نسوة من الهامش

لطالما تم اعتبار صناعة الأدب منجزًا ذكوريًا وأن الكتابة والنشر فعل ذكورة، فمنذ فجر التاريخ كان الصراع قائمًا حول قدرة المرأة على الإبداع في مجالات الثقافة المتنوعة ومطموسةً لعدة عوامل تتلخص في إما أنها عادات وتقاليد أو موروث شعبي.

وبالرغم من هذه التحديات استطاعت المرأة من جميع أنحاء العالم بشجاعةٍ وإصرار أن تخوض هذا المعترك، بل وتتفوق فيه.

فتبؤات المرأة مركزًا متقدمًا في الساحة الثقافية، بل أكدت على أن هنالك قوةً أدبية وفكرية ثقافية للمرأة قادمة نحو العالم.. ففي فترة وجيزة استطاعت المرأة أن تكون أديبةً، وشاعرةً، وناقدة وكاتبة لتثري الحراك الثقافي جنبًا إلى جنب مع أقرانها من الذكور في ذات المجال.

لكن!

يبقى التساؤل لماذا غاب القلم الأنثوي عن الساحة سابقًا؟

عودة تاريخية

يشترك الرجال والنساء في كونهم جزءًا من الجنس البشري، لكن الرجال هيمنوا على النساء منذ الأزل، وحرموا النساء من حقوقهن في كثير من المواقف.

 غالبًا ما حُرمت النساء من حقوق الإنسان، واستخدمهن المجتمع كما لو كن أوراق لعب أو دمى لخدمة مصالح "الآخرين" المتفوقين.

 هذه النظرة الاختزالية للمرأة انعكست في الأدب، أولاً بأقلام الكتّاب الذكور التي كانت نظرتهم أكثر اختزالاً مما هي عليه في الواقع أو أكثر مبالغة، ثم من قبل الكاتبات الآخريات اللواتي يظهرن عاطفيات ومتحمسات بشكل مفرط في تصويرهن لشخصيات النساء.!

ومن هذا المنطلق أكتب هذه التدوينة كتمهيد لدراسة أحوال المرأة مقارنةً بالأدب والواقع الفعلي في فترات زمنية سابقة.

الأدب النسائي

بالعودة إلى كُتب التاريخ نجد أنه لم يكن للنساء في الماضي الكثير من الفرص للحصول على التعليم الأكاديمي، والقليل منهن كن يتمتعن بفرصة القراءة في المنزل بسبب المجتمع المحافظ.

 لم يعتبر المجتمع الذكوري المحافظ أن النساء بشر بحاجة إلى التعليم!!

كان يُفهم من مصطلح "البشر" فقط الرجال الذين كانوا يكسبون المال ويهيمنون على الآخرين الذين يخدمونهم، بما أن النساء كن محصورات في المنازل ولم يكن يكسبن المال، فقد كن يُعامَلن مثل الخدم.

 ولجعل النساء خاضعات للرجال، اخترع الرجال نصوصًا مختلفة وارتبطت بالدين، النساء غير المتعلمات، اللاتي نشأن في ظل الدين، كن يصدقن هذه النصوص دون التشكيك في صحتها، وكلما زادت قناعتهن، زادت خضوعهن.

كان أي خروج عن هذا من قبل المرأة يُقابل بالقسوة الجسدية، وكانت النساء يتحملن بصمت حتى الضرب من قبل "أسيادهن" من الأزواج خوفًا من فقدان الجنة التي تقع تحت أقدام أزواجهن.

 تُشير النظرية الماركسية إلى أن الحاكم يطور بنية قمعية وأخرى أيديولوجية للحفاظ على السيطرة على المحكومين.


تقريبا نفس النظام اتبع في علاقة الرجل بالمرأة - القمع الجسدي والعقلي-  والنصوص مثل "الجنة تحت أقدام الأزواج" أو كلمات أخرى فُرضت على النساء.

 تم تصميم جميع وسائل الحياة والعيش للنساء مثل الطعام وأدوات الألعاب والرسومات والقصص في الكتب المدرسية بعناية لكي تتعلم النساء من خلالها أنهن نساء وأقل شأنًا من الرجال وهكذا..

لم يُخصص للمرأة غرفة خاصة بها؛ كانت دائمًا تأكل بعد أن ينتهي جميع الذكور من الأكل؛ وكانت الطفلة تُشترى لها دمى على هيئة نساء إما يطبخن، أو يكنس، أو يخطن، أو جالسات مع وجوه مغطاة، أو يخدمن أزواجهن؛ أو تتعلم من كتب الحساب أن عشر نساء يقمن بعمل في ستة أيام يمكن أن يقوم به خمسة رجال في ثلاثة أيام.

من خلال اللعب بمثل هذه الدمى التي تجد مظهرها مشابهًا لها تتعلم الفتاة موقعها ومن ثم تصبح امرأة خاضعة، مطيعة ووديعة—في الواقع دمية!!

 

مصطلح "الهيمنة" الذي استخدمه أنطونيو غرامشي في كتاباته مفيد في تفسير هذا الوضع الخاضع للمرأة.


تحترم المرأة موقعها لأنها اختارته ولا يخطر ببالها أن هذا الوضع الخاضع قد فُرض عليها بشكل ماهر من قبل الرجال من خلال خطاباتهم الاجتماعية المصممة بعناية لتعليق على هذا الوضع للمرأة.

يعطي الرجل المرأة مكانةً ثانوية ويبقيها هناك بدهاء وذكاء لدرجة أنها بدأت تفقد جميع مفاهيم استقلالها، فرديتها، مكانتها وقوتها

على الرغم من أن النساء كن ولا يزلن خاضعات للرجال في المجتمع، فإننا نجدهن مختلفات، إما أفضل أو أسوأ، ففي الأدب لم يتم تمثيلهن تمامًا كما هن في الواقع، يبدو أن تصوير شخصيات النساء هو نتاج لأهواء وحالات عقلية غير مستقرة للكتّاب، خاصةً من الذكور!

ونتيجة لذلك نجد النساء ممجدات في جزءٍ من الأدب، ولكن في جزءٍ آخر نجدهن مقدمات بشكلٍ مختلف.

على سبيل المثال: تُقدم النساء في بعض القصائد كصانعات للمجتمع وفي أخرى يظهرن كسيئات ومدمرات.

في هذا السياق، نجد أن المرأة لم تُقدم بشكل صحيح في الأدب عبر العصور، ففي المجتمع كان لها مظهر معين، لكن في الأدب كان لها مظهر مختلف تمامًا.

إذا ذُكر اسم امرأة في أي صفحة من صفحات التاريخ في ذلك الوقت، فإنها تُذكر إما على أنها زوجة أو ابنة شخص ما، أو كشخصية محبوسة، مضروبة ومُلقاة في الغرفة لرفضها الزواج من الرجل الذي اختاره والداها.

لتعليق على وضع النساء في الأدب، كتبت وولف: "لقد تألقت النساء كمنارات في جميع أعمال جميع الشعراء منذ بداية الزمن—كليتمنسترا، أنتيغون، كليوباترا، الليدي ماكبث، فيدرا، كريسيدا، روزاليند، ديدمونا، دوقة مالفيا، من بين الكتاب المسرحيين؛ ثم بين كتّاب النثر: ميليمانت، كلاريسا، بيكي شارب، آنا كارنينا، إيما بوفاري، مدام دي جورمانت—تتدفق الأسماء على الأذهان.


 لكن هذا هو حال المرأة في الخيال، أما في الواقع كانت تُحبس، تُضرب وتُلقى في الغرفة.

Join