قواعد الفالحين(1)
قد يكون الناجحون قلة، لكن الفالحون أقل، فكل فالحٍ ناجح وليس كل ناجحٍ فالح. وكثيرٌ هم المتحدثون عن النجاح، لكن القليل مَن تحدث عن الفلاح.
المقدمة:
أصل كلمة "فلح" ترك في الأرض شقاً، ومنه اشتق الفلّاح وهو الذي يشق الأرض من أجل الزراعة، ولعل هذا أحد أسرار اختيار القرآن الكريم لكلمة"الفلاح" دون الفوز ليُعطي معنى العمل والمشقة من أجل ما بعده، فالفلاّح لا يكتفي بشق الأرض بل لابد له من العناية والرعاية بالمزروعات حتى تُؤتي أكلها.
وفي لسان العرب :" قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: وَإِنَّمَا قِيلَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ مُفْلِحُونَ لِفَوْزِهِمْ بِبَقَاءِ الْأَبَدِ." وهذه إضافة رائعة -أقصد الديمومة-، وهذا سرٌّ آخر.
كثيراً ما نسمع عن النجاح، وكثيراً ما نطمح إلى النجاح، فكان من البديهي أن نسأل عن إغفال القرآن الكريم لكلمة "النجاح" فلم ترد مطلقاً بينما نجد أن "الفلاح" ومشتقاتها وردت أكثر من 25 مرة، مع أنهما يشتركان في الظفر والفوز بالشيء وإدراكه.
ومن المعروف أن النجاح يتطلب بذل جهدٍ وعملٍ دؤوب -غالباً- وكذلك الفلاح، إلا أن السر -والله أعلم- هو الديمومة والأبدية فالنجاح لا يشترط الديمومة و الاستمراية بينما الفلاح من مقتضياته الأبدية، وبمعنى آخر فإن النجاح يرتبط في الظفر والفوز المُؤقت (الدنيا) حيث أنه لا أبدية فيها، بينما الفلاح يرتبط بالديمومة (الآخرة) فهي دار الخلود.
ولما كان الخلود في الآخرة إما لجنة -نسأل الله العظيم من فضله- وهو الذي يطمح إليه العبد ويرجو الفوز به، وإما إلى النار -والعياذ بالله- والذي لا يرجوها ولا يتنمى الظفر به، كان ارتباط الفلاح بالفوز بالجنة.
وأمرٌ آخر وهو أن طريق الفلاح يمر بالنجاح، فالموفق من يسعى للنجاح في الدنيا لكونها مزرعة الآخرة فهي ميدان العمل ودار التكليف، فمن ظفر فيها واستثمرها وحقق مراده برضا خالقه كانت نهايته الفلاح بإذن الله، وفي المقابل قد يسعى العبد للنجاح في الدنيا ويحققه لكنه على غير هدى ولا طريق الحق فلا يحقق الفلاح وإن حقق النجاحات الكثيرة ،ومن هنا فكل فالحٍ ناجح، وليس كل ناجحٍ فالح.
الحريصون على النجاح كُثُر، لذا نجد العديد من الكتب والقصص والندوات والدورات والمؤتمرات التي تتحدث عن النجاح، سواء بتجارب شخصية أو دراسات مؤسسية، بينما الحديث عن الفلاح قليل وأقلّ منه الكلام عن آليات الفلاح .
نعم هناك العديد من الكتب والمقالات والمحاضرات التي تتحدث عن المفلحين وسماتهم مع ربطها السيرة النبوية وهدي خير البرية و بيان التطبيق لبعض سلفنا الصالح، لكننا نفتقد إلى كيف حقق أولئك تلك المنزلة وما الخطوات التي سلكوها والقواعد التي انتهجوها، عدا النزر اليسير لبعض المحاولات هنا أو هناك، وهي محاولات جميلة لكنها في البداية.
ومن هنا كانت فكرة هذا الكتاب وهي السعي في استنباط القواعد المعينة -بعد الله- لنكون من الفالحين وفق منهج كتاب رب العالمين، وهو اجتهادات تعتبر بداية الانطلاق نحو الفلاح الفردي والجماعي، و أزعم أن الكتاب هو الأول من نوعه في هذا المجال (مجال قواعد الفالحين) ، فكل مَن أراد الوصول إلى الفالحين فعليه بتلك القواعد بلا مفر.
بالتأكيد ليست تلك القواعد هي السبيل الوحيد، لكنها بلا شك ترسم الطريق وتنيره للفالحين بما لا يستغني عنه، ومن البديهي أن تلك القواعد لن تؤتي ثمارها إلا بتحويلها إلى واقعٍ على الأرض، فهي ليست فرضيات ولا أمنيات لكنها سلوكيات قابلة للتطبيق، والموفق هو الذي يعلم الحق ثم يعمل به.