وظيفة ١٠١

لطالما نظرت للحياة باعتبارها مواسم وفصول، فصل يبدأ وآخر ينتهي، وأحد هذه الفصول عايشته مؤخرًا ألا وهو بدايتي في سوق العمل، يبدأ الإنسان حياته في تسلسل مُحكم ورهيب، سنوات الطفولة الأولى والمناغاة، ثم التدريب على النطق والمعارف الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب في المرحلة الابتدائية، ثم يخوض شيئًا فشيئًا غمار الحياة الفعلية في المرحلة المتوسطة والثانوية، ثم يُصارع كثرة التخصصات والرغبات في المرحلة الجامعية، ثم يتنافس بشراسة مع أقرانه في سوق العمل!

ثم يعيد الكرة من أجل التميز في مجاله المهني الذي اختاره. وبالرغم من هذه المراحل لا أحد يذكر لنا كيف بدأ؟

لا نجد نصائح فعلية للتكيف مع هذه المراحل خصوصًا في مرحلة التنافس بشراسة في سوق العمل!

لا أحد يفضي لنا بالأسرار والحيل التي تسمح لنا بأن نتطور بأفضل طريقة ممكنة!

 

يبدأ الإنسان حياته المهنية في منتصف العشرين، ويخرج من محيطه الصغير وحدود خبرته إلى العالم الأكبر وغالبًا ما يرافق هذا الخروج صدمة!

لأن الإنسان في محيط العمل يقابل الأشخاص ذوي الطباع المختلفة، والخلفيات الثقافية المتنوعة، حيث يفضل التعامل مع أنماط معينة ويتجنب التعامل مع الأنواع الأخرى.

في بيئة العمل قد يجد الأصدقاء المتعاونين، وأخرين يجد صعوبة في الوصول إليهم وفهمهم، ولأنه يقضي معظم يومه في العمل فهو مجبر على التعامل مع كل أفراد الإدارة وزملاء العمل سواءً راقوا له شخصيًا أم العكس!

وإلا سيقضي معظم وقته في ضغط إضافي على ضغط العمل!

بقدر ما يتمتع به الإنسان من ذكاء، فإننا نعتمد على الفئات الاجتماعية من أجل البقاء، لقد تطورنا لنعيش في مجتمعات تعاونية، وطوال تاريخ البشرية اعتمدنا على هذه المجموعات في حياتنا، وظهرت حاجتنا للقبول الاجتماعي كآلية للبقاء ولأن البشر لديهم حاجة أساسية للانتماء، هذه الحاجة متجذرة بعمق في تاريخنا التطوري ولها كل أنواع العواقب على العمليات النفسية الحديثة، لذلك تظهر عدة ممارسات حديثة في بيئات العمل اليوم تهتم بالجانب الاجتماعي والنفسي للموظف، حيث تقوم كبرى الشركات باستقبال موظفيها الجدد وعمل احتفالية تقتصر على زملائهم في الإدارة لتعزيز الترابط الاجتماعي ونشر مشاعر الألفة والود فيما بينهم مما يساهم في تعزيز الإنتاجية والعمل بروح الفريق.

وهذا ما يجعل صُناع القرار والمدراء في كافة القطاعات يدركون حاجة الإنسان للقبول والانتماء من خلال المنهجية المتبعة في التواصل داخل المنظمات والمؤسسات والشركات، أن يشعر الإنسان أنه ينتمي لكيان كبير مع مجموعة من الأشخاص الذين يتشاركون معه الرؤى والطموح أعظم بكثير من تقديم الحوافز المادية التي تجعل البشر اليوم أشبه بالآلات.

 

أحد الصعوبات التي تعترض الموظف الجديد في بيئة العمل هي "الرفض"، وهي ظاهرة نفسية واجتماعية من الرفض للموظف الجديد تأتي من الموظفين القدامى، ومن الشائع جدًا أن الموظف الجديد لا يجد حفاوة كبيرة عند قدومه، فهو من جهة منافس، ومن جهة عبء على الموظفين القدامى، وبالتالي عليه أن يتقبل حساسية بعض الموظفين القدامى تجاهه كموظف جديد، والتي ستنتهي خلال أيام أو ربما أسابيع.

 

لكن هذا المقال لا يهتم بسرد ألية التجاوز والعلاج للشعور بالرفض، بل محاولة فهم سلسلة العواقب المترتبة على الإنسان المرفوض، عندما تعمق الباحثون النفسيون خلال السنوات الماضية في جذور الرفض، وجدوا أدلة مدهشة على أن ألم الاستبعاد لا يختلف كثيرًا عن ألم الإصابة الجسدية، الرفض له آثار خطيرة على الحالة النفسية للفرد وعلى المجتمع بشكلٍ عام، ويمكن أن يؤثر الرفض الاجتماعي على العاطفة والإدراك وحتى الصحة الجسدية.

وجد الباحثون أيضًا أنه هنالك سلسلة طويلة وممتدة من الألم العاطفي والمعرفي على الإنسان المرفوض اجتماعيًا، فالرفض الاجتماعي يزيد من الغضب والقلق والاكتئاب والغيرة والحزن، ويقلل من الأداء في المهام الفكرية، ويساهم في ظهور العدوانية وضعف التحكم في الانفعالات، يعاني الأشخاص الذين يشعرون بأنهم مستبعدون بشكلٍ مستمر من ضعف في نوعية النوم، وأن أجهزتهم المناعية لا تعمل مثل الأشخاص الذين لديهم روابط اجتماعية قوية.

 

بالرغم من شيوع الرفض الاجتماعي بين البشر إلا أن الطرق في التعامل معه تختلف، غالبًا ما يستجيب الناس للرفض بالسعي إلى الاندماج في مكان آخر. يقول وليامز وهو أحد الباحثين في المجال: " إذا تم إحباط إحساسك بالانتماء واحترام الذات، فسوف تحاول إعادة الاتصال". يصبح الأشخاص المستبعدون أكثر حساسية للإشارات المحتملة للتواصل، ويقومون بتكييف سلوكهم وفقًا لذلك. يقول أيضًا:

" سوف يولون اهتمامًا أكبر للإشارات الاجتماعية، وسيكونون محبوبين أكثر، وأكثر ميلًا للتوافق مع الآخرين، وأكثر ميلًا للامتثال لطلبات الآخرين".

 

ومع ذلك، قد يستجيب الآخرون للرفض بالغضب والهجوم، إذا كان الشاغل الأساسي لشخصٍ ما هو إعادة تأكيد الشعور بالسيطرة، فقد يصبح عدوانيًا كطريقة لإجبار الآخرين على الانتباه. للأسف، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دوامة هبوط وأعني بذلك عندما يتصرف الناس بعدوانية، فإنهم أقل عرضة لتقبل المجتمع.



تبنى أماكن العمل الرائعة من خلال علاقات العمل اليومية التي يعايشها الموظفون، وليس من خلال قائمة البرامج والمميزات.

تعد الثقة بمثابة العامل المشترك الأكبر في هذه العلاقات، ومن جهة نظر الموظفين فإن المكان الرائع للعمل هو المكان الذي يشعرون فيه:

بالثقة في الأشخاص الذين يعملون لديهم، وبالفخر بما يعملون، وبالسعادة للعمل مع الأشخاص الذين يعملون معهم، وهذا لايمكن الحصول عليه في بيئة عمل تمارس الرفض على موظفيها الجُدد.

 

Join