اِنْسِلاخٌ


التحرر من الألم


كلما مرّ الواحد منا بموقفٍ صعب، فقد من نفسه شيء، وهكذا نتداعى

حتى ينهض فينا شخصٌ جديد لا نعرفه.


لطالما كنت مولعة بطبيعة الأفاعي.. بل بشكلٍ خاص في قدرتها على تبديل جلدها بين الحين والآخر، حيث أن هذا التبديل يحدث نتيجة نموها المستمر وازدياد قوتها، وخلال فترة الانسلاخ التي تمر بها الأفاعيي يصاحبها سلوك نحو العزلة وقلق شديد وترقب! 

وخوف من الكائنات الأخرى المفترسة لأن القشور تشكل عائقًا على بصرها بالإضافة إلى انعدام شهيتها.

رمزية الأفعى

من بين جميع الرموز التي أخذت معانيها من مراقبة الإنسان للطبيعة، فإن رمزية الأفعى كانت الأكثر سحرًا، فقدرتها على تجديد جلدها تبدو بالنسبة للناظر إليها وكأنها ولادة جديدة، لذا فقد غدت رمزًا للانبعاث والخلود، كما ارتبط بالولادة والأمهات. 

طوال حياة الإنسان وهو يمر بتقلبات وفصول ومراحل، يتجدد باستمرار ،يتغير يومًا بعد يوم ليلاحظ من حوله أنه أصبح إنسانًا مختلفًا كليًا عن السابق، ومن هنا تبدأ سلسلة طويلة من العتاب من محيطه وتتردد أسئلة مثل:

“فلان تغيرت؟

ما عدت صديقنا اللي قبل؟

وين مختفي؟ 

والخ..


لم يتساءل أحد عن دوافع هذا الانسلاخ؟

لم يلاحظ أحد المراحل الطاحنة التي مر بها الإنسان حتى يتجرد كليًا من ذاته القديمة ويصبح شخصًا مختلفًا كليًا عن السابق، شخصًا غريبًا حتى عن ذاته!

دافعي في الكتابة

لطالما تعكزّت على الكتابة، ولست أدري هل أنا كاتبة فعليًا أم لا..

لكنني أدرك أن الكتابة هي وسيلتي الوحيدة لفهم كل ما يدور حولي، وسيلتي لقراءة ذاتي مع العالم، والطريقة الوحيدة لحماية عقلي من الجنون..


هذا العام عايشت أيامًا صعبة وقاسية، أيامًا وددت فيها لو أن حياتي تنتهي وأختفي وكأنني لم أكن يومًا حية، تعرضت لإحدى المواقف الضاغطة والقاسية جدًا على الإنسان، موقف واحد فقط إما أن يقتل الإنسان أو أن يجتازه ويتغير بالكامل لدرجة يستحيل بعدها أن يعود كالسابق، موقف واحد فقط حطم داخلي بالكامل وجعلني أقف على حافة الانهيار..


موقف واحد قلب موازين حياتي، لقنني درسًا أتذكره لحظة استيقاظي من النوم كل يوم.

فهم وتجاوز الألم

إن المعاناة من الألم لها آثار جانبية فهي ترفع من مستويات التوتر وتضخم الأعراض المؤلمة الأخرى المؤدية إلى الخوف والإحباط

من طبيعة الألم أن يتصاعد عندما نكافح ضده لذلك لابد لنا أن نفهم كيف يمكن أن تصبح علاقتنا بالألم والمعاناة أقل ضغطًا مما هي عليه؟

تتمثل الخطوة الأولى في فهم ما هو الألم؟

والخطوة الثانية هي كيف يمكن لنا تغيير موقفنا تجاه الألم!

الأمر بكل بساطة هو أن الألم لن يغير من نفسه أو يتوقف، بل نحن من يجب علينا تغيير تجربتنا مع الألم، حتى يخفف الألم من قبضته علينا، فبمجرد ما أن نتمكن من تخفيف قبضتنا على ما يؤلمنا ونتوقف عن التشبث به نصل إلى ما يطلق عليه الكثير من المعالجين "التحرر"

فالتحرر هو ما يسمح لنا باستثمار المزيد من وقتنا وجهدنا في مساعينا الروحية، بدلاً من أن نثقل كاهلنا بالمعاناة الجسدية والعقلية والعاطفية التي حصلت بالفعل ولا نستطيع تغيير حقيقتها.

قد يتحسن الألم وقد يتغير شكله ليصبح أقل وجعًا في كل مرة لكنه سيظل موجودًا .. إنه جزء منا، إنه نحن

كتب المعالج النفسي شون غروفر مقالًا منشورًا على Psychology today

أن أحد مشاكل الإنسان المعاصر هي طريقته في التعامل مع الألم، حيث يفضل عامة الناس التعامل مع الألم بعدم الحديث عنه وتجاهله وإنكاره بشكلٍ مستمر.


وينوه على أن هنالك آلالامًا قد تستمر ولكن استمرارية الألم لا تعني أنه يحدد هويتنا، هي فقط تذكير مستمر بأننا لابد أن نواجهه

لأن التعامل مع الألم يُعمق المشاعر الإنسانية لدى أصحاب الوجع ويجعلهم قادرين أكثر على التعاطف وفهم الآخرين.


صحيح أن الألم يذكرنا بقسوة الحياة ولكنه أيضًا يذكرنا بقيمتها، وأنه لولا الألم وتجاربه القاسية ما أدركنا قيمة اللحظات السعيدة.

ينصح غروفر بثلاثة خطوات لتجاوز الألم

أولها: مساعدة أشخاص لديهم معاناة مشابهة

ثانيها: مشاركة مشاعرنا مع المحيط القريب من عائلة وأصدقاء

ثالثها: عدم السماح للألم بأن يسيطر على حياتنا وإقناعنا بدور الضحية، لابد من إدراك حقيقة ما تعرضنا له والاعتراف به أمام أنفسنا ثم المضي قدمًا بغض النظر عما شعرنا به.

يتطلب تبني مواقف جديدة تجاه الألم 

التقييم الذاتي والتفكير والصبر

عندما نتمكن من التراجع عن تصوراتنا المسبقة بأن الألم “شعور سيء” فإننا نعرض على أنفسنا فرصة لإعادة تشكيل أنفسنا، من خلال طريقتنا في الحديث حول آلامنا وبشكلٍ تدريجي سنتمكن من معرفة ما نحتاج إليه للتشافي من خلال استماعنا لصوتنا الداخلي.


لأننا عندما نتمكن من موازنة حياتنا بطريقة لا نتشبث بها بشدة الألم أو مقاومته.. عندها نستطيع تغيير حياتنا.


لأن ما يمنع العقل من الوصول إلى الأمام هو أننا نتشبث بالأشياء التي نحبها ونتشبث بالصراع ضد الأشياء التي لا نحبها، ونتشبث بالمخاوف التي تديم الألم متناسين أن الألم جزء من النمو ونحن لا يمكن أن نتعلم إلا بهذه الطريقة.

الخلاصة

Join