من شرق الرياض لشرق الرياض في ٤ محطّات

يامحمد نصيحة خذ سيارتي.

:لا لا ياخي السيارة السوداء خلها تتحرك كم لها واقفه.


درجة الحرارة: تلامس سقف الـ ٥٠ ْ مئوية.

الوجهة: حي الملز.

نقطة الإنطلاق: أقرب من حي الملز نفسه.

وفي أمان الله ماشي، الشوارع تضيق كلما اقتربت من هدفي، المباني العتيقة تطلّ بشُرفاتها، السيارات بعدوامها تبخّر المارّه وتعطّرهم.


الشوراع متزيّنه بصبّات الحفريات مربوط أعلاها عقدٌ من اللمبات التحذيرية، وكأنها عروسٌ ترتدي طوقًا يضيء، يشعّ "جميلةٌ وبأبهى حُلّه".

يا إلهي ماهذا؟ 

الأدخنة تتصاعد من أمامي، أصبحت لا أرى شيئًا، وكأني دخلت في حمام ساونا مليءٍ بالأبخرة.

لوهله ظننت أن وجهتي تبدّلت من الملز إلى مدينة الضباب.


من لطفِ الله بي أنني نظرتُ خلف مقودِ سيارتي "السوداء" وإذ بشاشة السيارة تبرق وترعد بألوان لأول مرةٍ أراها. 


السيارة وصلت حدّها الأقصى من الحرارة، وتهددني إن لم أتوقف ستنفجر.

توقّفتُ مكرهًا لا بطل.

السيارات تتخاطف من حولي، أبواقها المزعجة تعزف سيمفونية الهلاك -لحظة لحظة هو فيه سيمفونية كذا ؟-.


بعد مرور عشرات السيارات أخيرًا استطعت فتح باب السيارة، فتحت غطاء المحرّك، احترق وجهي أو كاد أن يحترق من لهيب الحرارة.


انتظرت السيارة حتى تبرد، مدري شلون أبيها تبرد ودرجة الحرارة ٥٠ ْ !


وحلفت أنك لاتميل مع الهوى

أين اليمين وأين ماعاهدتني؟

أتوقع البيت يصلح لوضعي، بس الهوى هوى “الهواء”، مش هوى “الهوى”. يوووه صدّع راسي من كل هوى.


ركبت السيارة مجددًا، أدرتُ المحرّك..

ياسسسسسسسسسسسسسس انخفضت الحرارة قليلًا.


محطتي الجديدة أو نقطة تعطّل سيارتي الثانية كانت عند محطة وقود أسعفني كثيرًا تواجد عامليها، مرحلة تم اجتيازها بنجاح.


اختارت لي السيارة توقفًا جديدًا تحت كوبري ظللني وخفّف وطأت الشمسِ وحرارتها، توقفت حتى انخفضت الحرارة ثم عاودت المسير.


في طريقي للعودة، وأصبحت لـ بيتنا أقرب من أي وقتٍ مضى، ولكن؟ ولكن؟ ولكن؟


على مدخل الطريق الدائري الشرقي تعطلتُ مرةً أخرى.

وأتوقع أنه مايحتاج أحكي لكم عن كمّ السيارات المهول اللي قاعد يشطّفني .


ركنتُ السيارة على جانب الطريق وجلست أتأمل الغروب، كان غروبًا رائعًا بحق.

الأيادي الرحيمة بدأت تمد يدها الحانية وتعطف عليّ، ربما كسرتُ خاطرهم وربما طمعًا بما في جيبي من نقود.


توقّف أمامي راعي سطحة وقال أوصل لك سيارتك لين باب بيتكم، قلت وااااه كثّر خيرك ..

قال: بـ ١٠٠ ريال سعودي فقط لاغير!

فجأة تحولت بهجتي لاستياءٍ شديد، وعاودتُ أدراجي نحو سيارتي المنكوبة.


توقفّ بعدها صاحب سيارة تاكسي، ستينيّ الملامح، تعلوه البراءة أزاح نظّارته المقعّرة وبَدت خلفها عينين صغيرتين.


وبلطفٍ شديد قال: وش صار لك ياوليدي؟

أنا: احتاج قارورة مويه بس.

هو: يطالع ساعته الذهبية من طراز كاسيو العتيق، قدامنا ثلاث دقايق قبل يأذن.


ركبت معه وكانت البقالة أقرب من أي مكانٍ آخر.

وأحس أني لحظتها أكثر انسان فاهي بالحياة.


أخذت المويه، وقلت له خلاص برجع على رجليني،

كم حقّك؟ توقعته يقول: “لا لا مايحتاج والله مامن كلافه”.


صدمني وقال: ١٠ ريال!

اعطيته إياها وعيوني تقول له "على أيش ياعم؟ على مشوار المترين ونص؟"


رجعت لسيارتي، عبيت الرادييتر بالمويه الباردة ومشيت.

وقبل وصولي لبيتنا، خيالي صار يرسم لي ذاك الاستقبال الحافل.


السجاد الأحمر المرقّط بزخارف الورد الأحمر كذلك، سرحت جدًا في كيفية تفاعلي مع كم الفرح والسرور الذي سأحظى به فور وصولي.


كنت أتوقع استقبال الأبطال من أهلي والأبطال فقط هم من ينجون بصعوبة.

وأخيرًا وصلت البيت.


ووجدت كل شيء كما رسم خيالي، وجدت اللون الأحمر والحُمره لكنّها لم تكن على الأرض كما تصوّرت.

بل كانت مرسومةً على خديّ من أثر التعب ودهشتي حين قالت لي ماما:

“هاوووووو وراك ماودّيت الصحون للجيران؟”.


حرّرت في السبت الذي يسبق احتفالنا بيوم الوطن الـ ٩٠ 🇸🇦..

Join