعًا داخليًا أعظم الإيمان واليقين والمعنى الأسمى.
كان يبني فيهم حب الآخرة، حب العمل الصالح، حب الخير للناس، وربطهم بالله لا بنفسه.
من أجمل ما قيل في هذا الباب:
من كانت الآخرة همّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة
محمد صلَّ الله عليه وسلم
هنا نرى كيف غيّر النبي بوصلتهم، من البحث عن التحفيز اللحظي إلى البحث عن المعنى الأبدي
ومن القصص العظيمة في هذا السياق..
حين أراد النبي أن يحفّز المسلمين لبناء المسجد بعد الهجرة، لم يقف ليصرخ أو يُرهبهم، بل شاركهم في البناء، وكان يردد معهم الأناشيد، يحفزهم بنفسه، يضحك معهم، يعمل مثلهم.
أيضًا في غزوة الخندق، حين رأى الصحابة صخرة لا تنكسر، أخذ المعول بنفسه، وكسرها وهو يقول:
الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشام… أُعطيت مفاتيح فارس…
لم يكن ذلك تحفيزًا عاطفيًا فقط، بل رؤية عظيمة تُنير الطريق في عزّ التعب.
من وجهة نظري..
أنا مؤمن أن الدافعية مهمة، لكنها ليست كل شيء.. هي مثل الشرارة… تُشعل النار، لكنها لا تُبقيها مشتعلة.. ما يُبقي النار حية هو الزيت.. النية.. والالتزام.. وربما الحب أيضًا.. أنا شخصيًا.. كثيرًا ما بدأت أشياء بدافع الحماس فقط، لكنها انتهت.. لكن ما استمر معي فعلًا… هو ما ربطته بـ قيمي.. بما أؤمن به.. بما أشعر أنه أنا..
لا أحتاج أن أكون متحمسًا كل يوم… لكني بحاجة لأن أتذكر لماذا بدأت.. أحيانًا يكون الحافز هو النجاح، وأحيانًا يكون الحافز هو الألم.. وأحيانًا… لا يكون هناك حافز واضح، فقط رغبة داخلية تقول لك كمل
وفي الختام، أعود إلى فكرة أن الدافعية لا يجب أن تُعامل كحالة نفسية مؤقتة، بل كقيمة ممتدة في حياتنا.. وما بين ما قاله النبي صلَّ الله عليه وسلم وما قاله علماء النفس، هناك خيط ذهبي.. افعل ما تؤمن به، وازرع في نفسك معنى، وسيتولى المعنى دافعك.