الوحدة عقبة السعادة


«لا يمكن للسعادة أن تكون حقيقية إلا حينما تنبع من دواخلنا ونستطيع أن نشاركها مع الآخرين»


من المعروف عن الجنس البشري أنه يستمد قوته من الحالة الجماعية التي يضع الفرد نفسه فيها، إن الحياة تحتوي على تنوع هائل من الكائنات الحية، فهنالك كائنات أقوى وأسرع وأكثر شراسة

لكن!
ما الذي يميز الإنسان عن بقية هذه الكائنات ليصبح هو السيد في أعلى هرم الحياة؟
إن التفوق النوعي الوحيد الذي يملكه الإنسان أمام هذه الكائنات الحية هو العقل، هذه الكلمة المعنوية والتي تعني القدرة على التفكير والإدراك والذكاء وغيرها من العمليات الذهنية التي لا تستطيع الحيوانات فعلها، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي استطاع أن يخلق حالة اجتماعية من التفاهم والترابط مع بني جنسه، وأنتجت هذه الصلات علاقات ساهمت بظهور الفن وتطور العلم وصناعة الأدب وغيرها من مظاهر الحياة المدنية.
إن أحد التحديات الرئيسية في بحثنا عن السعادة هو شعورنا بالوحدة، فكلما تعلمنا أكثر عن السعادة أصبحت الوحدة عقبة نراها كلما اختلينا مع أنفسنا لبعض الوقت، فما الفرق بين الوحدة والعزلة؟
وأيهم يجلب لنا السعادة؟ ومن منهما قد يسبب لنا التعاسة؟
يتكلم الكثير من الأخصائيين عن تأثير الوحدة على المنطقية التي يفكر بها الإنسان، وهناك خلط بين مصطلحي «العزلة» و«الوحدة»، فالأولى أمر اختياري بكل بساطة، أما الثانية فلا تكون باختيار الشخص وتؤثر على حياته بشكل كبير جدًا وقد تؤدي إلى الوفاة أو أفعال لا يُحمد عقباها.

موجز دراسة علمية

بشكل عام، يُفترض أن الوحدة العاطفية تشير إلى غياب شخص يمثل مصدر ارتباط عاطفي (إلى جانب مشاعر العزلة)، بينما تُعرَّف الوحدة الاجتماعية بأنها نقص شبكة اجتماعية، وغياب دائرة من الأشخاص تُتيح للفرد تطوير شعور بالانتماء والرفقة والانخراط في مجتمع.


في الحياة اليومية وفي مجال البحث، أشار العديد من الباحثين إلى مصطلحي "الوحدة" و"العزلة الاجتماعية" بصورة متبادلة، بينما يرى آخرون اختلافًا جوهريًا بينهما. ويعتمد إجراء تقييمات دقيقة على تعريف واضح لمفهوم الوحدة، مع وعي خاص بتعدد أبعاده واختلافه عن المفاهيم المرتبطة مثل العزلة الاجتماعية أو نقص الدعم الاجتماعي.

تُعرِّض الوحدة والعزلة الأفراد لمخاطر الضعف أو الهشاشة الاجتماعية؛ إذ يرتبط هذا المفهوم الديناميكي للندرة ارتباطًا وثيقًا بالاستدامة والتنمية والاستبعاد الاجتماعي والفقر ونقص موارد الدعم الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، فإن الضعف الاجتماعي مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهشاشة الجسدية والوفيات.

يرى البروفيسور «جون كاتشبو»، أستاذ علم الأعصاب والسلوك الاجتماعي بجامعة شيكاغو أن الشعور بالوحدة لا يؤثر فقط على الإيقاع الحيوي والنفسي للإنسان بل هو أيضًا مشكلة عضوية، لأن الوحدة تشكل خطرًا على الحياة..
فعلى سبيل المثال:

  • السمنة ترفع معدلات الموت المبكر بنسبة ٢٠٪، بينما الوحدة ترفعها بنسبة ٤٥٪، وهذه دلالة على خطورة الوضع

    من المهم أن ندرك سبب شعورنا بالوحدة لأنه عندها فقط يمكننا أن نرى كيف يمكننا التعامل معها.
    إن الوحدة عامل رئيسي في التعاسة، لذا هي مجال مهم يجب معالجته إذا كنا نسعى إلى جعل أنفسنا أكثر سعادة، يقول البرتغالي «فيليبا لانديرو»، أستاذ اقتصاديات الصحة بجامعة أكسفورد ببريطانيا: «يساعد العلاج الجماعي في تبادل التجارب بين الأشخاص، ومن ثم إيجاد موضوعات اهتمام مشترك، كما يمكن لهؤلاء الأشخاص العثور على شخص لديه المشاعر نفسها، بما يُكسبه ثقة بالذات وأنه ليس وحيدًا في هذا العالم»، يهدف العلاج الجماعي إلى رفع المهارات الاجتماعية للأشخاص والمجموعات لدمجهم من جديد في بيئاتهم الخاصة.

الخلاصة

لقد حان الوقت لنفكر جديًا في العديد من خياراتنا في الحياة، فقلة الأصدقاء، وتفضيل عدم الزواج، والميل إلى العيش منفردًا، خيارات بات من المؤكد قدرتها على التأثير السلبي على صحتنا النفسية والجسمانية.
واحد من مفاتيح السعادة هو الصلة القوية مع الآخرين والافتقار لهذه الروابط ولو مؤقتًا هو عقبة رئيسية أمام شعورنا بالسعادة.


إن أوضح الفروقات بين الوحدة والعزلة هي أن الأولى تسبب للإنسان حالة من التشتت والقلق واستنزاف الطاقة والثانية تجدد الإبداع لدى الإنسان وتمده بشعور السلام والراحة.


لكي نكون سعداء نحتاج إلى روابط حميمية وعلاقات متينة وجذورها عميقة، نحتاج إلى أن نكون قادرين على الثقة ونشعر بالثقة تجاه أنفسنا وتجاه علاقاتنا وأن نشعر بالانتماء، وأن نتلقى الدعم ممن نحب وأن نقدمه لهم، لأن العلاقات القوية المتينة والحقيقية هي المفتاح للحياة السعيدة.