لما أكبر ..

-“إيش تبغي تصيري ؟” “إيش طموحاتك ؟” “إيش الحلم إللي نفسك تحققيه ؟”
-ما أعرف .

منذ أن كنت طفلة ، كنت أواجه صعوبة في تحديد أهدافي الكبرى ، لا أتذكر أنني في يوم قد تمسكت بحلم معين وتمنيت لمدة طويلة أحققه .

ليس وكأني مخلوق هاوٍ بلا أهداف ، لا ، على العكس تمامًا ، فحينما أردت أن أحقق معدلاً معينًا في الجامعة ، قمت بذلك . حينما أردت أن أخسر جزءًا من وزني ، قمت بذلك . وهكذا .

الأهداف الصغيرة ليست مشكلة بالنسبة إلي . لدي العديد منها ، ربما أكثر من الشخص العادي .

الأمر هنا هو أنني لا أملك نظرة مستقبلية للشخص الذي أريد أن أكون عليه . أتذكر حينما كنت أجيب على سؤال “إيش تبغي تصيري لما تكبري يا حلوة ؟” في المدرسة ، تغيرت إجاباتي بتغير عمري . فمرة كنت أريد أن أكون رسامة ، فمعلمة ، فكاتبة ، ثم رسامة مرة أخرى ، ثم أخصائية صعوبات تعلم (؟) ثم أخصائية علاج طبيعي (؟؟؟) ثم فنانة … ثم ، ثم ، ثم …


ولكي أكون واضحة ، بعض من تلك الإجابات كانت متأثرة بالأمل الذي كانت تضعه عائلتي علي ، ويتضح أي منها كان ذلك ، لكن البقية كانت متعلقة بهواياتي ، بالأمور التي كنت أستمتع بالقيام بها في فراغي .
وحينما كبرت ، شعرت أنني لم أكن أريد حقًا أن أكون أيًا من ذلك . لا رسامة ولا كاتبة ولا معلمة . لأنني في اللحظة التي أباشر فيها بالعمل على تحويل تلك الهوايات إلى مهنة أو مصدر دخل ، أشعر بأنني فقدت الشعور السعيد الذي كان يغمرني بممارستها ، وتحولت من وقت هادئ إلى حرب داخل عقلي للإتيان بالأفكار التي تجعل من تلك اللوحة أو من تلك المقالة مصدرًا للمال .

مررت بوقت أحسد فيه الناس القادرين على ممارسة هواياتهم والتكسب منها ماديًا ، وكنت أسمع مرارً وتكرارًا تلك المقولة التي تقول “إذا عملت في الشيء الذي تحبه ، فلن تعمل يومًا في حياتك” . أصبحت أقدس العمل في الشغف ، وأصررت أنني سأجعل من هوايتي مصدرًا لدخلي ، وكانت الطريقة الأمثل هي أن أصبح مصممة جرافيك .

الرسم والابتكار كمصدر للدخل ؟ نعم هذا هو

وابتدأت الرحلة ، بعد حضور دورة مكثفة لثمان شهور أصبحت مصممة جرافيك ، وشعرت أن أبواب السعادة فتحت في وجهي ، ها أنا ذا ، مؤهلة لأشتغل بشغفي ، لأسخر مهاراتي لمهنتي وأكتسب منها المال .
وقد حدث هذا بالفعل الحمد لله . ٥ سنوات للآن ، وقد حظيت بفرص العمل في العديد والعديد من المشاريع ، وتعاونت مع العديد من الشخصيات والجهات التي أتاحت لي المجال لأترجم أفكاري لأيقونات ورسومات وأفكار يستخدمونها في محلاتهم وأشغالهم وو …إلخ

لكنني خسرت هوايتي .

أصبح الابتكار جزءًا من حياتي المهنية ، وتبرجم عقلي على أن استخدام ذلك الجانب المبدع عمل . لم يعد بإمكاني الفصل بين الرسم كهواية والتصميم كعمل ، فكل دفاتري امتلأت الآن بأفكار لشعار ذلك العميل ، وتغليف منتج العميل الآخر ، ولم يعد هنالك مساحة لرسم الوجوه أو القطط أو العيون التي كنت أضعها على كل مساحة فارغة أجدها في كراساتي .

أريد أن أكون صادقة هنا . أنا لا أكره عملي ، ولكنني أشتاق لهوايتي . أحنّ للرسم أمام التلفاز لمجرد الرسم . أحنّ لقضاء أيام في تلوين لوحة لا أبتغي بها إعجاب أحد سواي . لقد أردت هذا بشدة وها أنا الآن ، أجدني أتصفح كراساتي القديمة وأتساءل : أين ذهب كل هذا ؟

الآن ، كوني على مشارف الثلاثين ، ورغبة مني في تكوين نموذج للأم الطموحة لأطفالي المستقبليين ، أجد نفسي أتسائل ما إن كنت أريد الاستمرار كمصممة ، أو التوقف والبحث عن مهنة أخرى .
ربما لا جدوى من طرح هذا التساؤل في العلن ، وقد لا يكون الاعتراف بأزمتي المهنية أمرًا يجدر بي البوح به على صفحة أعرض فيها أعمالي في التصميم ، ولكن الحقيقة لا زالت قائمة ، ولا تزال هذه صفحتي الشخصية أولاً وأخيرًا ، لذلك أستطيع قول ما شئت .

استطيع أن أقول أن الرسم هو الهواية الوحيدة التي حاولت ممارستها للتكسب منها . ولا أدري ، ربما لهواياتي الأخرى فرص أفضل . قد أتجه للكتابة ، وربما التعليم (بطريقة أو بأخرى) . وربما أتوقف تمامًا عن ربط شخصيتي وشغفي بعملي . ربما أجد نفسي أقوم بمهارة بعيدة كل البعد عن الإبداع ، وربما قد أجعل هذا مهنتي ، وأحاول أن أعيد حب الرسم إلى حياتي .
الكثير من الاختيارات . وأقر بأنني محظوظة لامتلاكها . ولكنني بالتأكيد سأتوقف عن رؤية ممارسة الشغف كمهنة كالسيناريو الأفضل للجميع ، ربما آن للهوايات أن تظل هوايات ، وللعمل أن يكون شيئًا آخر لا يقتل حبنا للإبداع .

Join