أدب التشافي وتشكيل الذات

كيف نجد العلاج في الكتب ونعيش لحظات الشفاء بالقراءة؟

لطالما استوقفتني تلك الاقتباسات للروائيين والكتاب الذين أشادوا بقدرة القراءة على انتشالهم من قيعان البؤس والأسى وإضفاء معنى جديد لحياتهم عندما ظنوا أنها النهاية.

مثل الروائية التركية إليف شافاك عندما قالت: «الكتب غيرتني، الكتب أنقذتني، وأنا أعلم في صميم قلبي أنها سوف تنقذكم أيضا».

ساعدتني الكتب على فصل نفسي عن بالي المشغول والقلق. لقد واستني بطريقة تعجز عن إيجادها كلمات أي شخص آخر.

تذكرني بجوهري البسيط، بالشخص الذي أكونه عندما لا أضطر لأن أكون أي شيء آخر

آني سبينس

يقول إبراهيم نصر الله وهو كاتب وشاعر وأديب أردني له العديد من المؤلفات والكتب: «كلما ضعت، وجدت نفسي في الكتب».

هنالك الكثير مثل هذه الاقتباسات التي تدفعني للبحث والتساؤل عن سحر القراءة كأسلوب علاجي يُنصح بممارسته لفئة معينة من الناس الذين يواجهون صعوبات في حياتهم وعن طريقها يشعرون بالسيطرة، لقد أصدرت الروائية والمعالجة النفسية الفرنسية رجين دوتمبل كتابًا تحدثت فيه عن العلاج بالقراءة الذي تمارسه منذ سنوات عدة، وهو اتجاه وتخصص قائم بذاته ومهنة في الولايات المتحدة الأمريكية يهدف إلى تخفيف معاناة المرضى النفسيين الذين يمنحون بواسطة القراءة قوة على الخيال والإبداع.
حيث تؤمن المعالجة بأن للكتب قدرة هائلة على تهدئة الإنسان بنظمها اللغوية وتشكيل حروفها وبإيقاع جملها وموسيقاها، بملمس أوراقها وروائحها، إن القصص والروايات بالنسبة لها ليست ترفًا وسيناريوهات خيالية يغذي بها القارئ فقر عواطفه وشح خيالاته، بل إن هذه الروايات والقصص والأدب بشكلها العام تملك قوة هائلة ومذهلة في تأثيرها على النفس البشرية.

نحن البشر حين نمارس فعل القراءة نحن ننزع عن أنفسنا آلامها ومخاوفها وقلقها وحزنها من خلال إشباع هذه المشاعر بنصوص نجدها وتمنحها لنا الكتب.
ففي حالات المرض سواء كان جسديًا أو نفسيًا أو في حالة الإعاقات أو في سن الشيخوخة، يكون اقتناء كتاب ما ضروريا لأن الكتب تسمح بتطوير قدرتنا على التحمل والتجدد في صراعاتنا الحياتية أو أقلها تساعدنا على استعادة مساحات من الحنين وذكريات الماضي.

إن قراءة الأدب تساعد الإنسان على مقاومة المشاعر السلبية والخنوع وفقدان الاستقلالية التي تواجهه من حين إلى آخر، لأن القراءة فعل تكوين وتشييد واستعادة مكانة اعتبارية وبالتالي فالعلاج بالقراءة له تأثير ويساهم في اتساع وجودنا الضيق إلى آفاق لم تكن في الحسبان.
لا بد لنا أن نفكر في الأدب كوسيلة علاجية، فهو يمنح الإنسان خلطة كيميائية وروحية تشفي الحزن والجهل والعزلة واليأس وتلبي الحاجة الفطرية في الإنسان إلى فهم معنى الأشياء وتفسير العالم من حوله بطرق جديدة.

الخلاصة

إن هناك كتبًا بعد قراءتها تمنحك القدرة على الوصول لذاتك وكتبًا تعيد انبعاث الحياة في داخلك، وكتبًا تستقر في قلبك للأبد وتعاود قراءتها مرة تلو مرة.


أؤمن بأن لكل شخص في هذه الحياة كتابه السري، كتابه العزيز..
ربما ليس جميلًا كفاية وربما هو غير مكتوب بشكل جيد جدًا ولكن كل هذا لا يهم لأنه بالنسبة لقارئه هو الجمال نفسه، وهو الصديق والوفي بالعهد.
كل واحد منا ينتظره في حياته كتاب في مكان ما ويجب العثور عليه لأنه سيغيره للأبد.

إن الروايات والقصص تقوم بخلق لقاء مع خيالنا بشكل متجدد وهذا الخيال سيساعدنا على مقاومة المعاناة وفتح نوافذ لم نكن نتوقع وجودها في هذه الحياة، إن قراءة الأدب أفضل وسيلة للعلاج من قلق العالم المعاصر، فداخل الرواية والقصة والطريقة التي يتم بها السرد تكمن القيمة الفعالة للأدب لأننا لا نقرأ النصوص المكتوبة بل نقرأ ذواتنا من خلالها.