الحلم من منظور فرويد
من يقرأ في تاريخ العلوم لا يخفى عليه أن الجو الفكري السائد في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان عبارة عن ثورة وغليان فكري للعلوم بكافة أقسامها.
وعندما نشأ التحليل النفسي الذي كان الأساس في رحلة اكتشاف الإنسان ليس من خلال فهمه وحسب! بل من خلال إعادة تشكيل نموذج إرشادي جديد للإنسان قائم على تصور اللاشعور الذي يحتوي على الجزء الأكبر والأعمق من معاني وحقيقة الإنسان.
وبناءً على هذا المفهوم كان التحليل النفسي ثورة في علم النفس والطب النفسي، ثورة صنعت تغييرًا وخلقت تأثيرًا واسعًا نراه إلى يومنا هذا من إعادة فهم الذات الإنسانية وفق آليات وميكانيزمات نفسية، ولهذا يعتبر العالم النفسي سيجموند فرويد منارة معرفية في الصف الأول مع كوبرنيكوس ونيوتن وداروين وأينشتاين.
ماهية الحلم
إن الحلم من منظور فرويد ما هو إلا حالة من الهذيان، ويشابه الهذيان المرضي في أعراضه ويختلف معه في مدته القصيرة وفي كونه لا يشكل ضررًا على الحالم، بل أن الأحلام تؤدي وظيفة مفيدة للإنسان وفق إرادته، لذلك فالحلم لايعد مدخلًا لدراسة الأمراض العصابية بل هو نفسه يشكل نوعًا من الأعراض العصابية وما يميزه عن غيره هو أنه يظهر بصورة عامة لدى جميع البشر بلا استثناء.
لذلك مهما بلغ الإنسان من الصحة النفسية فإننا عن طريق أحلامه والدخول لعالمه الخاص باللاشعور قد نصل إلى نتائج تحليلية حول شخصيته ورغباته تشابه نتائج وتحليلات مرضى العصاب.
فالحلم والعصاب كلاهما ينشئان من مصدر واحد ألا وهو الكبت
كيف يحدث الحلم؟
إن الحلم هو الهذيان الفسيولوجي للإنسان السليم المعافى، فأثناء الحلم يدخل الإنسان النائم في حالة من التراجع النفسي في المقاومة الخاصة بالكبت بشكل كبير جدًا، هذا التراجع هو الذي يسمح بحدوث الحلم وبالتالي دخول الحالم إلى عالم اللاشعور النفسي الخاص به، بالإضافة إلى أننا أثناء الحلم نتحرر ونتخلص بشكل جزئي من التوتر الذي يتسبب به هذا الكبت لرغباتنا وحاجاتنا الشعورية.
إن الأحلام وفق فرويد ليست نشاط عشوائي من الدماغ بل هي مجموعة من الحلول البديلة لمجموعة المواقف والأحداث النفسية المتوترة التي لم يستطع الإنسان إشباعها في الواقع.
إن جوهر عمل الحلم لدى فرويد هو تحويل الأفكار اللاشعورية المكبوتة إلى خبرات ذهنية مشبعة إشباعًا جزئيًا، فتحقيق الرغبة هو أحد أشكال وظائف الحلم.
إن الحلم يحتوي على مضمون ظاهر وكامن!
فإذا كان الحلم عبارة عن صور قلقة ومكدرة للحالم فذلك بسبب الرقابة الشديدة من الأنا للحالم نفسه التي شوهت المضمون الظاهر للحلم.
لكن هذا لاينفي أن الحلم قد حقق الغاية ولو بشكل جزئي في مضمون الحلم الكامن.
فقد يحدث للأحلام إخفاق في مضمونها الظاهري لكنها تؤدي وظائفها بشكل جزئي(إشباع الرغبات).
فعلى سبيل المثال إن الكوابيس هي من وجهة نظر فرويدية أحلام ذات طابع جنسي شديد الكبت، لذلك فإن الليبيدو الذي يحقق اللذة لتلك الدوافع قام بتخفيف القلق الناتج من هذا الكبت الشديد وتقليله عن طريق ترهيب وتخويف الحالم حتى لا تنفجر هذا الرغبات.
لا توجد أحلام بريئة
إن ما نحلم به دائمًا ما يكون يحمل قيمة نفسية واضحة وإذا ظننا العكس بسبب التشويه الذي يطرأ على مضمون الحلم الظاهري أحيانًا فلابد من تفسيره.
لأن الرغبات هي منبهات ومحفزات الأحلام وتحقيق هذه الرغبات هو مضمون الحلم الذي يدعي أنها أُشبعت.
ما الحلم إلا استجابة أثناء النوم للحدث الذي وقع للإنسان في حالة اليقظة
سيجموند فرويد
إن الأحلام تحقق لنا الرضى النفسي، فنحن حين ننام نشعر بإشباع لرغباتٍ مكبوتة أو غير متاحة لنا على أرض الواقع، فالأحلام تحمينا من حالة القلق التي تعترينا نتيجة لهذا الكبت وأيضًا تساهم في زيادة وكفاءة جودة نومنا، فالأحلام تحقق لنا الإشباع الجزئي للرغبة وتخفف من مشاعر القلق والكبت.
لذلك فالأحلام ليست فعل عشوائي يحدث أثناء النوم، بل هي بمثابة الحارس الشخصي لذواتنا والحامي لمنطقة اللاشعور أثناء النوم.
لولا الأحلام لما نمنا أبدًا، فمن أهداف الأحلام أن تمنع الإنسان من الإستيقاظ بسبب الطبيعة القلقة والمتوترة الذي يعبر عنها الهو أثناء النوم.
إن الأحلام تتيح التفريغ الجزئي للرغبات.
إن الحلم في معناه الحقيقي هو القالب الذي يسمح بإستمرار عملية النوم، وأن الحلم ظاهرة نفسية صادقة تساهم في تحقيق الرغبات، فالحلم طريق متصل بين ما يدركه الإنسان من نشاط في فترة صحوته وبين أفكاره المدفونة في اللاشعور.
ما هي الآلية الشعورية في الأحلام؟
لفهم الآلية الشعورية في الأحلام من وجهة نظر فرويد لابد أن نتطرق إلى مصدرين يتطلبان إشباعًا من الأنا، الأول يسمى (ماقبل الشعور) وهو عبارة عن الأفكار التي تلاشت بسبب النسيان ولم تتعرض لإنفعالات تؤدي إلى الكبت.
والثاني هو ما يسمى (اللاشعور) وهو عبارة عن الدوافع المكبوتة أو التجارب المتعلقة بالطفولة الأولى.
فرويد يرى أن الحلم إن لم يكشف لنا عن مستقبل الفرد فإنه يبدي لنا بعض الجوانب الأساسية في شخصيته وأن المضمون الظاهر في الحلم يخفي وراءه مضمونًا كامنًا.
نحن نستطيع أن نفهم الحلم إذا افترضنا أن الحلم الذي نتذكره بعد اليقظة ليس هو عملية الحلم الحقيقية وأنه مجرد ستار يتخفى وراءه المعنى.
لابد للمحلل أن يميز بين محتوى الحلم الظاهر - الصور التي نصفها في الحلم- والمحتوى الكامن وهذه العملية معروفة بإسم عمل الحلم.
إن أفكار الحلم ومحتوى الحلم كأنهما كلمتين مترادفتين تؤديان المعنى ذاته، فمحتوى الحلم قد يبدو كأنه نقل لأفكار الحلم على شكل كتابة مصورة واجب علينا أن ننقل رسومها رسمًا رسمًا إلى لغة أفكار الحلم.
مع ضرورة أن يأخذ المحلل بعين الإعتبار قراءة دلالات الحلم الرمزية وليس دلالاته الصورية لأن هنالك علاقة خفية وضرورية بين الطابع المبهم واللامفهوم للحلم وبين المقاومة التي تواجه كل محاولة لمحو فكرته ومحتواه الكامن.
والقاعدة هنا أن مادة الحلم الكامنة هي التي تحدد المضمون الظاهر للحلم حتى أدق تفاصيله.
وهذه التفاصيل لا تنشأ من أفكار معزولة! بل من أفكار مقتبسة من المادة الأساسية للحلم الكامن والتي قد تكون في أصلها تصورات ناشئة من مرحلة الطفولة الأولى وتعرضت للكبت.
على سبيل المثال؛ يروي فرويد قصة لحلم طبيب في العقد الرابع من عمره كان يرى أسدًا أصفر اللون في الكثير من أحلامه، وكان يصفه أدق الوصف ثم جاء يوم عرف فيه أن هذا الأسد لم يكن إلا لعبة خزفية كان يفضلها منذ طفولته ولم يعد يذكر شيئًا من ذلك.
ومن هنا و وفق فرويد لا يجب أن نأبه كثيرًا كمحللين معرفة مدى الدقة والأمانة في تذكر الحالم لحلمه.
إن ما يهمنا في الحلم ليس المضمون المرئي الظاهر الذي غالبًا ما يكون مشوهًا تحت تأثير الرقابة وفق الآليات التالية :-
(التكثيف- الإبدال- التحريف- النقل- الاستعاضة عن الشيء بجزئه أو بكنايته)
كمثال لذلك يذكر فرويد في كتابه -الحلم وتأويله- حلم لرجل رأى نفسه في حلمه حبيسًا في خزانة مال، وبتأويل الحلم قد استبدل في أول خاطر عرض له كلمة خزنة مال بكلمة خزانة ثياب خاصة بأخيه، وفي الخاطر التالي انجلى تأويل الحلم أخوه يضيق على نفسه ويضغط نفقاته كأنه يحشر نفسه في خزانته مع استبدال الحلم من شخص أخيه إلى شخصه هو.
إن أول ألية للحلم وفق فرويد هي التكثيف وتعني أن يكون محتوى الحلم الظاهر أصغر من محتوى الحلم الكامن أو ترجمة مختصرة له.
فقد نرى في الحلم الظاهر صورة مختصرة تجمع عدة شخصيات في الواقع كأن نجد شخصية تلبس لباس شخص مشهور وتسلك سلوك شخص قريب من الحالم وتوجد في مكان يسكنه شخص مختلف عن الحالم!
فتكون الغاية من التكثيف هنا الجمع بين هؤلاء الأشخاص في سمات أو صفات واحدة يجدها الحالم تجمع بينهم، كأن يكونوا كلهم ذكورًا وأصحاب بشرة بيضاء في منتصف الثلاثين!
لهذا دائمًا ما يكون حجم الحلم الظاهر صغير جدًا بالنسبة إلى ثروة المادة التي ينشأ عنها.
الخاصية الأخرى للحلم هي النقل، حيث تنتقل الشحنات النفسية في الحلم من عنصر لآخر بفعل الكبت الجاري ضمن الحلم أيضًا، حتى أنه غالبًا ما يحدث أن أحد العناصر التي لم تكن لها أهمية في أفكار الحلم، قد تصبح أوضح عناصر الحلم الظاهر وأكثرها أهمية، وبالعكس فإن العناصر الهامة في أفكار الحلم قد تظهر فقط في صورة تلميحات خفيفة في الحلم الظاهر وهنا يتجلى أثر النقلة التي تصعب تفسير الأحلام، حيث تستبدل العناصر الانفعالية في الحلم بأخرى حيادية مرمزة.
الخلاصة