همس الأسرار والخفايا التي تحكمنا

 في زوايا معتمة من الوعي البشري، تكمن الأسرار ككائنات حية تتنفس الغموض وتتغذى على الصمت، نحن في عالمٍ مليء بالألغاز، لكلٍ منا أسراره التي لا يعلم عنها أحد.. أسرار تخيفنا، تؤرقنا ونخشى أن تنكشف.. أسرار ارتكبناها في لحظات ضعف، وأخرى طيش، وربما في لحظات لم يكن هنالك خيار آخر..

أكتب هذه التدوينة على عجل، في نهاية عام 2023 أواخر شهر ديسمبر، وأيامه الباردة. أنوي أن تكون هذه التدوينة هدنة الوداع بيني وبين كل المخفي وأرجو ألا يطفو على السطح مجددًا في سنواتي القادمة.

تدوينة تحرير، وإطلاق سراح لكل الذي كبته واخفيته بيني وبين نفسي سابقًا


أكتب هذه التدوينة بإلهامٍ من سؤالٍ عابر قرأته وأنا اتصفح حسابي في منصة X

"ما هو السر الذي لو انكشف انتهت حياتك؟"


سؤال عميق، يجعلنا نعيد محاسبة ذواتنا، نبش دهاليز الماضي وقبور الذكريات، فلترة الأخطاء والندم!

الكثييييييييير من الندم.


ولأنني إنسانة، تهوى البحث في السلوك البشري، وأعلم يقينًا أنني لست الوحيدة التي لديها أسرار، قمت بالبحث عن دوافع إخفاء البشر أسرارهم، ووجدت العديد من المقالات والكتب أشارككم نتيجة بحثي البسيط في هذه التدوينة.

"الحياة السرية للأسرار"

يأخذنا الباحث مايكل سيلبيان، مؤلف "الحياة السرية للأسرار"، في رحلة استكشافية عبر أعماق النفس البشرية.

يروي سيلبيان عن استطلاعه الذي شمل أكثر من 50,000 شخص حول العالم، وكشف عن حقيقة مذهلة:

أن 97٪ منهم يخفون سرًا واحدًا على الأقل من القائمة التي أنشأها، والتي تتراوح من إيذاء الآخرين إلى التفضيلات الجنسية غير المعتادة.

يقول سيلبيان عن الأسرار:

"بعيدًا عن كونها ما يجعلنا مختلفين، الأسرار هي ما نشترك فيه."

يقول سيلبيان أن بعض الأسرار الأكثر شيوعًا تشمل الرغبة الرومانسية، والقضايا المتعلقة بالمال والشؤون المالية، والجنس، وهو ما لن يكون مفاجئًا. الأسرار العائلية شائعة جدًا، والطموحات السرية، وعدم الرضا عن شيء ما، سواء كان ذلك في حياتك الاجتماعية، أو مظهرك الجسدي، أو حياتك الرومانسية، أو مشكلات تتعلق بالصحة العقلية، أو انتهاك ثقة شخص آخر.

أيضًا يحكي سيلبيان أنه عندما نقرر البوح، لابد من وقفة حقيقية تجاه الشيء الذي يجب مراعاته عند البوح بالسر!

أولاً: هو ما هو سبب رغبتك في إخبار الشخص؟ هل هو أنك لا تستطيع التفكير في هذا الشيء الذي يدور في رأسك بعد الآن، وتريد إزالته من صدرك وإخراجه إلى العلن وعدم التعامل معه باعتباره سرًا بعد الآن؟

يناقش سيلبيان كيف يؤدي الخجل والخوف من الحكم الاجتماعي إلى الاحتفاظ بالأسرار، ولكنه يتساءل

لماذا يبوح الناس بها في نهاية المطاف؟

هو يرى فيهم مشاعرًا من العار، والعزلة، وعدم اليقين، وعدم الأصالة.

ومن بين كل هذه الأشياء، يبدو أن الأكثر ضررًا بالنسبة لهم هو الخجل!

والسبب في ذلك الخجل هو التقييم السلبي لصاحب السر. 

لأنه يشعر بإنعدام القيمة، والعجز، والصغر، فمن الصعب حقًا تغيير ذلك. 

من الصعب حقًا ألا يشعر بالخجل وأن يتجاهل ذلك نوعًا ما.

ولكن هناك طريقة للمضي قدمًا إذا كان هذا هو الشيء الذي يعيقه، وهو أنه إذا كان العار هو تقييم سلبي للذات، إذا كان بإمكانه فقط إعادة توجيه هذا التقييم السلبي إلى السلوك المعني، فهذا ما نسميه بالذنب. لذا بدلًا من التفكير في نفسه كشخص سيء، يمكنه أن يقول: "لقد فعلت شيئًا سيئًا ".

والأمر المفيد جدًا في إعادة صياغة الأمر بهذه الطريقة هو: ليس عليه القيام بذلك الشيء مرة أخرى في المرة القادمة. يمكنه التصرف بشكل مختلف في المرة القادمة. يتغير الناس، ويمكنه التعلم من ماضيه، ويمكنه استخلاص درس، ويمكنه القيام بشيء ما للمضي قدمًا بشكل مختلف.

وهذا يحول التقييم السلبي من نفسه بالكامل إلى شيء قام به في الماضي.


يجيب أيضًا بأن الأشخاص عندما يبوحون فهم يرغبون في فهم أنفسهم وتجاربهم، كما لو كانوا يتعاملون مع صدمة!

التدوين والكتابة كما يشير تعتبر طرقًا لتحليل الأسرار وإعطائها معنى يساعد على التخطي عاطفيًا وأحيانًا قد يكون وسيلةً تساهم في الحفاظ على السر بشكلٍ أفضل.

إذ يقول سيلبيان إن الكتمان للسر قد يحمي الآخرين، ويشدد على أهمية التكيف مع الألم الذي قد يسببه هذا السر لصاحبه، مع الأخذ في الاعتبار أن الحفاظ على السر قد يكون في الواقع نبيلًا وضروريًا، وليس دناءةً وخسة.

كتابه تطرق إلى كيف نفهم بشكلٍ أعمق تأثير الأسرار على حياتنا وعلاقاتنا، وقدم نظرة شمولية على الديناميات النفسية وراء الاحتفاظ بالأسرار والكشف عنها، ففي زوايا النفس الإنسانية، حيث تتعانق الرغبات المخفية بأسرارها المحملة بعبء الصمت، يقف الإنسان على حافة الصراع بين الرغبة في حماية عالمه الداخلي والشوق إلى التحرر من أغلال الكتمان!

فالأسرار بثقلها النفسي تزرع بذور العزلة وتنبت أشجارًا من التوتر في حدائق الذات والكشف عنها قد يجلب بلسم شفاء ويعيد رسم خرائط العلاقات الشخصية، لكنه في الوقت ذاته يحمل بين طياته مخاطر قد تعصف بأركان الثقة والتواصل!

لذلك يظل القرار بين الاحتفاظ بالسر أو البوح به متأرجحًا على ميزان يقاس بطبيعة السر، ومقدار الثقة في الآخرين الذين سيبوح لهم، وملامح الواقع الشخصي والاجتماعي للفرد عندما يعري هذا السر.

الختام

أسرارنا مهما بدت بشعة، غير أخلاقية، وسيئة فهي تعكس جوهر إنسانيتنا ومشاركتها قد تكون خطوتنا الأولى نحو تحرير أنفسنا عاطفيًا وازدهارنا كبشر، نخطئ ونصيب!

فلا داعي للخجل.


أمنياتي بأن يكون عام 2024 أكثر وضوحًا، ونقاءً وازدهارًا لي ولكم.

Join