عن شهوة الموت والرغبة في

الانتحار.

قراءة وتحليل لنماذج وأمثلة

قبل عدة أسابيع أثناء تصفحي حسابي الشخصي على تطبيق تويتر، وقعت عيناي بالصدفة على تغريده لأحدهم يُعبر فيها عن صدمته وحزنه الشديد بسبب فقدانه لإحدى صديقاته التي قررت أن تنتحر وتنهي حياتها بمحض إرادتها، وبالرغم من الألم الذي شعرت به أثناء قراءتي لمشاعر صديقها الحزينة إلا أن تعليقًا مكتوبًا من أحد المتابعين له هو الذي أثار فضولي لكتابة هذه التدوينة "لماذا انتحرت؟"

سؤال يراود العديد من الناس وتحديدًا المحيط القريب لضحية الانتحار

:تساؤل التدوينة

ما الذي يدفع الإنسان لإنهاء حياته برغبةٍ خالصة منه دون أية تدخلات خارجية؟

الانتحار في الأدب

الموت حرفة… وأنا أتقنها بشكل استثنائي



سيلفيا بلاث حاولت الانتحار عدة مرات ونجحت في محاولتها الأخيرة عندما وضعت رأسها في فرن الغاز.

إن حدث انتحار سيلفيا كان صادمًا لأنها انتحرت بشكلٍ وحشي للغاية، ماتت مسمومة بأول أكسيد الكربون بعد أن حشرت رأسها في الفرن، حيث وضعت مناشف مبللة تحت الأبواب لتكون حاجزًا بين المطبخ وبين غرف أطفالها، وعند قرابة الرابعة والنصف فجرًا كانت سيلفيا بلاث تحشر رأسها بداخل الفرن وهو يعمل لتختار أن تودع الحياة في سن الثلاثين.

طوال السنوات الماضية تساءل الكثيرون ممن قرأوا أعمال الشاعرة الموهوبة سيلفيا عن سبب انتحارها، وظهرت العديد من الأقاويل والنظريات عن السبب ولا أحد يعلم ما الصحيح من الخاطئ، ومن ضمن هذه الأقاويل أن زوجها هو السبب! حيث إنه كان يقوم بالتقليل من قيمة قصائدها وأعمالها وأنه تسبب لها بضغطٍ كبير وشديد خصوصًا بعد إنجابها ٧ أطفال منعتها تربيتهم من ممارسة هواياتها وحياتها بشكلٍ طبيعي.

أيضًا يقال إنه بسبب تعلق سيلفيا بزوجها واعتباره الركن الوحيد المهم في حياتها والذي هو ناتج عن افتقارها لوجود الأب عندما كانت صغيرة، ساهم هذا أيضًا في عدم تحملها خيانته لها مع جارتها وحطم ثقتها بنفسها.

عانت سيلفيا من الاكتئاب الحاد، كانت تشعر بأنها أقل جمالًًا من التي خانها زوجها معها، تدهورت حالتها النفسية جدًا رغم تحذير الطبيب لها من تناول العقاقير التي تسببت في تدهور حالتها أكثر.

قصص انتحار الأدباء كثيرة جدًا ولا تنتهي

فهنالك أيضًا الأديبة البريطانية الشهيرة فيرجينيا وولف، التي انتحرت في عمر التاسعة والخمسين

سأقذف نفسي أمامك غير مقهورة أيها الموت، ولن أستسلم



ارتدت فيرجينيا وولف معطفها وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في نهر اوز، لكنها تركت رسالة أخيرة إلى زوجها، التي توضح له لماذا أخذت قرار الانتحار، معبرة له عن مدى حبها وامتنانها للسعادة التي كان سببا فيها، قائلةً:

: "عزيزي، أنا على يقين بأنني سأجن، ولا أظن بأننا قادرون على الخوض في تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى، كما لا أظن أنى سأتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتا، وفقدت قدرتي على التركيز، لذا سأفعل ما أراه مناسبا، لقد أشعرتني بسعادة عظيمة ولا أظن أن أي أحد قد شعر بسعادة غامرة كما شعرنا نحن الاثنين سوية إلى أن حل بي هذا المرض الفظيع، لست قادرة على المقاومة بعد الآن وأعلم أنى أفسد حياتك وبدونى ستحظى بحياة أفضل، أنا متأكدة من ذلك، أترى؟ لا أستطيع حتى أن أكتب هذه الرسالة بشكل جيد، لا أستطيع أن أقرأ. جل ما أريد قوله هو أنى أدين لك بسعادتى، لقد كنت جيدا لي وصبورا على، والجميع يعلم ذلك، لو كان بإمكان أحد ما أن ينقذني فسيكون ذلك أنت، فقدت كل شيء عدا يقينى بأنك شخص جيد، لا أستطيع المضي في تخريب حياتك ولا أظن أن أحد شعر بالسعادة كما شعرنا بها". 

وارتدت فيرجينيا وولف معطفها وملأته بالحجارة وأغرقت نفسها في نهر اوز، وُجد جسدها بعد أسبوعين من الحادثة، وقام زوجها بدفن رفاتها واضعًا على قبرها آخر جمله في روايتها "الأمواج": سأقذف نفسي أمامك، غير مقهورة أيها الموت، ولن استسلم".

علم دراسة الانتحار والمنتحرين

عند البحث عن ظاهرة الانتحار ودوافع المنتحرين نجد العديد من النظريات والفرضيات، وتحديدًا حينما ارتفعت معدلات الانتحار في الولايات المتحدة خصوصًا بين المقاتلين القدامى وأعضاء القوات المسلحة، ولم تعد النظريات القديمة تساعد في تفسير لما قد يُقدم الإنسان على الانتحار؟

وقف مجموعة من الأطباء النفسيين على إعادة دراسة المفاهيم الأساسية عن ماهية الأسباب التي تقود شخص ما لارتكاب أفعال تدمير النفس "الانتحار"

في العقد الماضي بزغ توجه فجر جديد في دراسة الانتحار، "هذا ما صرح به كريغن برايان، الطبيب النفسي في جامعة يوتاه في مدينة سولتا ليك وذلك بسبب مقدمته التي نشرت في عام ٢٠٠٥ عن نظرية الصفات الشخصية والانتحار.

حيث فصل في نظريته بين التفكير بالانتحار والإقدام عليه فعليًا من حيث تفسير كل منهما وعوامل الخطورة المسببة أيضًا، وهو ما يخالف ما كان سائدًا من قبل.

تطرح أحد توجهات هذه الأبحاث بأن هناك ثلاث عوامل مؤثرة قد تساهم في انتقال بعض الأفراد من مجرد التفكير بالانتحار إلى محاولة ارتكابه فعليًا

العوامل المؤثرة لارتكاب فعل الانتحار:

.١/ عامل وراثي: يجعل هؤلاء الأفراد أكثر تحملًا للألم الجسد

.٢/ عامل بيئي: التعرض لتجارب شخصية سببت ازدراء للذات

.٣/ سهولة الحصول على الأسلحة والأدوات القاتلة

ويبدو أن هذه العوامل الثلاث قد أثبتت صحتها حتى ضمن الشخصيات العسكرية

فقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الجنود المقاتلين يمتازون بشجاعة مطلقة وإحساس شبه معدوم بالألم الجسدي وهي خصال شخصية يمتلكونها قبل انضمامهم للقتال. وهذه الخصال التي حثت حامليها على الانضمام إلى القتال طواعية هي نفسها التي قد تزيد من نسبة محاولاتهم للانتحار إذا أثارت الحرب شعورًا عارمًا بالذنب والعار. 

في حدث غريب عام ٢٠١٣ ارتفعت معدلات الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية وكسرت حاجز ١٢.٦ حالة وفاة بعدما انخفضت بين عامي ١٩٨٦-٢٠٠٠ إلى ١٠.٤ حالة وفاة لكل ١٠٠ ألف.

هذا الأحداث الصادمة دفعت الباحثين إلى إعادة دراسة نظريات الانتحار القديمة الموجودة في الكتب، وأبرز نظرية عن الانتحار هي لعالم الاجتماع الفرنسي إيميل دوركايم

النظرية الاجتماعية في الانتحار

إيميل دور كايم



Join